بالنسبة إلى اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، فسعادة الأمين العام للحزب، عباس الفاسي، لم يتعرض لأي اعتداء على شاطئ أكادير على يد أحد المواطنين. كل ما في الأمر هو أن بعض الجرائد، المتخصصة في نشر الأخبار الزائفة حول صحة الوزير الأول و«سخفاته» المتكررة، اختلقت القصة من ألفها إلى يائها. فالوزير الأول، حسب بلاغ اللجنة التنفيذية، تعود على الخروج في لقاءات تواصلية مع أطر وشباب الحزب وأطفال المخيمات دون أن يكون بحاجة إلى أية حراسة. هذا يعني أن اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال تكذب كل تلك الاجتماعات الأمنية التي احتضنتها عمالة أكادير طيلة اليوم بسبب الحادثة، كما أن «المعتدي» الذي تم اعتقاله والتحقيق معه قبل أن يتقرر إطلاق سراحه ليس سوى شبح تخيلته الصحف التي كذبت، عفوا، كتبت عن الحادث. ليسمح لنا الإخوة في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال أن نقول لهم إنه إذا كان هناك من كذاب ومفترٍ وجبان في هذه القضية فهو أنتم. الحادثة حقيقية وصحيحة ومثبتة في محاضر الأمن. وعباس الفاسي ليس شخصا فوق العادة حتى يتم التعامل مع أخباره بكل هذا التعتيم. إذا كانت كل القنوات الإيطالية قد نقلت صور رئيس الحكومة الإيطالي وهو يتلقى «حديدة» بحجم «المصلوح» من طرف أحد المواطنين «جمخت» له وجهه، فلماذا سيخاف وزير أول مغربي كعباس من الخروج أمام الصحافة والحديث حول شخص «لوى» له ذراعه. مشكلة اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال هي أنها تحدثت عن جولات عباس الفاسي بدون حراس كما لو كان شخصية شعبية محبوبة عند المغاربة، بمجرد ما سيلمحونه يتمشى في الشارع أو على الكورنيش سيسارعون إلى التقاط الصور التذكارية معه. والحقيقة أن هناك ضحايا كثيرين لعباس الفاسي ينتظرون فقط اليوم الذي يتقابلون فيه معه في مكان عام لكي «ينقو» له أذنيه ويذكروه بفضيحة النجاة التي يعتقد أن ضحاياه نسوها، وبكل فضائح عائلته الفاسية المسيطرة على المناصب والكراسي. لسوء حظ عباس ولجنته المركزية أن خبر محاولة الاعتداء عليه في كورنيش أكادير صحيح مائة في المائة، ومحاولة تكذيب الخبر واتهام ناشريه بالافتراء لا يفيد في تجريد الحدث من أهميته. أهمية الحادث تكمن أولا في أنه كشف عن آفة الكذب الذي أدمنه حزب الاستقلال ووزيره الأول على الشعب. وعوض أن يصدر الوزير الأول بلاغا يعترف فيه بما وقع له ويعطي توضيحات حول تفاصيله، اختار أن يكذب وأن ينفي الحادث جملة تفصيلا. لقد كان الحادث سيكون تافها وعاديا لو أن عباس أكده، لكنه عندما نفاه فإنه يكون حوّله من مجرد حدث عادي إلى خبر مهم يميط اللثام عن أزمة ثقة، لأن الوزير الأول الذي يكذب في الأمور الصغيرة يمكن أن يكذب في الأمور الكبيرة. نفهم إصرار الوزير الأول على طي الحادث وتفضيله عدم الحديث بشأنه، لكن ما ليس مفهوما هو لجوؤه إلى الكذب وجره وزارة الداخلية إلى التواطؤ معه بصمتها عن تكذيب الحزب للحادثة، رغم أن رجال الداخلية تتبعوا تفاصيل الحادث من أوله إلى آخره. وداخل هذه الحكومة ليس عباس هو الكذاب الوحيد، فهناك وزير بدون حقيبة اسمه محمد اليازغي ذهب مؤخرا إلى فنزويلا للمشاركة في قمة أمريكا الجنوبية وإفريقيا، وعاد لكي يعطي حوارا للصحافة يفتخر فيه بكون احتجاجه كان وراء إزالة علم «البوليساريو» وإلغاء مشاركته في المؤتمر. والحال أن جميع من حضروا المؤتمر من المغرب يعرفون أن اليازغي وصل متأخرا بسبب طائرته التي لم تصل في الوقت، وعندما وصل إلى قاعة الاجتماع كان كل شيء قد تم ترتيبه بعدما تدخلت وزارة الخارجية المغربية واحتجت على وجود «البوليساريو». والشيء نفسه اقترفه علي اليازغي الذي أورثه أبوه محمد اليازغي رئاسة الشبيبة الاتحادية. فعندما عاد الولد من مؤتمر... ملأ الجرائد بالتصريحات التي تصف الجهود الجبارة التي قام بها من أجل إقناع المؤتمرين بالخروج بموقف إيجابي لصالح قضية الصحراء المغربية. وعندما قرأنا التقرير الختامي للمؤتمر، اكتشفنا أن المؤتمرين لم يكتفوا بالوقوف على الحياد، كما كانوا يصنعون سابقا، بل اتخذوا موقفا معاديا للوحدة الترابية المغربية وسفهوا مبادرة الحكم الذاتي ووصفوا المغرب بالبلد المحتل. وعوض أن يعترف علي اليازغي ب«زبلته»، فضل أن يكذب على الشعب، تماما مثلما صنع والده، ومن