بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    ميغيل أنخيل رودريغيز ماكاي، وزير الخارجية السابق لبيرو: الجمهورية الصحراوية المزعومة لا وجود لها في القانون الدولي    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    بريطانيا بين مطرقة الأزمات الاقتصادية وسندان الإصلاحات الطموحة    الجزائر والصراعات الداخلية.. ستة عقود من الأزمات والاستبداد العسكري    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    الوزير بنسعيد يترأس بتطوان لقاء تواصليا مع منتخبي الأصالة والمعاصرة    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مغاربة قاتلوا إسرائيل
نشر في المساء يوم 13 - 07 - 2008

أكد علي أومليل، سفير المملكة المغربية بلبنان، أن مصالح سفارته قامت باتصالاتها مع جهات مقربة من ملف تبادل الأسرى بين الإسرائيليين وحزب الله , إلا أنها لم تتوصل بأي معطيات تؤكد أو تنفي خبر وجود رفات مغاربة ضمن الرفات التي سيتسلمها الحزب اللبناني ..
وبخصوص عدد المغاربة الذين استشهدوا على أرض المعركة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، قال السفير إنه لا يتوفر على أي لائحة بهذا الخصوص، وأن السفارة منشغلة حاليا بموضوع تسليم الرفات .. فمن هم المغاربة الذين قاتلوا إسرائيل؟ وما هي التنظيمات التي التحقوا بصفوفها؟ وكيف تم التعاطي مع خبر استشهادهم حين تم تعميمه؟ الذي كشفه مصدر مقرب من حزب الله ل«المساء» هو أن عملية تبادل الأسرى بين الحزب والإسرائيليين ستشمل رفات مغاربة كانوا قد استشهدوا في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، ودفنت جثامينهم في «مقبرة الأرقام» أو «مقبرة الأعداء» كما يسميها الإعلام الإسرائيلي.
لم تتوفر إلى حد الساعة أي معطيات مضبوطة بخصوص عدد المغاربة الذين سيتم تسليمهم إلى حين إجراء عملية التبادل بين حزب الله وبين الإسرائليين، لكن مصدرا مقربا من الملف رجح أن يكون الأمر يتعلق باثنين من هؤلاء الذين سيشمل عددهم حسب ما كشف عنه حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، 199 شهيدا.
وارتباطا بالموضوع لم يصدر عن وزارة الخارجية المغربية أي بلاغ بهذا الخصوص، وظل الجميع يترقب ما سيحدث من تطورات بلبنان الأسبوع القادم..
أما بالنسبة إلى النشطاء المهتمين بالقضية الفلسطينية فلم يفاجؤوا بصمت الدبلوماسية المغربية لأنها كانت قد سلكت نفس الطريق فيما قبل .. كما هو حال قضية بنخضرا الذي كان قد اعتقل سنة 2001 عند عودته إلى فلسطين، بحكم أنه كان المسؤول عن الجناح العسكري لجبهة التحرير الفلسطينية، رغم الاتفاقات التي تحمي قياديين من أمثاله وتستثنيهم من المتابعة.
ويعتبر حزب الله أن استعادة رفات هؤلاء لا تقل أهمية عن عودة الأسرى، حيث ستصبح لهم قبور عليها أسماء بدل الأرقام.
وكان نصر الله قد أوضح أن وزراء إسرائيليين قالوا إنه «إذا أعطينا لحزب الله كل ما يطلبه بشأن الأسرى الفلسطينيين والعرب، فسيتم تنصيب نصر الله ملكا على العرب»، قبل أن يوضح قائلا: «وأنا لا يهمني إلا أن أكون خادما لهؤلاء المجاهدين. وفي نهاية المطاف أصرينا على مبدأ الأسرى الفلسطينيين لرمزيته، فهذا من وجهة نظرنا ووجهة نظر الفلسطينيين أيضا، ومن زاوية المعايير والرمزية ووحدة المعركة والصراع، له أهمية عالية جداً. تم الاتفاق على أنني أوجه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة عن الأسرى الفلسطينيين والعرب وأخص بالذكر النساء والأطفال وأصحاب الحالات الصعبة، ويتحرك عندها المجتمع الدولي».
