أثارت اختبارات اللعاب المصنعة في المغرب أو ما يطلق عليها ب اختبارات المستضدات التشخيصية، أو الأنفية - البلعومية، أو تلك التي تعتمد عينات اللعاب من أجل تشخيص الإصابة بكوفيد 19، التي جرى سحبها بسرعة من الصيدليات تحت ضغط الأطباء الإحيائيين، أخيرا، إشكالات قانونية وعلمية أمام إصرار الصيادلة على حقهم في تسويق هذا النوع من المنتجات وإن كانت الاختبارات السريعة لحد اليوم تباع على الإنترنت بأسعار أعلى، فإن اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل لتشخيص كوفيد 19 "مسحة الأنف" (بي سي ار) مازالت فئة عريضة غير قادرة على الاستفادة منها، في الوقت الذي اختارت وزارة الصحة التزام الصمت إلى حد كتابة هذه السطور تجاه الجدل القائم حولها. في يونيو الماضي، منحت مديرية الأدوية والصيدلية التابعة لوزارة الصحة شهادة تسجيل لمنتج شركة "جيغالاب" المغربية، وهو اختبار سريع للمستضدات التشخيصية اللعابية، ويعتبر اختبارا سريعا وسهلا، يستهدف البحث عن علامات وأعراض الإصابة بفيروس كورونا، ويعطي فكرة سريعة عنه، حيث يتراوح سعره ما بين 80 و100 درهم، ولاقى إقبالا لدى المواطنين بالنظر إلى تكلفته المعقولة وسهولة استخدامه. في 7 يوليوز الأخير، بعثت الغرفة النقابية للإحيائيين برسالة إلى مديرة الأدوية والصيدلة بوزارة الصحة، بشرى مداح، تشير إلى وجود "انتهاك للقانون" ببيع الصيدليات لاختبارات عينات الخاصة بشركة "جيغالاب"، محذرين من أن هذا الاختبار لم يحصل على ترخيص من الوزارة الوصية، ومعترضين على تسويقه بالصيدليات. وقال الأطباء الإحيائيون، في رسالتهم، إن اختبارات اللعاب غير مصرح بتسويقها وببيعها لدى الخواص، وأن الصيادلة غير مخولين بإجراء هذا النوع من الفحوصات باستثناء تلك المحددة في قرار وزارة الصحة رقم 31-131 المتعلق بالقانون 01-12. بعد أيام قليلة من هذه الرسالة، وفي 14 يوليوز المنصرم بالتحديد، أمرت مديرية الأدوية بسحب جميع الدفعات التي تم تسويقها من قبل الشركة المغربية. وبررت المديرية قرارها في الرسالة التي وجهتها إلى الصيادلة أنه "تبين أن الكاشف للاستخدام التشخيصي جرى طرحه للبيع في الصيدليات من خلال موزعي الأدوية بالجملة، دون الحصول على إذن من وزارة الصحة". وإن كان قرار وزارة الصحة لاقى استحسان الأطباء الإحيائيين، فإنه لم يكن مقبولا من قبل الصيادلة أو المواطنين. الأطباء الإحيائيين يؤكدون أن تسويق الاختبارات المذكورة يجب أن يخضع لإشراف صارم من الوزارة الوصية لتجنب مجموعة من المخاطر التي يمكن أن تهدد صحة المواطن، لكن بالمقابل يستنكر الصيادلة حقيقة سحب دفعات "جيغالاب" من السوق، متشبثين بحقهم في تسويق منتجات من هذا النوع. أما بالنسبة للمواطنين، فقد ارتفعت أصوات عدة لانتقاد "انتهازية " المختبرات الطبية التي، في رأيهم، تخشى خسارة حصص مهمة في السوق بسبب تكلفة الاختبارات السريعة. علما أن تكلفة اختبار "بي سي ار" تتراوح مابين 500 و700 درهم، حيث تجرى بالمغرب، حاليا وبسبب ارتفاع الإصابات ما يقارب 40.000 اختبار في اليوم. ولتوضيح وجهة نظر الأطراف المعنية بهذا الجدل القائم، اتصلت الزميلة "لوماتان" بكل من الأطباء الإحيائيين وكذا الصيادلة لتسليط الضوء على موقفهم بخصوص هذا الموضوع.
