تنشغل النساء وخاصة الفتيات في مقتبل العمر بإيجاد الأجوبة للعديد من المشاكل الصحية التي تواجههن في حياتهن اليومية. البروفيسور خالد فتحي المختص في أمراض النساء والتوليد يجيب عن هذه الأسئلة المحيرة. - عمري 41 سنة، حامل في الشهر الثالث. إني متخوفة من ولادة طفل منغولي (Un mongolien) لقد أجريت فحوصا بالصدى لدى طبيب أمراض النساء والولادة. لكن ذلك لم يضع حدا لوساوسي فسني متقدم على ما يبدو. وأود أن أعرف منكم هل هناك طريقة للتيقن من سلامة طفلي من هذا المرض الوراثي أو الخلقي خلال مدة الحمل. يتملك القلق الكثير من الحوامل اللائي تقدم بهن العمر من إنجاب طفل منغولي (Trisomie21) حيث يرهقهن هذا الوسواس طيلة مدة الحمل. ولا ينتهي هذا الجحيم إلا عندما تحين لحظة الولادة ويعلن لهن طبيب الأطفال في أغلب الحالات أنهن وضعن طفلا سليما معافى خاليا من أي تشوهات خلقية. يعانين كل هذه المعاناة دون أن تدري أغلبهن أنه بإمكانهن الاستفادة من التقدم العلمي بخصوص هذه المسألة أيضا، وأنهن يمتلكن وسائل إن لم تكن تحسم القضية خلال الحمل، فعلى الأقل بوسعها تطمينهن من خلال مقاربة واستباق ما سيحدث، مما يسمح لهن بحمل يكون في منأى عن التوجسات والترقبات وانتظار المفاجآت غير المرغوبة التي قد تقلب استقرار وحياة الأسرة رأسا على عقب. وقبل أن نخوض في شرح هذا الموضوع ونذكر عوامل الخطورة التي تنذر فقط باحتمال إصابة الجنين لابد لنا قبلا أن نعرف ماهي المنغولية (mongolisme) وما هي علاماتها؟ وماهي معاناة الأطفال المنغوليين ومعاناة أسرهم؟ هذا ويستطيع عامة الناس أن يتعرفوا على الأطفال المنغوليين بسبب شكلهم الذي يحيل على شعب المغول. هذا الشعب الذي يرتبط ذكره لدى المسلمين بالدمار الذي حاق بالحضارة العربية أيام انحطاط الدولة العباسية في المشرق. وكان الطبيب البريطاني جون لانفدون داون أول من وصف بدقة هذه المتلازمة سنة 1866 فكان أن حازت اسمه وأصبحت تدعى باسمه أي متلازمة داون. وكانت تعني آنذاك مجموعة من الخصائص والسمات التي تظهر مجتمعة في آن واحد لتمييز فئة متشابهة من الأطفال المتخلفين عقليا من حيث صفاتهم الجسمية الخارجية ومن حيث نسبة ذكائهم المنخفضة. لكنه في عام 1959 سيستطيع العالم جيروم لوجين (Jerome lejeune) أن يفسر لنا كيف أن متلازمة داون هي مرض صبغوي ناجم عن خلل في الكروموسومات من خلال تواجد نسخة زائدة من كروموسوم 21. أو جزء منه فقط وهكذا فعوض أن يكون مجموع الصبغيات داخل نواة الخلايا هو 46 فإنه يصبح 47 بسبب وجود 3 صبغيات بدل 2 من الصبغي رقم 21، لذلك فإن التسمية التي تعبر عن الحالة هي التثالث الصبغي 21 (trisomie21) وللإشارة فإنه توجد أنواع أخرى من المتلازمات سببها وجود 3 صبغيات من نفس الصبغي كمتلازمة إدوارد التي تهم الصبغي 18 ومتلازمة باتوفي التي تهم الصبغي 13. تقدر نسبة الإصابة بالتثالث الصبغي 21 بنحو واحدة من كل 1000 ولادة. لكن في عام 2006 وحدها كان المعدل بالولايات المتحدةالأمريكية هو حالة