لم تخطئ دراسات اليابانيين عندما وقع اختيارهم على منطقة امسوان لإقامة قرية للصيد لهؤلاء الفقراء، الذين فتحوا أعينهم منذ قرون من الزمن حيث وجدوا آباءهم على أبواب البحر يأخذون من كنوزه كل يوم بنصيب. عندما تطأ قدماك عتبات القرية تتبخر كل تلك العبارات التي سمعتها عما تحققه المنطقة من أرباح والكم الهائل من الأسماك الذي يخرج من القرية في اتجاه كل مناطق المغرب. كان الرايس العربي يحمل بين يديه بعض قطع الخبز وعلبة من الشاي الأخضر وعلبة من السكر، رحب بنا وأدخلنا إلى غرفة مظلمة، على اليمين وضع بعض المتاع وعلى الشمال أدوات الصيد وبعض الشباك القديمة، كانت رائحة السمك تفوح من الطاجين المعدني الموضوع على الفرن الغازي, جلسنا على أريكة لم تر الماء منذ زمان، المكان متسخ وتنبعث منه رائحة كريهة، هنا يعيش هؤلاء الصيادون الفقراء. عندما أزاح الرايس العربي الغطاء عن الطاجين المعدني فإذا برؤوس نوع من أنواع السمك هي التي تطل علينا ولا أثر لبقية أجسادها «بحار ومغذي بريوس الحوت» صورة صور البؤس, تلك حالة من حالات الصيادين بقرية امسوان. قرية الفقراء التي تحولت إلى قبلة للسياح والأغنياء في هذه القرية الصغيرة والهادئة يتعايش البؤس والثراء, فالعديد من السياح اختاروا هذه القرية للراحة والاستجمام, كما أن بعضهم يقصدها لمزاولة رياضة ركوب الموج وغيرها من الرياضات البحرية، فمن المناظر التي تشد انتباهك وأنت تتجول في هذه القرية الصغيرة منظر بعض السائحات الأجنبيات بلباس البحر في غدو ورواح بين الصيادين الذين تبدو عليهم أمارات الفقر والشقاء، وغير بعيد عن الشاطئ ومكان رسو القوارب الصغيرة اختار الناخب الوطني السابق بادو الزاكي أن يبني إقامته الصيفية وسط هؤلاء الفقراء بقرية امسوان. التعاونية تتعاون على البحارة وليس معهم القاسم المشترك بين كل الذين التقتهم «المساء» من البحارة تأكيدهم على أن التعاونية التي كان من المفروض أن تنتشلهم من الفقر وضائقة العيش وأن تجعلهم يستثمرون صراعهم اليومي مع البحر من أجل الخروج من عتبات الفقر، فإذا بها تزج بهم في موجة من الصراعات والتطاحنات ومحاولة تصفية الحسابات، ذلك ما يشهد عليه جدول أعمال العديد من الاجتماعات التي نظمتها التعاونية والتي وضعت على رأس أولوياتها تنحية البحار الفلاني أو العلاني، فانتهى الصراع إلى تأسيس جمعية أخرى وانقسم البحارة، الذين لا يقبلون القسمة على أي رقم من الأرقام. الرئيس يمنع الوقود عن البحارة بعد أن اشتد الصراع بين الرئيس وعموم المنخرطين، الذين رفضوا السكوت على الوضع الذي تعرفه التعاونية، أو من يمكن تسميتهم بالمعارضين لطريقة تسيير الرئيس للتعاونية، أقدم هذا الأخير على منع البنزين المدعم عن البحارة وعندما استفسرناه عن سبب إقدامه على هذه الخطوة التي تضر أساسا بمصلحة هؤلاء البحارة أجاب بأن الديون تراكمت عليهم تجاه التعاونية ويجب أن يؤدوا ما بذمتهم من ديون، لكن حين قاطعناه بأن البنزين لا يدخل في هذه الديون لأن البحار لا يتسلم الكمية المخصصة له إلا بعد أداء ثمنه نقدا ومباشرة ولا يقبل التأخير، لم يجد جوابا مقنعا للرد على هذا الأمر. روائح السياسة تفوح من بين ثنايا الصراع الصراع القائم بين رئيس التعاونية وبقية المتعاونين فسره بعض من التقيناهم بأنه صراع بخلفية