إلى عائشة مناف لم ألتق عائشة منذ عشر سنوات، حينما اجتمعنا في سلسلة «تيغالين»، حيث مرحنا كثيرا وتفاءلنا خيرا بانفتاح قناتينا التلفزيتين على مخرجين جدد وعلى أشكال أخرى من الدراما والإبداع الفني.. كان طموحنا لا حدود له، وكنا نتحدث لساعات عن المستقبل وكيف سيكون مختلفا ويعد بالكثير، خصوصا وأن فيصل العرايشي حينها كان للتو قد أصبح الرجل الأول بدار البريهي. وطبعا، كان خبر كهذا كفيلا بإدخال الفرح والأماني إلى قلوب العديد من الفنانين والمبدعين..لم نلتق منذ زمن وكنت فقط أتابع أعمال عائشة وتميز أدائها وتطور مستواها من عمل إلى آخر، دون أن تخص بأية متابعة إعلامية أو حوارات صحفية أو صور على الأغلفة. كانت تبدع في صمت مثلها مثل العديد من الفنانين الهادئين الخجولين الذين قلما تنتبه إلى وجودهم خارج الأعمال التي يقدمونها، تماما عكس أولئك الذين لا يقدمون شيئا وهم دائما حاضرون. لذلك، الكثيرون لم يحفظوا اسم عائشة إلا بعد انتشار خبر مرضها، والذي للأسف لم يتم الإعلان عنه بهذا الأسلوب الفج إلا بعد أن أنهكها المرض شفاها الله وعافاها بإذنه تعالى وبدعواتنا جميعا لها بالشفاء والصبر. حينما نحلم بالشهرة وبتصدر عناوين الصحف والأخبار فإننا نحب أن تكون مقالات عن نجاحاتنا وأعمالنا، عن أفكارنا وآرائنا وليس عن آلامنا وخساراتنا وصدماتنا، لذلك أجد تلك الصور التي تناقلتها الصحف وذاك الربورطاج المؤلم تسيء إلى عائشة أكثر مما تخدمها، لأن مرضها ليس مادة تباع وتشترى وصورها وهي مريضة ليست للإثارة ودغدغة المشاعر.. فهي فنانة محترمة، لطيفة وذكية، جميلة كما عرفناها دائما، ليس من عذر للتشهير بمرضها بهذا الأسلوب اللاإنساني. وقد علمنا بمرض العديد من الشخصيات الفنية والسياسية والرياضية عبر العالم ولم تعرض جراحهم هكذا مفتوحة على الملأ. وإن كان عذر هذه الزلة تعاطف الناس مع عائشة في محنتها، فهناك أساليب أخرى أكثر إنسانية تحترم عزتها وكرامتها وإحساسها. والفنانة عائشة مناف لم تكن، في الواقع، في حاجة إلى أن يتسول لها أحد، لأنها عضوة منخرطة في التعاضدية الوطنية للفنانين التي يرأسها محمد قاوتي، وبالتالي فمن حقها كمنخرطة وكفنانة الاستفادة من التغطية الصحية. والسؤال الحقيقي هو لماذا لم تتحمل التعاضدية مسؤولية هذا الملف في صمت كي تحمي عائشة من هذا التشهير والاستغلال وترحمها من ألم الحاجة، خصوصا في ظروف مرضية صعبة كهاته، وما قيمتها إن لم تسعف فنانة مريضة تحتاج الدعم والمتابعة، ولِمَ لَمْ تصدر أي بيان للشرح والتوضيح.. هذه هي الأجوبة التي نريد سماعها.. المرض يولد الوحدة، والوحدة تجعلك يائسا حزينا وجريحا.. لذلك لا تتركوها وحدها.. أرجو من كل الفنانين والشخصيات الإعلامية أن يزوروها، لأن الفرحة تزهر في عينيها ولأنها تحب أن تلتقي الكثيرين ممن لم تسمح لها الأقدار بمصافحتهم أو تقديم أدوار معهم، فبمجرد وصول زائر تحضنه بقوةِ جسدٍ نحيلٍ وبصدق قلب لازال ينبض حبا للناس وتمسكا بالحياة. لقد اهتزت مشاعر كل المغاربة لهذا المصاب، وعبروا بعفوية عن حبهم ودعمهم لفنانيهم، وردوا الاعتبار إلى عائشة ولو على سرير المرض، منحوها جائزة الجمهور عن كل أعمالها، حملوا صورها ووضعوا لها صفحات على الأنترنيت، ويرفعون أكفهم بالدعاء لها بالشفاء. الآن على الفنانين المغاربة، خصوصا الممثلين، أن يردوا الاعتبار إلى أنفسهم ويخرجوا قضيتهم إلى النور ويعلنوها على الملأ، ويطالبوا بحقوقهم التي ينهبها أشباه المنتجين ويضعوا سلما للأجور يضمن لهم حقوقهم ويحميهم من جشع المتآمرين. أتمنى أن يعلن الممثلون سنة 2011 سنة بدون ممثل ويوقفوا التعامل مع سماسرة الفن إلى أن تسوى وضعيتهم بما يحمي كرامتهم ويجعلهم في غنى عن التسول الصامت والعلني. في انتظار ذلك، نسأل الله أن يشفي عائشة ويديم بسمتها ورضاها وصبرها، إنه على كل شيء قدير.