وينتظر أن يقوم حزب الله، بمساعدة السلطات اللبنانية، فور توصله بالرفات بإجراء عمليات فحص عبر تقنية «الأدي إين» للتأكد من هوية الذين سلم الإسرائيليون رفاتهم.
الأمير الخطابي بعد صلاح الدين الأيوبي
أما تاريخ تطوع المغاربة للقتال بجانب فلسطين، فيعود إلى محطات تاريخية سابقة منذ أن وجه صلاح الدين الأيوبي نداء الجهاد ضد الصليبيين، لكن في التاريخ القريب فقد كان الأمير الخطابي هو من وقع عليه الاختيار لتوجيه نداء الجهاد بعد الإعلان عن تقسيم فلسطين عام 1947 بحكم سابقته وتجربته في مكافحة الاستعمار..
وكان الهاشمي الطود – الكولونيل المتقاعد – أحد أبرز الشباب المغاربة الذين لبوا النداء وسنه لا يتجاوز 18 سنة..
كان عدد المتطوعين المغاربة الذين أشرفت على تدريبهم وتسليحهم الجامعة العربية لا يتجاوز 15 مجاهدا , لكنه كان يمثل رمزية كبيرة لدى الفلسطينيين، خاصة وأن المملكة وقتها كانت تعاني بدورها من الاحتلال الفرنسي والإسباني..
قصة الحسن الثاني مع والدة الشهيد الطنجاوي
أما قصة الشهداء المغاربة الذين سقطوا في السبعينات، فتبدأ مع الشهيد الحسين الطنجاوي.
«كنت جالسا بجانب أحد زملائي –يحكي الشاعر محمد الطنجاوي شقيق الشهيد- بوزارة الأنباء كعادتي لأطالع ما كتبته الصحف العربية بالمشرق، ليفاجئني بالسؤال «أليس هذا هو شقيقك الذي سافر إلى لبنان؟» قرأت وقتها خبر استشهاد الحسين لأول مرة على صفحات «النهار» اللبنانية... فاتصلت مباشرة بصديقي بنسودة، الذي كان مديرا للديوان الملكي وقتها.. فطلب مني أن ألحق به على وجه السرعة إلى فاس..
ولما وصلت إلى فندق «هوليداي إين» بالعاصمة العلمية طلبته على الهاتف- فأوضح لي أنه جالس مع الملك الحسن الثاني، وقال لي إن سيدنا يعزيك ويسألك إن كانت الوالدة قد علمت بالخبر.. فأجبته بالنفي، فقال لي إنه يطلب منك ألا تخبر أحدا، وقل لوالدتك أن تستعد للذهاب إلى الحج..
بعد ذلك اتصل الحسن الثاني بسفير المملكة بالسعودية عبد الرحمان بادو، وكلفه باستقبالها شخصيا في المطار واستضافتها بمنزله.. وأمره ألا يخبرها بنبأ استشهاد ابنها إلا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم..
مرت الأيام ثم أخبرني بنسودة أن جلالة الملك – يتذكر الطنجاوي- يقول لي أن أذهب إلى الوالدة للحج، لمرافقتها إلى بيروت حيث دفن الشهيد- هناك استقبلتني أمي بالزغاريد، وكانت معنوياتها مرتفعة.
رسالة الحسين
قبل أن يستشهد الحسين، كان قد وجه رسالة إلى شقيقه يقول فيها:
«أخي محمد العزيز أبعث لك بذرات من تراب فلسطين، من الجليل الأعلى. لقد عدت ورفاق لي من عملية فدائية ناجحة داخل فلسطين، لم تكن هذه المرة الأولى .
...أربع مرات وسأعود مرات أخرى».
وفي 25 نونبر 1974 صدرت صحف بيروت تعلن: استشهد خمسة فدائيين ونجا واحد في عملية جريئة بالجليل الأعلى في فلسطين المحتلة. ونشرت صور الشهداء وكان أحدهم الحسين الطنجاوي والأربعة الآخرون: مصري، سوري، عراقي ومجاهد من عربستان. وقالت صحف بيروت إن إسرائيل ولأول مرة رمت بجثث الشهداء على الحدود في جنوب لبنان لترعب سكان القرى وتتوعدهم إن هم تسامحوا مرة أخرى مع «الإرهابيين» وسهلوا لهم المرور إلى داخل الأرض المحتلة !
