عمري 32 سنة سبق لي أن خضعت لإجهاض عمدي منذ ثلاث سنوات. لأنني لم أكن أرغب لا أنا ولازوجي في الإنجاب. ولكنني الآن لا أتمكن من الإنجاب حيث أجهضت تلقائيا 4 مرات. وبعد عدة فحوصات تبين للأطباء أني كنت أعاني في التصاق بالرحم يقولون إنه يرجع لعملية الإجهاض الأولى. سؤالي: ماهو التصاق الرحم؟ وماهي علاماته ؟ وما تأثيره على الإنجاب ؟ وهل يسبب العقم؟ وماهي طرق علاجه ؟ تعاني نسبة غير قليلة من النساء في المغرب وفي العالم من مشكل الالتصاقات بالرحم حيث تنخفض وظيفة الخصوبة عندهن وتظهر عليهن بعض الأعراض الطارئة المرتبطة بالعادة الشهرية. ولعل أكثر ما يخيف في هذه الالتصاقات كونها ليست ذات مظهر سريري واحد أو ذات مآل موحد. فتأثيرها على الإنجاب يتباين من حالة لحالة. كما أن حظوظ الشفاء تختلف كثيرا من امرأة لأخرى مما يعني أن المقارنة بين الحالات تبقى مجرد مقاربة خاطئة وسعي للحصول على اطمئنان خادع قد يكون أحيانا مضللا. الأسباب وقبل أن نفيض في ذكر أسباب حدوث هذه الالتصاقات يجدر بنا أن نعرفها أولا : إنها عبارة عن مناطق تماس تصغر أو تكبر قليلا تحدث بين جدران الرحم فتقلص من مساحة أو تحذف تجويف الرحم هذا برمته، وتعقب في الغالب كحتا مبالغا فيه لبطانة الرحم خلال تدخل طبي يكون عموما بغرض الإجهاض، ورغم تقدم تقنيات كحت الرحم، فقد ظلت نسبة هذه الالتصاقات ثابتة عبر العالم. فتناقص حالات الإجهاض العمدي غير المراقب طبيا وحتى ما جنحت إليه تشريعات وقوانين بعض الدول الغربية التي رخصت بالإجهاض لمواطنيها, لم ينجحا في وضع حد للظاهرة: فحالات الالتصاق ظلت محافظة على نفس الأرقام. هذا وقد ساد الاعتقاد لمدة من الزمن في صفوف الأطباء أن استعمال تقنية الشفط (Aspiration) التي عوضت تقنية الكحت بأدوات حديدية ستكون أقل ضررا وأقل تسببا في مثل هذه المضاعفات، إلا أن الإحصائيات تدل أن لا علاقة للالتصاقات بتقنية الإجهاض بل حدوثها مرتبط بهذا الإجهاض في حد ذاته أيا كانت طريقته والذي يلحق أفدح الأضرار برحم المرأة وقد يفقدها خصوبتها ويحرمها من نعمة البنين إلى الأبد. لكن ينبغي أن نقول أيضا إن كل رضح يهم تجويف الرحم يمكن أن يؤدي إلى حدوث التصاق بين دفتيه من خلال تدمير الطبقة القاعدية لبطانة الرحم, تتساوى في ذلك كل المناولات بما في ذلك وضع لولب بطريقة غير سوية. ومع ذلك فالحالات الأكثر شيوعا تقع عندما نكحت ونشفط رحما به حمل, فالخطر يكون دائما أقوى عندما تكوت عضلة الرحم رخوة وأكثر امتلاء بالدم. وهذه الشروط تتوافر عندما تكون المرأة حاملا بل وتتفاقم كلما تقدم الحمل بالمرأة أو تم هذا الكحت (Curtage) خلال مرحلة النفاس أو بعد أن تحتفظ المرأة طويلا في رحمها بجنين فارقته علامات الحياة. كذلك تلعب الجراحة دورا في حدوث هذه الالتصاقات كأن تخضع المرأة لكحت بطانة الرحم بسبب تضخمها لأجل وضع حد للنزيف. أو تستأصل لديها بعض الأورام الليفية، أو عندما تهم الجراحة تجويف الرحم لأجل إزالة حاجز غير طبيعي يقسم هذا التجويف إلى نصفين. وأحيانا قد تعقب هذه الالتصاقات عملية قيصرية أو علاج طفيف بالكي الكهربائي لعنق الرحم. لقد سردت لكن كل هذه الأسباب لأخلص إلى القول بأن للأطباء أيضا مسؤولية جسيمة في حدوث مثل هذه الالتصاقات حيث تلعب تجربة وخبرة الجراح ومعرفته الدقيقة بالتقنيات التي يزاولها دورا كبيرا في الوقاية منها. إن هذه الالتصاقات قد أضحت شائعة جدا، حيث نشخصها في الصور الإشعاعية للرحم لدى 1.5 % من النساء مجتمعات، ولدى 3.8 % من النساء اللائي يقصدن الطبيب لعلاج عقم ثانوي ولدى 5 % من النساء اللائي يعانين من إجهاض متكرر. كذلك تتطور هذه الالتصاقات ببطء نسبي عقب الحادث المتسبب حتى تكون مخاطية في الأول، ثم تصبح ليفية بعد 6 أشهر، لتتحول إلى التصاقات عضلية خلال عام، مما يعني في هذه الحالة سماكتها وصلابتها وتمنعها على العلاج الشافي. الأعراض هذا وتختلف الأعراض المرافقة للالتصاقات من حالة لأخرى وذلك حسب تمركزها وسعتها وعددها. بعض هذه الالتصاقات قد تبالغ في الصمت فتظل دون