التأم، أمس الخميس بالمعلمة التاريخية قصر البديع بمراكش، ثلة من الباحتين والمؤرخين والمهتمين بالتراث، خلال ندوة علمية لتسليط الضوء على تاريخ منبر مسجد الكتبية وعملية ترميمه، وذلك بعد مرور عشرين سنة على ترميمه من قبل أخصائيين من "متحف المتروبوليتان للفنون" في نيويورك وعدد من الصناع التقليديين المغاربة. وأكدت مختلف تدخلات المشاركين، في هذه الندوة، التي نظمت بمبادرة من محافظة قصر البديع ضمن برنامج شهر التراث الذي انطلقت فعالياته في الثامن عشر من شهر أبريل المنصرم، على أهمية هذا المنبر باعتباره تراثا من روائع الفن الإسلامي، ومن المعالم الإسلامية الراسخة في تاريخ المغرب. وأجمعوا على أن منبر الكتبية يشكل تحفة فريدة من نوعها وأحد روائع فن النجارة الإسلامية التي تم إنجازها أولا من طرف الأمير علي بن يوسف لتتم عملية نقله إلى مسجد الكتبية الأولى نحو سنة 1150م في عهد الخليفة الموحدي عبد المومن،مشيرين الى أن منبر الكتبية التاريخي، كان له تأثير كبير في تصميم المنابر التي أتت بعده والتي تم إنتاجها في المغرب. وأوضحت فاتن صفي الدين المؤرخة من أصل لبناني والمهتمة بالشأن التراتي، أن هذا المنبر الذي صنع في قرطبة الاندلسية بداية القرن الثاني عشر الميلادي بطلب من الأمير المرابطي علي بن يوسف بن تاشفين، يعتبر أقدم منبر مصنوع من الخشب تمت المحافظة عليه في حالة جيدة بالعالم الإسلامي، مشيرة إلى أن فكرة ترميم هذا المنبر ولدت تحفة فريدة من نوعها في التسعينيات من القرن الماضي، عندما التقى الفنان الراحل محمد المليحي، الذي شغل منصب مدير الفنون في وزارة الثقافة، في الولاياتالمتحدة، والمحسن الأمريكي باتي كادبي بيرش. وأشادت فاتن صفي الدين، في هذا السياق، بهذا المحسن الأمريكي، الشغوف بالفن الإسلامي، والذي أحب المغرب وتبرع بمليون دولار لترميم منبر الكتبية. من جانبها، أكدت حسناء حداوي أمينة قصر البديع، أن هذا المنبر الذي يعد من أجمل جواهر الفن الإسلامي وأحد أشهر الأعمال الفنية الإسلامية لمؤلفين عرب وإسبان، استوجب ترميمه تدخل فناني صنعة تطعيم الخشب المغاربة وأخصائيي الترميم الأمريكيين، لإنقاذ هذه التحفة من الضياع جراء الإهمال الذي لحقه ليعود المنبر بعد ذلك إلى مراكش، ووضعه بإحدى قاعات قصر البديع. وشكلت هذه الندوة، فرصة لصناع تقليديين مغاربة دعاهم متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك كجزء من عملية ترميم المنبر لتقديم شهاداتهم حول الدلالة التاريخية والفنية لمنبر الكتبية. وتميز هذا الحدث الثقافي، بافتتاح المعرض الفني "من الترميم إلى المعرض" الذي قدم مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي تروي عملية ترميم منبر مسجد الكتبية في أواخر القرن الماضي، بالإضافة إلى عرض شريط حول حفل افتتاح المنبر في قصر البديع، الذي ترأسه في أبريل 1998 صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ولي العهد آنذاك، عندما كان الملك لا يزال وليًا للعهد ، فضلا عن عرض فيلم وثائقي خصص لترميم المنبر من إنتاج باتي كادبي بيرش وإخراج السيدة فاتن صفي الدين، والذي تم عرضه خلال حفل افتتاح المنبر في أبريل 1998 بمقر الأممالمتحدةبنيويورك ومقر معهد العالم العربي (IMA) في باريس. وسيجري عرض هذا الفيلم الوثائقي باستمرار في قصر البديع بمراكش لاتاحة الفرصة للساكنة المحلية وزوار المدينة الحمراء مغاربة وأجانب والمتخصصين لاكتشاف تاريخ هذه التحفة الفنية العربية الأندلسية وتاريخ ترميمها. وحسب المهتمين بالتراث، فإن عملية ترميم منبر الكتبية استغرقت حوالي سبعة أشهر بعد إهماله قرابة ثلاثة عقود، ليحتفظ بشكله القديم وارتفاعه البالغ 386 سم، وطول 346 سم، وعرض 87 سم، وأحيطت الجوانب والمقعد بنقوش كتبت بأحرف كوفية (نصوص قرآنية وعبارات دينية وثلاثة نصوص عن تأسيس المنبر)، كما استخدمت في تطعيم الجوانب الترصيعات الذهبية والعاجية وزخارف هندسية وعناصر زخرفية من زهور اتخذت شكل شجرات الحياة المتوجة بقويسات تزين المقعد وواجهات الدرجات، وجرى نحت وترصيع اللوحات الصغيرة المضلعة الخشبية ذات الأشكال المتنوعة، التي تحتشد بها الزخارف الهندسية، بعناصر نباتية وزهرية بدقة تشابه المنحوتات العاجية الأموية. وصمم المنبر فوق عجلات صغيرة، ما يسمح بإخراجه بطريقة ميكانيكية آلية، إلى جانب مقصورة صنعت خصيصا لهذا الغرض، وتميزت عملية الإخراج والإدخال بدقة وإتقان كبيرين قل نظيرهما في ذلك الوقت، بحسب ما تشير المصادر التاريخية، توضح أن أجزاء منه نحتت بلوحات تحمل عناصر نباتية وزخرفات ذات طابع أندلسي وعبارات نقشت تمجيدا للسلطان والدولة.