مطالب الأطباء الإحيائيين "نحن فقط طالبنا بتطبيق القانون"، هذا ما قاله عدنان غزالي، رئيس الغرفة النقابية للإحيائيين، مدافعا عن رأيهم في الاختبارات السريعة باللعاب، مشددا على أن "القانون واضح في هذا الشأن، بنصه على أنه لا يمكن تسويق المنتجات غير المصرح بها من طرف وزارة الصحة / الوصية". وحسب غزالي فإنه لم يكن هناك داع للجدل القائم، قائلا "على عكس الادعاءات التي تم تداولها، فنحن كمواطنين مغاربة، فخورون جدا بأن يكون لدينا منتجات مغربية، وهذه أكثر مطالبنا"، مضيفا "لقد أظهر الوباء أن بلادنا يجب أن تحقق الاكتفاء الذاتي في مجال الصحة. ولكن لن ننجح باختلاق مثل هذا النوع من الجدل". ودعا المتحدث إلى "عدم الاختباء وراء ادعاءات كاذبة، والتركيز على الأساسيات، المتمثلة في تحقيق المصلحة العامة وانتظار وضع إطار قانوني صارم لتقديم هذا المنتج وتسويقه، تجنبا لأي خطر على صحة المواطن". ولفت غزالي قائلا "موقفنا لم يكن ضد فحوصات اختبار اللعاب للكشف عن كوفيد أو ضد بيعه من طرف الصيادلة. سواء أجريت الاختبارات في الصيدليات أو العيادات الطبية، لكن طالبنا أن يكون ذلك قانونيا وتحت إشراف الوزارة". وأضاف "لا نقول إن اختبارات اللعاب غير مجدية، لكن نصر على ضرورة وجود إطار ملائم لاستخدامها"، مشيرا في هذا الصدد، إلى "ضرورة إجراء اختبار اللعاب في غضون الأيام الأربعة الأولى من ظهور الأعراض السريرية"، على اعتبار أنه "في اليوم الخامس، يصبح الاختبار غير فعال لأن الفيروس يغادر من الأنف إلى الرئتين وبالتالي لا يمكن تشخيصه والكشف عنه بهذه الطريقة".
ماذا عن الأرباح؟ أكد غزالي أن المعطيات والأرقام المتداولة بشأن سعر تكلفة اختبار "بي سي ار" على شبكات التواصل الاجتماعية بعيدة كل البعد عن الواقع، موضحا أن "سعر تكلفة اختبار PCR يناهز حوالي 520 درهما، علما أنه تتم فوترته ب 700 درهم للمواطن. وزاد قائلا إن "الفرق المتمثل في 180 درهما يبقى شاملا الرسوم. كما أن دفتر التحملات المعتمد من قبل وزارة الصحة يفرض على المختبرات تخصيص فضاء لإجراء هذه الاختبارات مع كل ما يستلزم ذلك من تكاليف، أي استثمارات قد تصل إلى مليون درهم، وأطر متخصصة (من 5 إلى 6) وتقنيين (4)، دون إغفال التحملات الإضافية مثل المراقبة وتدبير النفايات". وأكد أن ذلك ينضاف إليه "تكلفة الكشوفات التي ينبغي على المختبرات اقتناؤها من البائعين والموزعين بالمغرب"، كما أن "الحصة الأكبر من التحاليل تنجزها المختبرات العمومية ثم إلى مؤسسات طبية أخرى ذات المنفعة العامة مثل مستشفى الشيخ زايد ومستشفى الشيخ خليفة ومعهد باستور"، يوضح غزالي. وأكد طبيب الإحياء بالقول "يجب أن تعلموا أن وزارة الصحة هي التي فرضت علينا سعر 700 درهم، وأنه بعد مناشدة من وزير الصحة، قبلنا بالأمر علما أننا كنا نريد تحديد سعر هذه الفحوصات في 1200 درهم أي التكلفة المتبعة نفسها في حالة التهاب الكبد الفيروسي"، مشددا على أنه "إذا كان همنا هو هامش الربح التجاري، فربما يكون من الأفضل لنا إجراء هذه الاختبارات السريعة بدلا من اختبار PCR، لأنه لا يتطلب أي معدات أو معرفة تقنية". كما رفض الأرقام التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص عدد الفحوصات اليومية التي تجرى في المختبرات، قائلا "على أقصى تقدير نتعامل مع حوالي 120 حالة في اليوم، وهذا خلال فترة الذروة، لكن في الأوقات يكون فيها تفشي الوباء محدودا، بالكاد نصل إلى عشرات الحالات".
