قد يستغرب المرء ممّا قد يقدم عليه بعض الأشخاص المنتمين لبلد إسلامي يعلمون علم اليقين ثقل مسؤولية الشهادة في الإسلام وفي القانون، وعقوبة شاهد الزور في الإسلام وفي القانون وخطورتها على المجتمع وانعكاساتها على أفراده والظلم الذي يلحقه بهم، في تزوير الحقائق وتزييف الوقائع وهضم الحقوق التي ضمنها الشرع الإلهي، كما نصّ على صونها القانون الوضعي، بنقلها من أصحابها إلى غيرهم. عشرات المئات من الملفات تتضمن قضايا الطعون في شهادات مُتهم أصحابها بالزور عن بينة من أمرهم أو عن جهل أو لتثبيت مصالح لهم أو لذويهم أو لأقاربهم أو لأصحابهم، منهم من كان يمتهن شهادة الزور، أمام أبواب المحاكم، مقابل مبالغ مالية أسعارها تتناسب وثقل الشهادة وحجم نتائجها، ومنهم من يتجرد من إنسانيته ويعدم ضميره، ويتعمد الإدلاء بشهادة الزور يزكيها باليمين، وآخرون يقومون بذلك، وهم على مائدة من الموائد المتخمة بمختلف الأطباق والمشروبات والفواكه، خدمة لأحد معارفه أو أقاربه يراها صائبة ولا تحمل خطورة... يحكي العدل الذي قضى بهذه المهنة أكثر من 30 سنة، حرر فيها مئات العقود المختلفة والمتنوعة، كما استمع لمئات الشهود في هذه القضايا، قد تكون تضمنت شهادات زور لا يعلمها إلى الله وشاهدو الزور، (يحكي) أن هؤلاء الأشخاص المتقدمين في السنّ، والذين كانت تتراوح أعمارهم بين الستين والسبعين، كانوا يصطفون أمام محكمة قضاء الأسرة في سنوات الثمانينيات والتسعينيات بحي القصبة بالمدينة القديمة في وجدة، يتحينون فرصة قدوم المواطن الذي يكون في حاجة إلى تحرير كتاب عدلي، خاصة، في قضايا مدونة الأحوال الشخصية من زواج وطلاق أو غيرها وما تتطلبه الوثيقة من شهادة 12 شاهدا على واقع أو حقيقة يعلمها علم اليقين ويدلي بها... كان هؤلاء الشهود الفقراء يمتهنون الإدلاء بشهاداتهم زورا، مقابل مبالغ مالية، في قضايا عقود زواج لا خطورة فيها كزواج اليتيمة، وهي الشهادة التي كان «بيعها» و«المتاجرة» فيها بالنسبة إليهم مصدر رزق لكسب قوتهم اليومي، حيث كانوا يصنفون في خانة المتسولين والمستجدين. فكان صاحب الوثيقة العدلية يجد حاجته لديهم كما كانوا هم يجدون مآربهم لديه. اكتشف العدل شاهدي الزور هؤلاء الممتهنين لهذه الحرفة بعد أن أثار انتباهه ورود أسمائهم في نفس العقود والوثائق العدلية التي تتضمن شهاداتهم في مختلف القضايا، ولاحظ نفس الوجوه تدخل مكاتب العدول يوميا للإدلاء بالشهادات، كما لاحظ أن أحد السماسرة يقودهم إلى هذه المكاتب. نهرهم في بداية الأمر ورفض شهاداتهم قبل أن يقرروا تجنبه رفض الإدلاء بشهاداتهم لديه والتوجه إلى مكاتب أخرى، الأمر الذي جعل العدل يثير انتباه القاضي آنذاك، الذي لم يصدق الأمر في بدايته إلا بعد أن فتح تحقيقا وتأكد من حقيقة واقع الأمر. لم يعد الآن لهؤلاء شهود الزور أثر لأن العديد منهم التحق بربه، فيما أغلقت مدونة الأسرة الجديدة جميع الأبواب أمام مثل هذه الممارسات بعد أن تغير فيها ما تغير ولم تعد في كثير من الحالات هناك حاجة لشهادات شهود. ومن