يعتبر ميناء سيدي إفني من الملفات الشائكة التي ساهمت على مدى السنين الماضية في خلق أجواء من التوتر بين الأجهزة الرسمية للدولة وساكنة المدينة، كان آخرها منع مجموعة من المحتجين لما يقرب من 90 شاحنة محملة بالأسماك من مغادرة الميناء في اتجاه الأسواق الجهوية والوطنية، وتدخل قوات الأمن بشكل عنيف لفك الاعتصام. وأكد العديد ممن التقتهم «المساء» بمدينة إفني أن الأوضاع داخل الميناء لازالت مشوبة بالحذر، وتنذر بالانفجار في أية لحظة، عكس ما روجته الأجهزة الرسمية من أن الأوضاع داخله عادت إلى جوها الطبيعي. وفي هذا السياق، نفى عبد الله بيردحا، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتيزنيت، أن تكون الأوضاع بالميناء عادية، وقال في تصريح ل«المساء» إن جمعيته قامت أول أمس بزيارة للميناء وتأكد لها أنها «غير عادية بل هي حالة مصطنعة»، وأضاف أنه تم «تهديد العاملين في الميناء بسحب الرخص في حالة رفضهم مزاولة العمل الاعتيادي، مما اضطر العديد من البحارة والمهنيين للحضور، رغم أن غالبيتهم المطلقة كانت من ميناء طانطان». أما عبد الجبار القسطلاني، نائب برلماني عن دائرة تيزنيت، فأكد بأن مشكل مدينة إفني بالأساس يتركز في «الميناء الذي وقعت فيه عدة اختلالات، فمنذ ثمانينيات القرن الماضي بدأت فيه الأشغال دون أن تحقق شيئا على أرض الواقع، فالميناء لازال يفتقر إلى التجهيزات التي تجعله مؤهلا ليقدم خدمات ملموسة للساكنة، رغم أن خيراته وافرة جدا، وذات جودة مطلوبة حتى على المستوى الخارجي»، واستطرد قائلا بأن «مشكل الترمل لا يساعد البواخر والمراكب على الدخول السلس للميناء والصيد بأمان، وأدى إلى حدوث ما يقرب من 9 وفيات في ظرف سنة واحدة» . وارتباطا بالموضوع، أكد السكان المحليون أن السلطات المحلية والإقليمية، والهيئات المنتخبة المتعاقبة على المدينة والإقليم، لم تستكمل الأشغال المرتبطة بتهيئة الميناء منذ سنة 1982، ويعيبون عليها صرف أزيد من 43 مليار سنتيم دون تحقيق الرهانات المعلنة من قبلها، وعلى رأسها توفير أزيد من 5000 منصب شغل. وأكد بعض المختصين، الذين عايشوا اللحظات الأولى لإنشاء الميناء، أن أهم المشاكل التي يعاني منها الميناء تتلخص في الأخطاء التقنية المرتكبة بعد تفويت صفقة إنشائه لمقاومة غير متخصصة في الموانئ، مما أدى حسب هؤلاء إلى انهيار الحاجز الأمني الوقائي بعد اصطدامه بتيارات بحرية قوية، وتراكم مخلفاته من الإسمنت والحديد بمدخل الميناء منذ ذلك الوقت، وهو ما ساهم في بروز مشكل الترمل الذي تسبب مرات عديدة في إغلاق الميناء لفترات طويلة، كما أودى بحياة عشرات من البحارة على مدى السنوات الماضية، ولإنهاء المشكل يقترح المختصون استخراج الأحجار والمواد المترسبة بشكل نهائي من المدخل الرئيسي للميناء، لكن السلطات والإدارة المسؤولة ترى عكس ذلك، وتكتفي بالجرف المستمر للرمال. ورغم أن الموارد البحرية للمنطقة كثيرة، وتمتاز بالتنوع والجودة، وبتوفر مراعي خصبة للأسماك، وارتفاع القيم المالية للأسواق التي تبيع السمك بالجملة والتقسيط، فإن بعض المطالب الآنية للساكنة تؤكد على ضرورة تخصيص نصيب لها من الخيرات التي تغادر مدينتهم في اتجاه أماكن أخرى داخل الوطن، دون أن تحقق اكتفاء ذاتيا يقي شباب المنطقة شر البطالة، كما يطالبون بتشجيع الاستثمار الذي انحصر على مدى السنوات الماضية في بناء وحدة لتحويل الثلج ومحطة للوقود ومعمل لتربية سمك «التون»، دون أن يتجاوز ذلك لإتمام الشطر الثالث من أشغال التهيئة التي كانت مبرمجة في الدراسة التقنية الأصلية، كما يطالبون بضرورة اعتماد الخبرة و الجودة في بنائه لتفادي الوقوع في نفس الأخطاء التي أدت إلى هشاشة البنية وعدم اكتمالها، وبإنجاز الحي الصناعي الذي تعهدت وزارة التجهيز بإنجازه منذ مدة طويلة دون أن يرى النور على أرض الواقع. وفي الاتجاه المقابل، يطالب المستثمرون بتمكينهم من الامتيازات الضريبية، وتفعيل مضامين المذكرة التي وجهوها إلى الوزارة المكلفة بالمالية والاقتصاد منذ 14 نونبر 2000، والتي يطالبون فيها الوزارة بالعمل على إدراج المنطقة ضمن لائحة الأقاليم والعمالات المستفيدة من الإجراءات الجبائية التفضيلية المنصوص عليها في المرسوم رقم 2 .98 .520 الصادر في 5 ربيع الأول 1419 (30 يونيو 1998)، وذلك لتطبيق المادة 4 من القانون رقم 24 86 المتعلق بالضريبة على الشركات والمادة 11 المكررة من القانون رقم 17 89 المتعلق بالضريبة العامة على الدخل. أما المهنيون بدورهم فيعانون من غياب التغطية الصحية والضمان الاجتماعي، وغياب دعم المكتب الوطني للصيد البحري، ويطالبون بخلق صندوق لدعم المهنيين، وتسوية وضعيتهم الإدارية بعد الإصابات الخطيرة التي أصابت أرواحهم وأجسادهم، ومن أجل تنشيط الدورة الإنتاجية بالميناء، يقول المهنيون إن مطلبهم الأساسي يرتبط بتسوية الوضعية المهنية لقوارب الصيد التقليدي التي لم تستفد من البرنامج الوطني لإعادة الترقيم، كما يطالبون بمراجعة التشريعات المنظمة لقوارب الصيد التقليدي وملاءمتها مع مقتضيات عصرنة القطاع.