كان في جملة الأقوال الآسرة التي نُسبت في نهاية الأسبوع إلى رئيس الموساد التارك عمله مئير دغان، قول واحد من المفيد على نحو خاص التوقف عنده: فقد قال دغان في تلك الحلقات التي اقتُبس من كلامه فيها، إن الدولة لا تخرج للحرب إلا والسيف موضوع على عنقها. قيل هذا الكلام واقتُبس كما يبدو في السياق الإيراني، لكن من المهم أن نتناوله في السياق الإسرائيلي العام. لم يقصد دغان، بطبيعة الأمر، عملية محددة مثل «الرصاص المصبوب». فقد تحدث عن استعمال كبير للقوة العسكرية. وهو من القليلين في القيادة الأمنية الذين يتذكرون كيف يبدو هذا الاستعمال: ففي هيئة أركان يوآف غالنت لا يوجد شخص حارب في يوم الغفران، وقليلون فقط رأوا من قريب حرب لبنان الأولى. إن دغان، الذي كان قائد سرية في سلاح المظليين في حرب الايام الستة، حارب في فرقة شارون في يوم الغفران وتولى قيادة لواء مدرع في لبنان، وجُرح مرتين في أثناء خدمته. وأكثر من ذلك أنه عرف جيدا حدود القوة العسكرية وكم هو مهم الحذر في استعمالها. من المثير أن نفكر في هذا السياق في صديق دغان وراعيه أريئيل شارون. لقد جسد شارون بجسمه وأفعاله تصور القوة الإسرائيلية: وكانت حرب لبنان الأولى ذروة فكرة أننا نستطيع أن نصوغ صورة المنطقة بالقوة، وأن نستعمل قوة الجيش الإسرائيلي، لا لأهداف دفاعية فحسب بل لإحراز أهداف سياسية بعيدة المدى. لم يقل شارون قط في صراحة إنه تعلم الدرس، لكن سلوكه إذ كان رئيس حكومة بعد ذلك بعشرين سنة شهد بأن الأمر كذلك. وكان من جملة ما كان هو الشخص الذي جعل الموساد، ودغان على رأسه، في مركز جهود تثبيط المشروع الذري الإيراني، وهي جهود نجحت في إطار التصور الذي يشتمل على ضغط دولي وعقوبات اقتصادية في إحداث ضرر بالمشروع أكبر كثيرا مما كانت تفعله عملية عسكرية ما، من غير دفع ثمن من شرعية العملية. هذا تطور يثير العناية: إن آخر أبناء الجيل الذي نشأ على مقولة «نحيا بسيفنا»، من أولئك الذين مضوا إلى المدرسة بهراوة مثل شارون، وأولئك الذين تولوا قيادة وحدات اغتيال مثل دغان في غزة، هم أكبر المتنبهين من وهم القوة. قال وزراء بعد حرب لبنان الثانية إن الرد المطلوب على اختطاف «حزب الله» عند شارون ما كان يتدهور البتة إلى 34 يوم قتال. ربما كانت إسرائيل تلوح بسيف عملية عسكرية في إيران، لكن الطائرات ما كانت لتُقلع. لا تخرج الدولة للحرب إلا والسيف موضوع على عنقها. من المهم تذكر هذه الجملة. فهي للإسرائيلية الواثقة بنفسها التي أخذت تختفي تحت الخطابة المتباكية المدعية بأننا ضحية في السنين الأخيرة: خطابة كل عدو فيها هو هتلر، وكل تحرش بنا أو عملية علينا خطر وجودي، وإن قوى إسرائيل العظيمة تغرق في موجة رحمة الذات. من المهم أن نتذكرها في عالم ٍ الرجالُ العسكريون فيه في الحاضر أو في الماضي هم الصوت صاحب القرار في الغرف التي تتخذ فيها القرارات، وإذا وُجد في الغرفة مدنيون فإنهم يحاولون، في أحيان كثيرة، أن يبرهنوا على أنهم أكثر حبا للقوة من رجال القوة. إن الجيش الإسرائيلي هو جيش الدفاع عن إسرائيل، ويجب أن يكون استعماله بمقتضى الحاجة، وعلى حذر، مع فهم تام للآثار النابعة وتلك التي يمكن أن تكون. من المحزن، ومن المقلق خاصة، أن رئيس الموساد التارك عمله خاصة، وهو رجل عاش المعارك الأمنية نحو خمسين سنة، يشعر بضرورة مُلحة لذكر هذه الحقيقة البسيطة قبل أن يترك المنصة. هل يعني هذا أنه يعلم شيئا يجب أن نعلمه عمن يمسك اليوم بمفاتيح القوة في يده؟ عن «معاريف»