أعراض، حيث لا تشخص إلا بالصدفة أثناء تصوير إشعاعي أو تنظير للرحم، بسبب عجز عن الإنجاب ألم بالمرأة. وتعبر الالتصاقات الناطقة عن نفسها من خلال اضطرابات العادة الشهرية، ولأن المنطقة المعنية بالالتصاق لا تعود معنية بهذه العادة الشهرية، لأنها أضحت مقفرة مجدبة لا بطانة رحم على مستواها, فإن كمية العادة الشهرية تقل لزوما لأنها تمثل فقط سقوط ما بقي سليما من تجويف الرحم عند كل شهر, ولذلك فعندما تكبر المساحة المعنية بالالتصاق، فإن العادة الشهرية قد تختفي تماما. وهكذا تحيلنا هذه الاضطرابات مباشرة على مشكل الالتصاق الرحمي كلما أعقبت تدخلا طبيا أو عملية جراحية مست جوف الرحم. اضطراب وظيفة الإنجاب تؤدي 40 % من الالتصاقات إلى العقم بسبب عدم تيسر الحمل وذلك عندما تهم منطقة عنق الرحم. ففي هذه الحالة يكون عنق الرحم مسدودا وفوقه تجويف رحم عادي. ولكن لا طائل من ورائه مادام إغلاق عنق الرحم يسد الطريق أمام الحيوان المنوي للذهاب بعيدا لتلقيح البويضة. كذلك يحدث العقم بداهة عندما يهم الالتصاق كل جدران الرحم. حيث يتحول هذا الأخير إلى كتلة لا فراغ بداخلها يسمح بنفاذ الحيوانات المنوية أو باستقرار الحمل. لكن الحمل مع ذلك يظل ممكنا في أشكال الالتصاقات الأخرى التي تكون محدودة. ومع ذلك فهو حمل محفوف بالمخاطر. فقد يحدث إجهاض تلقائي أو ولادة قبل الأوان لأن الالتصاق يلتهم جزءا من مساحة الرحم كان معدا لاستقبال الجنين, فيضيق الأمر بهذا الأخير وقد ينتهي كل هذا إلا أن يقذف به خارج الرحم بسبب كثرة الكحت, أو لأن ارتخاء عنق الرحم قد يجعله لا يستطيع التمسك بالحمل والاحتفاظ به قبل الموعد المحدد. كذلك قد يموت الحمل أو قد يتعثر نمو الجنين بسبب مشاكل تتعلق بترويته الدموية بسبب الالتصاق. أما إذا كتب الله للجنين النجاة أو الخلاص من كل هذا. فإن الولادة تظل محطة تضج بالصعوبات والمشاق، فقد يكون حال ووضع الجنين سيئا خلال الوضع كأن يتماثل بمقعدته أو بكتفه عوض رأسه للخروج إلى الحياة، وقد تكون المشيمة منزاحة عن مكانها الطبيعي فتسد طريق الخروج أمام الجنين، فلا يكون هناك مناص من القيصرية. ولكن أحيانا يتعثر حظ الحامل فتقع المشيمة فوق ندبة الالتصاق. وهنا تتغلغل بعيدا داخل عضلة الرحم مما يسبب نزيفا بعد الوضع وقد يؤدي لاستئصال الرحم. يتم تشخيص هذه الالتصاقات من خلال التصوير الإشعاعي ومن خلال الفحص بالصدى وبالخصوص من خلال الفحص المنظاري، فخلال هذا الفحص نرى التصاق جدران الرحم الذي يظهر على شكل نتوء لأحد الجدران ونقيم صلابته ومدى تقادمه ونستطيع أيضا أن نتكهن بفرص ونسبة حظوظ العلاج والشفاء. العلاج إذا كانت المرأة زاهدة في العلاج لأنها أنجبت ما يكفيها من الأطفال فلا داعي لفرضه عليها. أما في الحالات الأخرى، فإن هذا العلاج يكون جراحيا ويتمثل في تدمير الالتصاق والحيلولة دون تكراره. يتم هذا التدمير من خلال فض نقط التماس عبر فحص بمنظار يكون مزودا بآلات قطع صغيرة. إذا هم الالتصاق وسط الرحم فإن النتائج تكون إيجابية جدا. أما إذا كان جانبيا فهناك خطر ثقب الرحم خلال التدخل الطبي. لذلك فإن الأطباء قد يتحكمون في هذا التدخل من خلال مزامنته مع فحص بالصدى. إذا كان الالتصاق كبيرا أو قديما فقد يتعين أحيانا تكرار العلاج المنظاري. وأحيانا قد لا يجدي كل هذا. فنلجأ للجراحة التقليدية حيث يتم شق البطن. ثم تقوم يد الجراح باحتضان الرحم بينما تضطلع يده الأخرى بإدخال آلة حديدية عبر المهبل إلى داخل الرحم لتدمير الالتصاق, فتضمن اليد الأولى عدم ثقب الرحم. بعض الأطباء لا يرون داعيا لإجراء وقائي بعد العملية. لكن آخرين يرون العكس حيث يضعون بالونا داخل الرحم لمدة 15 يوما يعوضونه بعد ذلك بلولب لمدة شهرين لضمان عدم انتكاسة الالتصاق. كذلك تعطي للمرأة هرمونات الاستروجين لتنمو بطانة الرحم ومضادات حيوية لمنع التعفن. تخضع المرأة لفحص للتثبت من فعالية العلاج بعد شهر من العلاج. وفي حالة الحمل لا داعي للكثير من التوجس فهذا الحمل لا يطرح غالبا أي مشاكل تذكر. . البروفيسور خالد فتحي