تخيلوا عالما بدون كرة، أي أن يصل يوم السبت أو الأحد، فيفتح الناس تلفزيوناتهم أو يذهبون نحو المقهى، كالعادة، فلا يجدون أي شيء. ثم يتوجهون نحو الملاعب فيجدون الأبواب مغلقة، ولافتات كبيرة تقول: تقرر إغلاق الملعب لبناء عمارة أو مجمع سكني. بعد ذلك، سيسمع الناس في نشرات الأخبار بأن حكومات العالم كله قررت إلغاء كرة القدم، وسيرون الأمين العام للأمم المتحدة وهو يعلن هذا القرار. هكذا، ستتحول الملاعب إلى متنزهات أو عمارات، وسيصبح اللاعبون أساتذة للرياضة البدنية في المدارس والثانويات، وستصبح الفيفا جمعية خيرية لتوزيع المساعدات على الشعوب الفقيرة. أكيد أن هذا لو حدث، فعلا، فإن ثورة عارمة ستحدث في الكون كله. ستخرج الشعوب عن بكرة أبيها إلى الشوارع لحرق إطارات السيارات وتكسير المحلات التجارية ونهب البنوك وقطع الطرقات، وستظهر منظمات سرية تتوعد بالعمل المسلح ضد الطغاة الذين قرروا إلغاء كرة القدم، وستقام مجالس العزاء لأنصار الفرق، خصوصا أنصار البارصا وريال مدريد، وسيشهد العالم حالات انتحار لا سابق لها، حيث سيقفز الناس من شرفات منازلهم نحو الشارع أو يحرقون أنفسهم أحياء احتجاجا على إلغاء أوكسجين الحياة... كرة القدم. في إفريقيا على الخصوص، مهد الشعوب الجائعة والعاطلة والتي لا تحدث فيها ثورات شعبية إلا نادرا، سيتوحد التوتسي والهوتو ضد الأعداء الرئيسيين الذين ألغوا الكرة، وسيتضامن المسيحيون والمسلمون في نيجيريا والكامرون وكينيا والموزمبيق ضد الدكتاتوريين الذين ألغوا الكرة، وسيضع الأقباط في مصر أيديهم في أيدي المسلمين، وكلهم سيخرجون في مظاهرة موحدة مع الجزائريين، وهم يرددون شعارا واحدا ضد الطغاة المتجبرين الذين ألغوا الكرة.. في إسبانيا، سيعقد مسؤولو ريال مدريد والبارصا ندوة صحافية مشتركة للتنديد بهذا القرار الجائر، قرار إلغاء كرة القدم، وسيقررون العمل سويا من أجل إعادة الأمور إلى نصابها وعودة الكرة إلى الملاعب وعدم تحويل ملعبي برنابيو ونوكامب إلى حديقتين كبيرتين للألعاب، وسيقررون توحيد فريقي البارصا وريال مدريد، بحيث تصبح جمعيات الأنصار تحمل اسم «جمعية أنصار برشلونة وريال مدريد». في إيطاليا، ستفلس المافيا لأن نصف رقم معاملاتها يوجد في دواليب الكرة. وفي الخليج، ستمتلئ الملاعب لأول مرة بجمهور يطالب بعدم إلغاء لعبة الكرة. في أمريكا الجنوبية، ستقرر الحركات المسلحة توحيد صفوفها في تنظيم واحد ونسيان كل أهدافها السابقة، والكفاح المسلح من أجل هدف واحد وهو القصاص من الذين ألغوا كرة القدم. في البرازيل، سيموت نصف سكان البلاد بالسكتة الدماغية وسيصاب النصف الآخر بالجنون وسيقوم محتجون غاضبون بإحراق غابات الأمازون وستفقد الكرة الأرضية الرئة التي تتنفس بها وسترتفع درجات الحرارة بشكل رهيب، مما سيؤدي إلى تبخر مياه البحر بدرجة غير مسبوقة، بالإضافة إلى تبخر كل جليد القطبين الشمالي والجنوبي، مما سيؤدي إلى ارتفاع مستوى البحر بشكل كبير، الأمر الذي سيجعل بلدانا كثيرا تختفي من على سطح كوكب الأرض، ومن بينها هولندا وجزر المالديف وأجزاء واسعة من آسيا وأوربا، كما سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى سقوط أمطار هائلة وغير مسبوقة، مما سيُحدث فيضانات ستغرق بلدانا كثيرة. الشعب الوحيد في العالم الذي سيحس بسعادة غامرة بقرار إلغاء كرة القدم هو الشعب المغربي، لذلك ستخرج جماهير غفيرة إلى الشوارع وهي تردد هتافا واحدا يقول: هِي.. هُو.. مبروك علينا.. هاذي البداية.. مازال مازال.. وسبب هذه الفرحة هو أنه لا معنى لوجود الكرة في بلد يتعادل منتخبه مع منتخب مثل منتخب إفريقيا الوسطى الذي يحتل الصف ال206 عالميا، ومدربه يفضل حفلات الزفاف عوض تدريبه، وفوق ذلك يتقاضى مئات الملايين كل شهر. كما أنه لا معنى للكرة في بلد يقول فيه وزير الرياضة إنه لا مشكلة في انتظار هذا المدرب لشهور أخرى. ولا معنى أصلا للكرة في بلد تحولت فيه أزيد من 90 في المائة من الملاعب إلى عمارات. ولا معنى أيضا للكرة في بلد أصبح «مسخرة» في أعين العالم بسبب لقطة غبية يلوّح فيها الحارس للجمهور بعد «تصديه» لضربة جزاء، بينما الكرة دخلت مرماه وشبعت فيها نوما.