سياسية، خاصة بعدما انتقلت رئاسة غرفة الصيد البحري من لون سياسي إلى لون سياسي آخر فانعكس ذلك على الوضع داخل التعاونية. بناء عشوائي وسط التصاميم اليابانية لم يكن اليابانيون الذين شيدوا هذه القرية «المعلمة» يعتقدون أنه سيأتي من بعدهم من يغير في معالمها فيؤسس «براكة» في مرسى القوارب في المكان الذي تنزلق منه المراكب نحو البحر والذي يسميه البحارة ب«أمزلق»، الأمر الذي أثر على مساحة هذه البوابة التي تستقبل القوارب القادمة من البحر أو تلك التي تريد الإبحار. كما امتدت يد المعمرين الجدد لهذه القرية لتحويل الركن الذي يسمى «تحت الدروج» والذي لا تتجاوز مساحته مترين ونصف متر مربع إلى غرفة يسكنها أزيد من ستة بحارة ومعهم محرك القارب معبأ بمادة البنزين وقربه قنينة غاز من الحجم الصغير. مرحاض للنساء فقط ! من اللافت للانتباه أن هذه القرية لا توجد فيها نساء فطيلة اليوم الذي قضيناه في أرجاء القرية لم تقع أعيننا على أي عنصر نسوي ماعدا السائحات الأجنبيات، وعندما سألت مرافقي عمن يستعمل أحد المراحيض أجابني بأن اليابانيين عندما أسسوا القرية بنوا ثلاثة مراحيض، الأول تم إغلاقه والثاني تم تحويله إلى غرفة يتم كراؤها للبحارة بمبلغ 100 درهم والثالث وضعت عليه لافتة «مرحاض خاص بالنساء» رغم أنه لا يستعمل إلا من طرف بعض أطر التعاونية الذين ليس بينهم أي عنصر نسوي. ورشة لإصلاح القوارب في قمة جبل من الأمور التي أثارت انتباهنا لافتة تحمل شعار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وقد كتب عليها ورشة لإصلاح القوارب وهي مشروع قدمته التعاونية في إطار المشاريع التي يتم تمويلها من طرف برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ولكنه اليوم توقف بعد أن تم بناء الأرضية الإسمنتية فقط ، كما أن موقعه المتواجد في أعلى الربوة المطلة على المرفأ الصغير يجعل نقل القوارب إلى هذه الورشة المرتقبة أمرا أشبه بالمستحيل في ظل الإمكانيات البسيطة التي يتوفر عليها البحارة هناك، كما أن نقل القارب الواحد إلى هذه الربوة يحتاج إلى رافعة من حجم الرافعات التي تستعمل في رفع مواد البناء إلى أعلى العمارات الشاهقة. فلهذا السبب ولأسباب أخرى بقي هذا المشروع مجرد أطلال فلا الأموال بقيت في حساب المبادرة ولا البحارة استفادوا منها في صيانة قواربهم. الحج والانتخابات يحولان دون انتظام عقد الجموع العامة للتعاونية من القضايا التي أثارت احتجاج بعض المنخرطين في التعاونية عدم عقد التعاونية لجموعها العامة السنوية منذ سنة 2006, الأمر الذي اعتبره بعضهم خرقا للقانون المنظم للتعاونيات، لكن مبرر ذلك جاء على لسان الرئيس الذي قال إنه كان على موعد مع أداء مناسك الحج، كما أن الانتخابات الجماعية كانت على الأبواب الأمر الذي دفع إلى التأجيل. لكن هذا الجمع العام الذي لم ينعقد بسبب ما أدلى به الرئيس لم ينعقد لحد كتابة هذه السطور. نقل البنزين عبر البحر لإنقاذ القرية من الركود اضطر البحارة بعد أن أوقفت التعاونية تزويدهم بالبنزين المدعم إلى نقل كميات من البنزين عبر البحر انطلاقا من مرسى أكادير عن طريق القوارب الصغيرة حيث ينقل القارب ما يقارب طنا ونصف الطن من البنزين من أجل أن يتدبر بها الصيادون رحلة صيد، القائمون على هذه العملية لا يخفون خطورتها لكنهم