شابَه أباه فما ظلم. الأهمية الثانية للحادث الذي تعرض له عباس الفاسي تكمن في أن وزيرا أول في الحكومة يمارس رياضة المشي على شاطئ عمومي بدون حراسة شخصية. وقد اعترف بلاغ اللجنة التنفيذية للحزب بأن عباس الفاسي يقوم بجولات وزيارات ميدانية بدون حاجة إلى حراسة. ولو أن الوزير الأول عباس الفاسي توقف للحظة وأعطى المواطن الذي استوقفه في كورنيش أكادير دقيقتين أو ثلاثا لكي يسمع مطالبه، لما احتاج هذا الأخير إلى أن يلجأ إلى استعمال سياسة ليّ الذراع مع عباس و«يزرق» له لحمه بقبضته القوية، خصوصا وأن «الزغبي ما عندو خرقة للعصا». إذا كان الملك يتوقف لكي يستمع إلى شكاوى الناس ومطالبهم، فكيف يرفض الوزير الأول القيام بذلك. لحسن حظ عباس أن رجال الأمن لم يكونوا بعيدين عن مكان الحادث، وإلا لكانت الأمور تطورت إلى الأسوأ. ما معنى أن يقوم وزير أول بالاستهتار بأحد الشروط الأساسية لسلامته الجسدية ولاستمرار الحكومة؟ هذا معناه أنه لا يعي جيدا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه كوزير أول يحمله الدستور مسؤولية الإدارة في المملكة، إذ ليس هناك وزير أول واحد في العالم يتحرك بدون حراسة شخصية مشددة. وقد رأينا كيف أن ساركوزي عندما يريد أن يمارس رياضة الركض يكون محاطا بحارسين شخصيين يخفيان عتادهما تحت لباسهما الرياضي، فضلا عن حراس آخرين يسبقونه لكي يؤمنوا له طريق المرور. وفي بلاد كالمغرب، تعلن وزارة الداخلية فيها بين شهر وآخر عن تفكيك خلية إرهابية يستعد أعضاؤها لتصفية شخصيات سياسية، نرى كيف أن الوزير الأول يخرج لكي يمدد رجليه على الشاطئ دون أن يكون مرفوقا بحراس شخصيين. مشكلة عباس وبعض وزرائه أنهم لا يحبون الاستماع كثيرا إلى شكاوى المواطنين. وعندما نظم وزير الهجرة عامر، قبل أسبوع، لقاء مع الجالية المغربية حول الأزمة الاقتصادية في أوربا، جاء عنده مهاجرون مغاربة لديهم مشاكل مع أزمة الاستثمار داخل المغرب أكثر مما لديهم مع الأزمة الاقتصادية في أوربا، وعرضوا عليه مشاكلهم مع الإدارات المغربية المرتشية، فكان كل جوابه أن قال لهم إنه لا يستطيع أن يفعل شيئا من أجلهم، وما على المتضررين منهم سوى التوجه إلى القضاء. «زعما القضاء مطفرو». أما «واحد» وزير التشغيل الذي جلبه اليازغي معه إلى الحكومة، فلم يعد لديه الوقت للاستماع إلى شكاوى الموظفين الذين زكى طردهم بشكل تعسفي من التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، فالرجل مشغول بوضع آخر اللمسات على فيلته الفخمة بمنطقة الهرهورة والتي شيدها بالموازاة مع تشييد المقر الجديد لوزارة الشغل. وإذا كان عثمان الفاسي الفهري قد استطاع، بعد 12 سنة من وجوده على رأس الشركة الوطنية للطرق السيارة، اقتناء فيلا مساحتها 5000 متر مربع في طريق زعير، فإن وزير الشغل جمال أغماني استطاع أن يبني فيلته على البحر في ظرف ثلاث سنوات فقط. والواقع أن المرء يتساءل كيف يستطيع وزير أن يشتغل في الحكومة ثلاث سنوات براتب يصل إلى خمسة ملايين سنتيم، ومع ذلك يستطيع أن يوفر المال لكي يبني فيلة فخمة في هذا الظرف الوجيز. يجب دائما الاحتراس من المسؤولين العموميين والوزراء الذين بمجرد ما يجلسون فوق كراسيهم يشرعون في التخطيط لإعادة بناء مقراتهم الوزارية أو توسيع منشآتها، رغم غياب الحاجة إلى تجديد أو توسيع هذه المنشآت. لأنه في مثل هذه المناسبات يحدث أن يصبح «الطاشرون» الذي يبني الوزارة هو نفسه الذي يبني فيلا المدير أو الوزير، وهكذا يصبح مشروع توسيع الوزارة أو تجديد إحدى منشآتها مجرد ذريعة، أما السبب الحقيقي لتمرير الميزانية فهو تشييد فيلا سعادة المدير أو الوزير. مشكلة هؤلاء الوزراء والمدراء والمسؤولين العموميين الذين يغلقون أبوابهم في وجوه المواطنين هي أنهم يعتقدون أنهم موجودون هناك لسواد عيونهم. والحال أن السبب الوحيد لوجودهم في مناصبهم هو خدمة المواطن أولا وأخيرا. إنه ليس من باب الإحسان أن يستمع مسؤول عمومي إلى شكاية مواطن، بل إن الواجب يفرض عليه ذلك، لأنه يتقاضى راتبه بفضل الضرائب التي يدفعها ذلك المواطن الذي سيستمع إلى شكايته. في اليوم الذي سيفهم فيه المواطن، الذي يقف أمام باب مسؤول طيلة النهار من أجل عرض مشكلته، أنه لولا ضرائبه لما ضمن ذلك المسؤول راتبه الشهري السمين، آنذاك سيفهم المسؤولون القيمة الحقيقية للمواطنين.