يتذكر الطنجاوي حواراته مع شقيقه الشهيد بتطوان، ويقول: «وذات يوم على شاطئ البحر في مدينتنا سألني: - أنت أدركت الوالد أكثر مني، فهل تتذكر ما كان يحكي عن أخيه، أعني عمنا... ماذا كان إسمه؟
الحاج الحسين، هل تتذكر ما كان يرويه والدنا عنه؟
- كان عمنا الحسين أكبر من الوالد، وبعد أداء فريضة الحج في سنة 1947 عرج كما المغاربة منذ مئات السنين على مدينة القدس للصلاة في المسجد الأقصى، فقامت الحرب العربية الفلسطينية، وحمل السلاح مع الفلسطينيين واستشهد في يوم ما في مكان ما من فلسطين، وقد اختار الوالد أن تحمل أنت اسم أخيه، وقبلك سمى بكره الحسين ولكنه مات طفلا.
وسألته مداعبا:
هل تتوق أن تكون مثل عمك، تحج، ثم تعرج على القدس، فتحمل السلاح فتستشهد وتدفن في مكان ما في فلسطين؟
ويفتر ثغره عن ابتسامة ويسألني:
لماذا لم تزر أنت القدس قبل أن تسقط في يد الصهاينة، لقد زرت الشرق العربي كثيرا بحكم مهنتك كصحفي، هل رأيت صهيونيا يحمل السلاح؟
أما القدس فلم أزرها، وإني متألم لذلك، وفي زيارة للأردن بعد سقوط القدس ذهبت مع مجموعة من الصحافيين إلى جسر النبي، فرأيت الجنود الإسرائيليين على الطرف الآخر مدججين بالسلاح.
ماذا كان شعورك؟
أتريد أن تعرف إن ساورني الخوف من عيونهم أم من سلاحهم أم من غطرستهم؟
كلا.. كلا...
ويرفع كفه مؤكدا ما يفكر فيه:
أردت أن أعرف إن امتلكك شعور بالرغبة في اجتياز الجسر لتقول للمحتل الصهيوني في وجهه: أخرج من هنا هذه ليست أرضك، أو لتقتله فقد يكون أحد أبناء ذلك الصهيوني الذي قتل عمنا.. لا.. إن الحسين عمنا لم يقتل.. لقد استشهد.
وأقول للحسين:
إن حارتنا قبل أن تعمر بالبناء والسكان كانت أحراشا وبساتين، وكان سكان المدينة المعتصمون في بيوت منيعة داخل الأسوار القديمة يعتقدون أن حارتنا يسكنها العفاريت في الليل، وكان الوالد يتعمد لما يتدحرج الظلام من الجبال المحيطة بالمدينة فيطبق على حارتنا، أن يعطيك قرشا ويأمرك أن تذهب إلى بائع النعناع فتأتي بحزمة منه، وحينما تثور والدتك وتحتج لأنها قد ابتاعت مسبقا ما يكفي من النعناع ولا حاجة لنا به في تلك الساعة من الليل المدلهم، يقول لها والدك:
أعلم أننا لسنا في حاجة إلى نعناع... ولكنني في حاجة إلى رجل لا يخاف، دعيه إني أدربه على الشجاعة ورباطة الجأش فقد يحتاج لها في يوم من الأيام»!
في بيروت زارنا بالفندق مناضل فلسطيني - يتذكر الطنجاوي- وقال لي:
إن الحكيم ينتظرك وأم الشهيد على مائدة الغداء اليوم.
وكان اللقاء مع الدكتور جورج حبش!
في الطريق إليه كنت أفكر في مشكلة لو حدثت لتحول فرح الأم إلى مأتم، وربما إلى كارثة تزلزل كيان «الحاجة زينب». وجدنا أنفسنا في قلعة محصنة، بالرجال المدججين بالرشاشات والقنابل، رجال يحرسون البيت وآخرون منتشرون في زوايا الطرق المؤدية إليه، شباب قدوا من عزيمة تلمع في عيونهم، وظاهر بشرتهم ينبئ عن جلد صهر أجسادهم فلبسوا الخطر ينذرونه قبل أن يفاجئهم، وخلف هذه المتاريس من النظرات والتحفز والاستعداد للقتال، وجدنا أنفسنا وسط عائلة أحاطتنا بأجمل الابتسامات والمشاعر والرقة.
