قدم المغرب نموذجا متميزا في الدفاع عن سيادته ووحدته الترابية، وأمنه ويشهد له العالم بذلك، إذ لم تنفع معه كل مناورات الخصوم، وأثبت للجميع أنه لن يعجز عن حماية سيادته من كل النواحي، وتحقيق أمنه على كل المستويات، بما فيها الأمن الصحي، الذي اتخذ في زمن كورونا عدة أبعاد. ورغم التضحية بالاقتصاد من أجل المواطن في بداية هذا الزمن، فإن هذا لا يعني التفريط في السيادة الاقتصادية، أو أن إعادة ترتيب الأولويات في تلك المرحلة سيصبح دائما. إن المغرب يعي تمام الوعي أهمية الاقتصاد الذي أضحى لغة العصر الأولى. وتترجم ذلك القرارات التي يجري اتخاذها والخطوات التي تخطوها المملكة، ويندرج في هذا الإطار إنجاز المنطقة الاقتصادية بالفنيدق، التي من شأنها أن تشكل تحولا مهما، باعتبارها ستلعب دورا مزدوجا الأول اقتصادي بإشعاع وطني ودولي، والثاني اجتماعي عبر توفير مناصب الشغل وإتاحة الفرصة أمام الأفراد والجامعات لإقامة مشاريع مدرة للدخل. لم يجر التفكير في إحداث هذه المنطقة بشكل اعتباطي، بل جرى التفكير في كل الأمور والتخطيط من أجل توفير كل شروط النجاح. ولعل تضافر جهود وزارات الداخلية، والاقتصاد والمالية، والصناعة والتجارة، وولاية جهة طنجةتطوانالحسيمة، ومجلس الجهة، ووكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال، ووكالة طنجة المتوسط، وعمالة المضيقالفنيدق، وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، والمركز الجهوي للاستثمار لم يكن من قبيل الصدف، فعندما جرى إبرام الشراكة بين الهيئات المذكورة كانت الرسالة واضحة، وهي أن نؤمن جميعا بأن التهريب ليس قدرا، وأن يعمل الجميع يدا في يد لصيانة كرامة رجال ونساء المغرب خصوصا في شمال المملكة، وأن نعمل جاهدين بأفكار وسواعد مغربية على صيانة الحاضر وصناعة المستقبل. في فبراير 2020، أي قبل أن يطل على بلدنا زمن كورونا برأسه أرسلت شمس الأمل أول خيوطها المتمثلة في الشراكة وتحديد الوعاء العقاري المحدد في 10 آلاف هكتار، ورصد الغلاف المالي البالغ 200 مليون درهم للمشروع. إن تعبئة الكفاءات والإمكانات الوطنية والمحلية والإمكانات المالية، ليس أمرا غريبا على المغرب، الذي أرسل إشارات واضحة لمن يهمهم الأمر، خصوصا في الخارج أنه يملك القدرة ليس فقط على تحقيق سيادته الاقتصادية، بل أيضا حمايتها، وحماية كرامة مواطنيه الراغبين في تأمين حياتهم ومستقبلهم. ولم تكن المراهنة على هذا المشروع من قبيل أحلام اليقظة، ولا متمنيات يصعب تحقيقها، فالمغرب الذي واجه أزمة انتشار فيروس كورونا في العالم، وأظهر تماسكه وقدرته على مواكبة كل التحولات ومتطلبات العصر في زمن الضيق لن يعجز عن تحقيق الأفضل بعد الانفراج. اليوم أصبحت منطقة الأنشطة الاقتصادية الجديدة للفنيدق، واقعا بعد تسليم المجموعة الأولى (53 تاجرا) المستودعات، علما أن 76 تاجرا سيستفيدون من الشطر الأول لهذا المشروع الذي يعد رهانا وطنيا، يرتقي بالجهة إلى مكانة مهمة دوليا ما سينعكس على سكانها بشكل إيجابي ويمكن من القطع مع صعوبات الأمس القريب. هذا المشروع ذو أبعاد اجتماعية، أيضا، إذ من شأنه أن يوفر 1000 منصب عمل مباشر و2000 منصب شغل غير مباشر في اللوجيستيك، في انتظار الشطر الثاني من المشروع الذي سيهم بالأساس إحداث أنشطة مدرة للدخل التي تتغيا المساهمة في تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين. ومن شأن المشروع برمته أن يمكن المنطقة من فتح فصل جديد من فصول صناعة الثروة في المملكة. فضلا عن الدينامية الاقتصادية والاجتماعية ستمكن المنطقة جهة طنجة – تطوان – الحسيمة من جاذبية سياحية تعزز ما تشهده هذه المنطقة في السنوات الأخيرة، وأكد عمر مورو، رئيس مجلس الجهة، أن هذه الجاذبية «ستساهم في خلق حوالي 600 منصب شغل مباشر وقار، بالإضافة إلى مناصب شغل غير مباشرة». إننا بصدد قرار واختيار يجسدان على أرض الواقع مفهوم حماية السيادة الاقتصادية الذي يصون الإمكانات الوطنية والموارد المالية، ويصون كرامة المواطن التي تبقى فوق كل اعتبار.