جهة أخرى، اعتبر العدل أن أخطر شهادة زور هي تلك التي تتعلق بالتجريح في المطلقة واتهامها بالفساد من أجل نقل الحضانة إلى غيرها وحرمانها من أطفالها ظلما وعدوانا، وهو ما جعل العدل يؤكد على وجوب استحضار العدول لذكائهم وانتباههم في العديد من الحالات وأن لا يتسرعوا ويطلبوا معلومات أدقّ لإفحام الشاهدين كلما ساورهم الشك، وإذا تبين له عدم الجدية في الشهادة عليهم رفض تزكيتها لأنهم في هذه الحالة يعتبرون شركاء في الجريمة أمام الله. لفيف عدلي مزور ينسب جزائريا للمغرب أحالت عناصر الفرقة الاقتصادية والمالية التابعة لمصلحة الشرطة القضائية بولاية أمن وجدة، خلال شهر ماي الماضي، على المحكمة، عوني سلطة «شيوخ »بالمقاطعة الحضرية الرابعة عشر بحي لازاري بوجدة من أجل تسليم وثائق إدارية رسمية لمواطن جزائري بطريقة غير قانونية، كما تم استدعاء شهود اللفيف العدلي للاستماع إليهم وتحديد مدى مسؤوليتهم في النازلة. وحسب مصدر مطلع، جاءت عملية اعتقال عوني السلطة بعد تورط المعنيين في تسليم جزائري فارّ من عدالة بلاده ومحكوم عليه ب20 سنة سجنا، شهادة إدارية تثبت إقامته بحي مولاي الميلود بلازاري لمدة أكثر من 20 سنة، في منزل تبين فيما بعد أنه لشخص آخر يقيم فيه منذ أكثر من ثلاثين سنة. وتعود تفاصيل هذه القضية، إلى حصول الجزائري في وقت سابق على لفيف عدلي مزور من مدينة تازة، يثبت نسبه المغربي لأحد الأشخاص بإحدى ضواحي المدينة مقابل مبالغ مالية، لينتقل بعد ذلك إلى مدينة وجدة، حيث استطاع بطرق غير مشروعة وغير قانونية الحصول على وثيقة إدارية تثبت إقامته بحي ظهر المحلة لازاري، ليتمكن فيما بعد عن طريق الوثيقة الإدارية واللفيف العدلي من الحصول على بطاقة تعريف وطنية بيومترية. شهادة زور تقود أصحابها إلى السجن في العيد قضى شهود زور فترة أحد الأعياد بسجن وجدة بعد أن أدلوا بشهادة زور في حقّ سيدة وزوجها يعيشان في الخارج بفرنسا، من أجل تطليقها بموجب غيبة نزولا عند رغبة أصدقائهم أشقاء الزوجة الذين يشتغل جميعهم في نفس النشاط التجاري. وتفاجأ الزوج بعد إخباره بالواقعة وهرع إلى مكتب العدول صحبة زوجته قادما من فرنسا، مؤكدا أنه لم يتغيب عن زوجته ولو يوما واحدا وهما يعيشان تحت سقف واحد، الأمر الذي أكدته الزوجة أمام القاضي. وقام الموقوفون بالإدلاء بشهاداتهم زورا دون أن يكون لديهم علم بوضعية الزوجة ولا بوضعية زوجها ولا بتواجدهما في المغرب أو خارجه، وقاموا بما قاموا به بعد أن تم تحفيظهم ما كان عليهم استظهاره أمام العدلين بغياب الزوج عن زوجته وإهمالها، فقادتهم شهادتهم إلى السجن... شهادة عدلية مزورة تغيب الأب أصدرت المحكمة الابتدائية بوجدة، يوم 15 يونيو 2006، حكمها القاضي بثلاثة أشهر حبسا نافذا في حق عشرة شهود (من الاثني عشر شاهدا بعد أن تراجع شاهد وتوفي آخر) وغرامة مالية نافذة قدرها 500 درهم مع الصائر الإجباري وبتعويض مدني لفائدة المشتكي قدره 100 ألف درهم مع الصائر الإجباري. وتورط الشهود في قضية ما عرف بملف الطفلة «ريم» المزدادة يوم 