ماذا عن الصيادلة؟ في الوقت الذي دافع الأطباء الاحيائيين عن موقفهم، فإن الصيادلة بدورهم أكدوا من خلال تصريح السعدية متوكل، رئيسة المجلس الجهوي لصيادلة الجنوب، ردا على ادعاءات عدم قانونية التسويق أو التصريح القانوني بذلك، حيث أعربت عن أسفها للتعليقات التي أدلى بها مجلس الصيادلة الإحيائيين في حديثهم بشأن استخدام لعاب الاختبارات الذاتية لكوفيد 19. وقالت "الجملة الأخيرة في البيان كانت مهينة بشكل خاص. آمل أن يسحبوها أو يعتذروا عنها". يذكر أن المجلس اتهم الصيادلة ب "التسرع في توزيع الاختبار المذكور والذي تم إصدار أمر بسحبه من طرف مديرية الأدوية والصيدلة". وقالت "على عكس ذلك نحن احترمنا قرار الوزارة بوجوب المرور بكافة الإجراءات القانونية بانتظار الترخيص بالتسويق"، مضيفة "تفاجأنا ببيعها على الانترنت وهو ظلم للمواطن ولمهنة كاملة كانت منذ بداية الوباء إلى جانب السلطات العمومية في مواجهته". كما أشارت إلى أن "تعليمات الوزارة تتعلق بدفعة تم تسويقها من قبل شركة معينة، وليس لدينا تأكيد حتى الآن أنه جرى السماح ببيع اختبارات أخرى". وبخصوص الاتهام الموجه للصيادلة حول الهرولة نحو هامش الربح، قالت متوكل "إن هامش الربح ضئيل لأن سعر هذا الاختبار في الصيدليات لا يتجاوز 100 درهم. إذا ألغينا ضريبة القيمة المضافة بنسبة 20٪ ، فإننا نحصل على هامش ربح من 10 إلى 15 درهما"، متسائلة "هل هذا الهامش سيجعل الصيادلة أثرياء؟". وأكدت أن الهدف هو الحفاظ على الصحة العامة لأنه حسب قولها "الكل يعلم أن الصيدلية هي أقرب مؤسسة صحية للمواطن، وتشكل الملجأ الأول لهم في حالة الإصابة بمرض ما، وإن جرى السماح بتسويق هذا النوع من الفحوصات بالكشف المبكر لمرضى كوفيد، فهذا سيمكنهم من العلاج المبكر، وبالتالي تجنب انتشار الفيروس، ما سيمكن المصاب من القدرة على حماية محيطه القريب".
هل ستجيب وزارة الصحة؟ كنا نود طرح هذه الأسئلة مباشرة على وزير الصحة خالد آيت طالب ومديرة الأدوية بشرى مداح، لكن ظلت محاولاتنا للاتصال المتوالية دون إجابة. وفي انتظار التوضيحات اللازمة من الوزارة الوصية المعنية نضم هذه الأسئلة إلى أسئلة المواطنين أو تلك الأسئلة التي طرحها الصيادلة وتتمثل في: -لماذا هذا التراجع من الوزارة بخصوص شهادة التسجيل الممنوحة لشركة جيغالاب؟ -ماهي الإجراءات التي ستتخذها الوزارة في مواجهة الاختبارات التي يتم تسويقها حاليا عبر الإنترنت بأسعار متضاربة؟ - متى سيكون هناك تصريح وإطار ملائم لتسويق اختبارات الكشف السريعة؟ -ما الذي يمنع الدولة من التدخل لخفض أسعار اختبارات PCR لصالح المواطن؟ - متى ستجيب الوزارة عن الادعاءات المتعلقة بتكلفة اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل؟