وأجلس الحكيم أم الشهيد بجانبه وقال لها:
كان الحسين عزيزا علينا. لقد فقدناه جميعا...
وقالت الأم: إنني وهبته إلى الله، لقد مات شهيدا في سبيل الإسلام والمسلمين. فجزاه الله خيرا، والله ينصركم ويعينكم على أعداء الإسلام والمسلمين.
وانتهى إليها صوت مؤذن من مسجد مجاور، فرغبت الحاجة في أداء الصلاة فرافقتها سيدة، علمت أنها صاحبة البيت إلى المسجد، وفي غيابها قال الحكيم:
كنا حريصين على حياة الحسين، ولطالما طلبنا منه أن يبقى بالقواعد فلا يغامر بحياته في عملية فدائية، فهو مؤطر ومفكر من خيرة شباب الثورة.
وتدخل حاضر فقال:
لقد عرفته جيدا وكنت أحب الحوار معه، وذات يوم قال لي:
إنني لم آت للبنان لأعقد مناظرات إيديولوجية أو أضيع الوقت في التنظير السياسي، لقد شبعت من ذلك في أوربا، إنني جئت لأقاتل، لأمارس الثورة على الأرض لا مكان للكلام وإنما للعمل.
لم تكن تعلم والدة الشهيد الحسين أن جورج حبش - زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - مسيحيا، لكنه تفهم جيدا موقفها، ومر اللقاء على أحسن ما يرام.
الشهيد أمزغار
يلتحق من أصيلا
غير بعيد من تطوان لبى النداء أحد أبناء أصيلا.
«الشهيد ليس ملكا للعائلة، وإنما هو ملك كذلك للشعب المغربي أولا، وللأمة العربية والإنسانية جمعاء ثانيا... فهو في نهاية المطاف لم يكن يدافع سوى عن الكرامة والتحرر ورفع الظلم عن شعب فلسطين...»، يقول شقيق الشهيد عبد الرحمان أمزغار قبل أن يضيف مناديا: «نتوجه إلى كل من يمكن أن يقدم مساعدته لنقل رفات الشهيد إلى المدينة التي ترعرع فيها ورفض الظلم بين أزقتها، حتى يكون مثواه الأخير بجانب أصدقائه وأفراد عائلته».
لم يخف مرزوق أن شعورا خاصا سيطر على عائلته حين بلغها خبر توقيع اتفاقية بين حزب الله والإسرائيليين عبر وساطة أممية... «سنتمكن على الأقل من إقامة جنازة -يضيف شقيق الشهيد- ويكون هناك قبر يقصده كل من أراد الترحم عليه».
أما المكتب التنفيذي لمؤسسة الشهيد عبد الرحمان اليزيد أمزغار، فقد قرر مراسلة جميع الجهات المعنية أو تلك التي لها صلة بالموضوع ويمكنها تقديم المساعدة لنقل رفات الشهيد إلى المدينة، من مثل سفارة لبنان بالرباط، والسفارة المغربية ببيروت، ووزارة الخارجية...
فمنذ أن وشح ممثل منظمة التحرير الفلسطينية والد الشهيد بوسام الثورة الفلسطينية، وسكان مدينة أصيلة يخلدون ذكرى استشهاد جارهم الذي اشتهر في صفوفهم بنصرة المظلومين...
«كان الشهيد كلما رأى أحدا يعتدي على من هو أضعف منه إلا وتدخل لصالح المظلوم.. وكان قوي البنية ذا هيبة، حتى إن فرق كرة القدم بالمدينة كانت كلما رغبت في إجراء مبارياتها بدون مشاكل إلا وطلبت من عبد الرحمن لعب دور الحكم»، يقول أحد أصدقاء العائلة.
حين قرر التوقف عن الدراسة والعمل بجانب والده في الفلاحة والتجارة، قادته الأقدار إلى حمل السلاح في بلده، لكن من أجل التدريب فقط في إطار الخدمة العسكرية، وكان مسؤول الثكنة التي أقام بها هو الضابط عبابو، أحد متزعمي انقلاب الصخيرات، وكان مقربا منه ومعجبا بشخصيته...