6 نونبر من سنة 1993، التي تمكنت من «السفر لوحدها» إلى خارج المغرب (الديار السويدية) أو «تم تهجيرها» كما جاء على لسان جدّها من أبيها، بعد أن تم طلاق خلعي بين والديها بتاريخ 20 نونبر 1996. قضية الطفلة «ريم» وشهود الزور تعود تفاصيل القضية إلى يوم 14 يناير من سنة 2000 حين تم الاتفاق والتراضي ووافق الزوج على زواج مطلقته واحتفاظها بحضانة طفلتها «ريم» ووافقت بأن تسقط النفقة على أبيها ويحتفظ بحق زيارة ابنته والاحتفاظ بها نهايات الأسابيع والعطل المدرسية والأعياد مع الإشارة إلى إمكانية فسخ العقد من جانب واحد وهذا بموجب إشهاد عدلي تم تحت عدد 271 بكناش 43 في صحيفة 273 . تمكنت الأم من السفر إلى الديار السويدية والاستقرار بها منذ 11 يونيو 2000 وتركت طفلتها ريم عند جدها (والد الأم). وفي يوم 22 دجنبر 2000، ليلة الجمعة 25 من شهر رمضان، قامت الزوجة المطلقة أمُّ ريم بتحرير شهادة «موجب غيبة أب» بلفيف من اثني عشر شاهدا يشهدون بموجبه غياب الأب المطلق عن زيارة طفلته لمدة تجاوزت السنة مع رفضه النفقة عليها. وجاء في الشهادة العدلية «...حين حضر شهوده الموضوعة أسماؤهم عقب تاريخه يعرفون البنت م. ريم المذكورة المعرفة التامة الكافية شرعا بها ومعها بأن والدها المذكور لم يسلمها أي نفقة منذ وقع الطلاق بينه وبين والدتها وبالرغم من تحديد النفقة كما أنهم يشهدون بأن الأب المذكور غاب عن ابنته هذه منذ مدة تزيد عن سنة ولا يعلمون أنه زارها في يوم من الأيام ولا تفقد أحوالها وأن التي تقوم بشؤونها وترعاها هي والدتها المذكورة إلى حد الآن هذا الذي في علمهم وصحة يقينهم سندهم في ذلك القرابة والمجاورة والمخالطة والكل بشدة الإطلاع على الأحوال وبمضمنه قيدت شهادتهم مسؤولة منهم لسائلتها والدة البنت المذكورة...»(عدد 454 صحيفة 478 كناش 50 على التاسعة ليلا). وسجلت مصالح الأمن تواجد الأم بالمغرب خلال هذه المدة من 15 دجنبر 2000 إلى 12 يناير 2001. وبعد رفض جدِّ الطفلة من أمها تسليمها لأبيها، تقدم هذا الأخير بدعوى إلى محكمة الأسرة ضد الجدّ بتهمة الامتناع عن تقديم طفل إلى من له الحق في المطالبة به، لتقضي بالحبس الموقوف لمدة شهرين مع الصائر لفائدة المطالب بالحق المدني والد الطفلة ريم وتعويض مدني في جلسة 24 ماي 2005. إثر هذا تقدم أب الطفلة بدعوى يطلب فيها إسقاط الحضانة عن الأم الغائبة واسترجاع ابنته حيث تم له ذلك بحكم قضائي صادر عن المحكمة الابتدائية بوجدة التي تبث في قضايا الأسرة بتاريخ 26 يوليوز 2004 القاضي بإسقاط حضانة ريم عن أمها وتسليمها لوالدها وتحميلها الصائر وعدم قبول الاستئناف التي تقدمت به الأم بعد ذلك وتحميلها الصائر وإعفائها منه طبقا للقانون في جلسة 30 مايو 2005. سفر الطفلة «ريم» خارج الوطن حسب جدّها من أبيها، حصلت حفيدته الطفلة ريم على جواز سفر (741376 M) بناء على عقد عدلي (موجب غيبة أب) وتمكنت من السفر إلى الخارج حيث تم تسجيل تاريخ دخول إلى السويد (كوتبورغ 12-09-2001) ثم عودة إلى الوطن بتاريخ دخول إلى