واحدة من كل 733 حالة فقط. يمكن القول إن جميع الأعراق معنية بهذه المتلازمة, كما أنها تستهدف الفقراء والأغنياء دون تمييز وأن تقدم عمر الأم يلعب دورا كبيرا في رفع مخاطر ولادة طفل يعاني من التثالث الصبغي 21. تتسم متلازمة داون بحدوث تغييرات كبيرة أو صغيرة في بنية الجسم تنحو نحو صفات ومظاهر مميزة في الوجه على الخصوص ومصحوبة بضعف في الذكاء وفي النمو الجسماني. وهكذا يتصف المنغوليون بقصر القامة وبصغر غير طبيعي في الذقن وبعيون منسحبة للأعلى وذات جفون سميكة ومتدلية وبحاجبين كثيفين شبه ملتصقين وبتسطح في جسر الأنف وبروز في اللسان بسبب صغر تجويف الفم وتضخم اللسان. أفواههم تكون غالبا مفتوحة بسبب اعتمادهم على التنفس من الفم وليس الأنف. رقبتهم قصيرة وممتلئة بالزوائد الجلدية. لهم بطن منتفخ قد يتسبب في فتق السرة. كما أنهم يملكون طية واحدة في راحة الكف وأقدامهم ممتلئة وذات أصابع قصيرة مع وجود مسافة كبيرة بين أصبع القدم الكبير والأصبع الذي يليه. مشيتهم تتميز بتباعد الرجلين وتقوس الظهر بسبب الليونة المفرطة لأربطتهم وعضلاتهم. من أكثر الأمراض التي يمكن تشخيصها لدى هؤلاء الأطفال نذكر عيوب القلب الخلقية والتي قد تتطلب جراحة تصحيحية وضعف السمع واضطرابات الغدة الدرقية، بالإضافة إلى الصرع وضعف جهاز المناعة وسرطان الدم. من الضروري أيضا الإشارة إلى أن هؤلاء الأطفال يتسمون بالوداعة والهدوء ويميلون إلى المرح ويتطلعون دائما لجلب اهتمام الآخرين بهم، إذ يبادرون دائما إلى السلام باليد على محيطهم كما أنهم شغوفون بالموسيقى والغناء. ويعاني هؤلاء الأطفال من قصور عقلي يتراوح بين الخفيف والشديد لكن أغلبهم يصنفون ضمن القصور العقلي المتوسط. كما أن خصوبتهم منخفضة ذكورا كانوا أو إناثا إذ لا نصادف إلا حالات استثنائية للإنجاب لدى الذكور بينما يقل الحمل لدى المنغوليات مقارنة بالعاديات من النساء، في حين أن 50 % من أطفال هؤلاء المصابين يعانون أيضا من متلازمة داون لكن مع ذلك فإن متلازمة داون على شدتها لا تخلو من فوائد صحية، إذ أن المصابين يتعرضون بشكل أقل للسرطان ولتصلب الشرايين واعتلالات العين المترتبة عن السكري: ولأن ولادة طفل منغولي تفرض مشاكل جديدة على الأسرة، تسعى النساء الحوامل غالبا للاطمئنان على سلامة من يرقد «بأحشائهن»، لذلك فإنهن ينشدن معرفة إن كن بمنأى عن عوامل الخطر التي ترفع من نسبة حملهن بطفل غير سليم: فما هي يا ترى هذه العوامل التي ينبغي التوجس منها؟ أول هذه العوامل هي سابقة إنجاب طفل غير معافى. فإذا كان لدى الحامل طفل مصاب بمتلازمة داون فهي معرضة لإنجاب طفل آخر مصاب. كذلك إذا كانت المرأة تعاني من خلل يهم الصبغيات، فإن ذلك يعني زيادة في نسبة إنجاب طفل منغولي. هذه حالات خاصة يقل فيها عادة وقع المفاجأة بخلاف الحالات « العادية» التي تحتفظ فيها المفاجأة بكل عناصر الشدة ولعل أبرز عامل عادي يحبك خيوط هذا الحظ العاثر في صمت هو عمر المرأة، إذ أثبتت الملاحظات أنه كلما تقدم سن المرأة