يبررون ذلك بكونهم أصبحوا يعيشون البطالة ويلزمهم أن يتدبروا أمرهم بأي وسيلة كانت من أجل إنقاذ القرية من الركود. غياب الوعي والأنانية أصلا كل داء عندما طلبنا من رئيس التعاونية أن يفسر لنا أسباب هذا الصراع أجاب الحسين بوسنان وهو الشيخ الذي قارب الستين ربيعا بأن غياب الوعي وتغليب المصلحة الفردية هما أصلا كل هذه الخلافات داخل التعاونية. بنزين البحارة في السوق السوداء من الحكايات التي تتداولها الألسن في قرية «امسوان» أن كمية مهمة من البنزين المدعم الموجه إلى البحارة يتم بيعه لبعض الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالبحر ولا يستهلكون هذه الكميات من البنزين في رحلات الصيد، الأمر الذي أصبح يدر عليهم عائدات مهمة ولكن على حساب الفقراء، وحمل بعض البحارة الجمارك مسؤولية مراقبة البنزين المدعم والكميات التي تستهلك خارج القرية لأغراض غير الصيد. سنة العجز والهبات من الحقائق التي وقفنا عندها عندما كنا ندقق في وثائق هذه التعاونية التي تؤطر بحارة قرية امسوان، أنها سجلت عجزا قدره 21.634 درهم في الوقت الذي أقدمت فيه التعاونية على تقديم العديد من الهبات لبعض الجمعيات والمدارس, كما أن مبلغ التنقلات والمهام في تلك السنة عرف ارتفاعا بلغ حسب التقرير المالي لنفس السنة 80.468 درهم، كما تم التنصيص داخل لائحة النفقات على بند آخر اسمه التنقل بلغ هو الآخر 11.250درهم، وتضمن كذلك بندا آخر لم يستطع رئيس التعاونية تفسيره عندما سألناه وأحالنا على مراقب الحسابات، وهو بند يسمى «حصة التلاشي» والذي بلغت مصاريفه 39.395 درهم وهو مبلغ كبير لكن أين صرفت أمواله؟ وما معنى حصة التلاشي؟. نفقات غير مبررة عرفت السنة المالية 2006 ارتفاعا في نفقات المستخدمين، حيث بلغ 40 مليون سنتيم وسنة 2007 انخفض إلى 30 مليون سنتيم وسنة 2008 بلغ 31 مليون سنتيم ، هذا المبلغ لا يتناسب حسب بعض المتعاونين المتتبعين لمسار التعاونية مع حجم المستخدمين الذين يشتغلون لصالح التعاونية والذين لا يتجاوز عددهم ثلاثة إلى أربعة أفراد وكلهم غير مسجلين في الضمان الاجتماعي، الأمر الذي جعل المتعاونين المحتجين على سير التعاونية يطرحون أكثر من علامة استفهام حول مآل كل هذه النفقات, التي لم يعد الرئيس يذكر عنها أي شيء بل اكتفى عندما سألنا عن هذه النقطة بالإجابة بأن هذه الحسابات مر عليها وقت وأنه لا يتذكر تفاصيلها. و من القضايا التي وقفنا عليها داخل لائحة المنخرطين في التعاونية وجود إمام للمسجد وعدل من بين المسجلين في لائحة المنخرطين بحيث يتوفر الفقيه على حصتين والعدل على 13 حصة, رغم تنصيص قانون التعاونية على ضرورة أن يكون المنخرط ممارسا للنشاط المهني الذي تقوم به التعاونية وفي دائرة نفوذها الترابي. كما يحكي أحد البحارة أن الرئيس يلجأ إلى عدم تسلم الديون من البحارة من أجل إثقالهم بها وذلك بالتماطل في تسلمها ويفسر هذا الأمر بأنه حيلة يلجأ إليها الرئيس من أجل التحكم في أصوات البحارة وضمان ولائهم, يهددهم دائما بالمنع من الخدمات في حالة إبداء أي احتجاج أو الانخراط مع المحتجين على السير العام للتعاونية. وعندما واجهنا الرئيس بهذه القضية، وصف البحار الذي أخبرنا بهذا الأمر, بعد أن ميزه من بين كل من تحدث إلينا, بأنه «شيطان» و أن هذا الأمر غير صحيح.