المغرب (مطار محمد الخامس 09 يوليوز 2002) وتاريخ خروج من المغرب (02 غشت 2002) دون رفقة أمّها حسب البحث والتحريات التي قامت بها مصلحة الاستعلامات التي أفادت محكمة الاستئناف بوجدة بأن تحركات الأم سواء في خروجها أو دخولها أرض الوطن تمت دون مرافقتها لابنتها ريم. هذا وتمكن الأب من زيارة بنته خلال شهر ماي 2001 بشكل طبيعي وعادي قبل أن يفاجأ بداية شهر أكتوبر من نفس السنة بأن ريم لم يتم تسجيلها للموسم الدارسي 2001/2002 بالمدرسة فأين كانت تتابع دراستها؟! دعوى قضائية في موضوع شهادة زور والتزوير واستعماله بعد اكتشاف «تسفير» ابنته أو «تهجيرها» تقدم الأب بدعوى قضائية، إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية، في موضوع «تهجير ابنته إلى دولة السويد من طرف مطلقته بدون إذنه بعد أن حصلت على جواز سفر عن طريق تزوير شهادة عدلية (موجب غياب الأب)». ومن خلال البحث التمهيدي الذي قامت به الشرطة القضائية بأمر من وكيل الملك، تم استنتاج أن المشتكى بها تمكنت من تهجير ابنتها ريم إلى دولة السويد دون موافقة والدها وأنها حصلت للطفلة المذكورة على جواز سفر بناء على شهادة موجب الغيبة التي حصلت عليها لدى العدول بعد أن أحضرت الشهود الذين جلهم أدلوا بشهادة زور كما هو مبين في تصريحاتهم بمحاضر استماعهم. وخلص البحث إلى أن شهادة موجب الغيبة مبنية على شهادة زور وحرم الشاكي من ابنته ريم قبل أن يتم إصدار مذكرة بحث على الصعيد الوطني في حق الزوجة المطلقة أم ريم. ومن جهة أخرى، قامت المحكمة باستدعاء الشهود خلال جلسات وتم الاستماع إليهم حيث تباينت وتناقضت... لفيف من شهود شهدوا بما لم يشاهدوه توفي أحد الشهود وحمل معه شهادته فيما تراجع شاهد ثان عن شهادته بتنازل كتابي خطي يؤكد فيه أنه يتنازل تنازلا تاما لا رجعة فيه عن الشهادة العدلية المحررة بالمحكمة الابتدائية. أما العشرة الباقون فمنهم من صرح أن موضوع شهادته كان عقد زواج امرأة مطلقة برجل ومنهم من أكد أن شهادته كانت بشأن حضانة المطلقة لابنتها وتربيتها ولا علاقة لهم بأب البنت، فيما شهد شهود عن علم بما جهلوه، واتَّهم آخرون العدلين بتحريف التصريحات والشهادات... واقعة غريبة بشهادة زور عجيبة واقعة غريبة ونازلة عجيبة تطرح أكثر من سؤال حول المتورطين في حرمان الأب من ابنته والمساعدة على تهجير طفلة صغيرة لم تصل بعد إلى سن الاختيار. فكيف سمح الشهود لضمائرهم بالإدلاء بشهادة زور؟ وإذا قالوا بالعكس، فكيف يوقعون على شهادة عدلية حرفت تصريحاتهم وشهاداتهم؟ أين ذهب العدلان وما نصيبهما في القضية؟ كيف حصلت الطفلة ريم على جواز سفر دون أن يتم الاستماع لرأي أبيها وأخذ موافقته؟ كيف سافرت الطفلة ريم وحدها دون رفقة أمها وكان عمرها تسع سنوات وإذا لم تكن وحدها فمن رافقها؟ لقد قامت الزوجة المطلقة أُمُّ ريم بتحرير شهادة «موجب غيبة أب» بلفيف من اثني عشر شاهدا يوم 22 دجنبر 2000، ليلة الجمعة 25 من شهر رمضان خلال تواجدها بالمغرب خلال هذه المدة من 15 دجنبر 2000 إلى 12 يناير 2001!!!