الحامل كلما ازدادت خطورة إنجاب طفل مصاب بمتلازمة داون، فإذا كان عمر المرأة الحامل هو : 20، 25، 30، 35، 40، 45 وما فوق 45 سنة، فإن نسبة إصابة الجنين بمتلازمة داون هي على التوالي 1600/1،3000/1،1000/1،365/1،90/1،30/1،19/1 وهكذا فأنتم تفهمون عندما تمعنون النظر في هذه المعطيات الجدول لماذا تزداد المخاوف كلما زاد عمر المرأة، ومع ذلك فالأمور ليست بهذه البساطة، فالأمهات دون سن 35 سنة ينجبن أكثر من 80 % من الأطفال ذوي متلازمة داون حيث يعود هذا بالتأكيد إلى أن المرأة تزهد في الإنجاب بعد هذا السن. إن مسؤولية إنجاب هؤلاء الأطفال غير الأسوياء لا تعود للأم دائما ففي 20 إلى 30 % من حالات متلازمة داون يكون الصبغي الزائد قادما من لدن الأب، كما تشير الأبحاث أيضا إلى أن عمر الأب وخاصة ما بعد 42 سنة يزيد من خطر الإصابة بمتلازمة داون في حالات حمل الأمهات المتقدمات في العمر. التشخيص خلال الحمل : يمكن طبعا اقتراح رصد التثالث الصبغي21 لدى كل حامل. وتترك لها حرية القرار في الخضوع لهذا الرصد الذي يتم من خلال فحص سائل النخط عبر سحب عينة منه، لكن لا يجري هذا الاختبار إلا عندما يكون هناك احتمال عال لإصابة الجنين بأمراض مرتبطة بالوراثة وبالصبغيات. كذلك هناك طريقة أخرى تتمثل في فحص الجنين بالصدى بين الأسبوع 11 والأسبوع 14 من خلال قياس أو حساب سمك منطقة توجد بالرقبة تكون خالية من الصدى، فكلما كان سمك هذه العلامة التي يميزها الأطباء بسهولة كبيرا كلما كبرت احتمالات الإصابة بمتلازمة داون (أكثر من 3 ملم). عند هذا الفحص قد نقرر اقتطاف خزعة من المشيمة بسرعة لمعرفة الخريطة الجينية للجنين(النتيجة خلال 48 إلى 72 ساعة)، لكن هذا الاختبار قد يؤدي أحيانا إلى إجهاض غير مرغوب فيه. وفي أغلب الأحيان يمكن أن تفضل المرأة الانتظار إلى حين إجراء فحص الدم لقياس معدل بعض الهرمونات ما بين الأسبوع 14 والأسبوع 18 ويتعلق الأمر باختبار للرصد يساهم في طمأنة الحامل حين يكون طبيعيا لكنه لا يضمن سلامة الجنين 100 %. وهكذا فإننا نحسب وفق برامج معلوماتية خطر الإصابة من خلال الجمع بين ثلاثة عناصر : خطر الإصابة النظري المرتبط بسن الحامل والمدة التي قطعها الحمل. ونسبة معدلات الهرمونات. لذلك عندما يرتفع مؤشر الخطر قد تقرر المرأة الخضوع لفحص سائل النخط الذي يفحص خلايا الجنين فيقطع الشك باليقين لكنه يؤدي إلى الإجهاض في 1% من الحالات. سيدتي إن قرار رصد التثالث الصبغي 21 يعود في كل الحالات للحامل. فعليك التفكير مليا فيما إذا كنت تودين معرفة إمكانية إصابة طفلك. فطبيبك يستطيع أن يساعدك فقط على استيعاب عوامل الخطورة لديك كما بوسعه أن يؤطر قرارك في الاتجاه الصائب لا غير. وفي الأخير فمتلازمة داون ليست داء أو مرضا بل هي خلل في الصبغيات وإذا كان تغيير هذه التركيبة الوراثية يعد مستحيلا فعلى الأقل يمكن من خلال التدخل الطبي المبكر وتوفير الجو العائلي المناسب والتربية والرعاية تحسين جودة الحياة لدى هؤلاء الأطفال.