إلا أن تدربه على حمل السلاح لم يغره إلا لأمر واحد ظل متكتما عليه، حسب أحد معارفه، حيث لم يخبر أفراد عائلته بالسبب الحقيقي لرحليه إلى إسبانيا، فرغم أن التوجه إلى الضفة الشمالية من أجل كسب العيش كان أمرا مشاعا في صفوف أبناء المنطقة، فإن الوضع المادي لأسرته لم يكن مشجعا لأمثاله على سلوك نفس الطريق... لكن الشهيد –يقول أحد أصدقائه- كان يخطط لأمر آخر لم تكن إسبانيا إلا محطة عبور نحوه.
لقد كان ثائرا بالفطرة، كما يحكي عنه شقيقه، ومن بلاد الأندلس تدبر أمره للتوجه إلى لبنان والالتحاق بصفوف المقاومة، حيث انخرط في مجموعات «جبهة التحرير العربية»، بل كان الشهيد، حسب شقيقه، قوميا ولا يهتم كثيرا بالإيديولوجيا، لذلك كان مؤهلا للانخراط في صفوف أول تنظيم يصادفه شريطة أن يكون الهدف هو تحرير فلسطين...».
بجانب حسن الصوفي (من مواليد غزة عام 1953)، وقاسم رشيد الطائي (من مواليد بغداد عام 1951)، وفكرت أوز باطمان (من مواليد بورصة التركية عام 1952)، اقتحم الشهيد عبد الرحمن مستعمرة كفار يوفال (أبل القمح) بالجليل الأعلى صباح يوم الأحد 15 يونيو 1975، واحتجزت مجموعته عددا من أعضاء الشباب الصهيوني (ناحال) وطالبت مقابل الإفراج عنهم إطلاق سراح 12 من الفدائيين المعتقلين في سجون العدو، إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي اقتحمت المكان ودخلت في اشتباكات مع المجموعة الفدائية دامت حوالي 6 ساعات، لتسفر في نهاية المطاف عن استشهاد الأربعة ومقتل ما يقارب 25 إسرائيليا وجرح حوالي 30 آخرين.
وكان الشهداء قد اشتبكوا في البداية مع عدد من الجنود الإسرائيليين قبل أن يتمكنوا من السيطرة على أحد بيوت الشبيبة في المستوطنة، وحجز عدد من أفراد «منظمة الشباب الصهيوني»، وعقب ذلك قامت المجموعة بتوزيع بيان موجه إلى السلطات الإسرائيلية بينت فيه أهداف العملية، ومما جاء في البيان: «لو لم يخدعوكم بأرض الميعاد، ولو لم يغتصبوا أرضنا ومالنا، ما كنا لنحمل السلاح اليوم في وجوهكم... لقد عشنا واليهود معا قبل قيام كيانكم بأمان...».
أما عائلته، فقد تحدثت عن العملية من موقع آخر، حيث قالت في كلمة لها بمناسبة ذكرى الشهيد: «عندما تناهى إلى أسماعنا نبأ استشهاده البطولي في تلك العملية الجريئة التي عرفت بعملية كفار يوفال، التي نفذتها مجموعة «أبو الأديب» في إطار جبهة التحرير العربية.. استكبرنا الحدث الذي هزّ إسرائيل ذاتها.. إلا أننا لم نفاجأ ولم نستغرب مشاركة أخينا عبد الرحمن إلى جانب 3 أبطال من بلدان متفرقة (فلسطين، والعراق، وتركيا). لقد غمرنا الأسى الممزوج بالإعجاب، إلا أن هذا الأسى سرعان ما تبدد أمام نبالة الموقف وسيل الكلمات وبرقيات التعازي التي تلقيناها من مناضلين وأوساط سياسية كثيرة من داخل المغرب وخارجه، مما جعلنا نقتنع أيضا بأن الشهيد ملك للتاريخ أيضا وليس لنا بمفردنا.
وللحق، فمنذ رحيله حتى الآن ظل الشهيد حاضرا بيننا وبقوة، ولم نحس في أي يوم بأنه ترك فراغا بيننا. لقد فارقنا على طريقة الفرسان وعن اقتناع راسخ وإيمان ثابت».. فهل يعود قريبا إلى وطنه بصحبة شهداء مغاربة آخرين سقطوا على الأرض المعركة؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.