أفادت كريمة بنيعيش، سفيرة المغرب باسبانيا، في حوار مع "الصحراء المغربية" أن الأزمة الصحية العالمية أبرزت مثانة العلاقات الرابطة بين المغرب واسبانيا وأن عمل السفارة يقضي بالخصوص على تطويرها في جميع مجالات التعاون. وعلاقة بالظرفية الصحية الاستثنائية الحالية التي فاجأت المغاربة في الخارج قالت سفيرة المغرب في اسبانيا إن السفارة، تبعا للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة، الملك محمد السادس، وبتنسيق مع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، تعبأت مع القنصليات العامة 12 الموجودة في هذه البلاد لمواكبة المغاربة العالقين بالديار الإسبانية، واضعة البعد الإنساني والحفاظ على صحة الجميع في صميم أهدافه. واستدلت بنيعيش بمنوذج هذه المواكبة بما قامت به من مبادرات من أجل تسهيل عودة المغربيات العاملات في حقول الفراولة ثم عرجت في حديثها عن دور المرأة المغربية في شبه الجزيرة الإيبرية وكشفت عن علاقات التعاون بين البلدين التي عززتها زيارة قام بها العاهل الإسباني فيليبي السادس، بدعوة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، واعتبرتها ضمانة أساسية لقوة واستمرارية هذه العلاقات الاستراتيجية مع هذا البلد الصديق.
وجدت البعثة الدبلوماسية للمملكة هذا العام في وضع خاص بسبب المغاربة العاقين بسبب تفشي فيروس كورونا وأيضا العاملات الموسميات، فكيف جرى تدبير ذلك؟ في البداية أشكركم على هذه الاستضافة الكريمة. كما تعلمون وتبعا للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة، الملك محمد السادس، وبتنسيق مع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، تعبأت هذه السفارة والقنصليات العامة 12 المتوجودة بإسبانيا لمواكبة المغاربة العالقين بالديار الإسبانية، واضعة البعد الإنساني والحفاظ على صحة الجميع في صميم أهدافها. قامت سفارة المغرب بمدريد بمواكبة مستمرة لإخواننا العالقين منذ بداية الأزمة، حيث تشكلت خلية أزمة تشتغل 24 ساعة على 24 ساعة، على مستوى السفارة وكذلك القنصليات، بتنسيق مع الخلية المركزية بوزارة الخارجية. ونجحنا والحمد لله بشكل كبير في التخفيف من معاناة إخواننا العالقين، من خلال التكفل بالذين كانوا في وضعية صعبة، ثم قمنا بتنظيم رحلات عودة مجانية للكثير منهم؛ إلى المغرب الذي لا يتخلى على أبنائه. حاليا، فتح المغرب حدوده بشكل استثنائي للمغاربة والأجانب المقيمين بالمغرب. فرغم صعوبة الوضع بسبب هذه الجائحة فبلدنا، شرع في تنظيم رحلات استثنائية لكل المغاربة والأجانب المقيمين بالمغرب، إذ يمكن لأي مغربي أو أجنبي مقيم بطريقة قانونية بالمغرب، باقتناء التذاكر من الخطوط الملكية المغربية أو العربية للطيران، والقيام بالفحوصات الازمة، ومن تم الدخول بشكل عادي للمغرب. بخصوص العاملات الموسميات، في البداية أود أن أذكر أن وجود العاملات المغربيات في حقول منطقة ويلبا بالأندلس يأتي في إطار اتفاقية تعاون نموذجية بين المغرب واسبانيا لجني الفواكه الحمراء، وهو ما يعرف بالهجرة الدائرية. وتصادف هذه السنة وجود الأخوات العاملات الموسميات مع هذه الجائحة التي ضربت العالم بأسره، وعلى إثر ذلك، تعبأت السفارة بتنسيق مع وزارة الخارجية وبتعاون مع شركائنا الإسبان سواء على المستوى المركزي أو الجهوي لتنظيم رحلات بحرية، على نفقة الدولة المغربية، لعودتهن إلى أرض الوطن، وهي العملية التي توجت بأول رحلة يوم السبت 18 يوليوز، وهمت 1200 عاملة موسمية، ورحلة ثانية يوم الاثنين 20 يوليوز، همت 1200 عاملة، وذلك عبر خط بحري استثنائي يربط ميناء ويلبا بميناء طنجة المتوسط. وبالفعل تم إجراء الفحوصات الطبية اللازمة من طرف السلطات الاسبانية لكل الأخوات العاملات قبل الصعود للباخرة، وذلك حتى نضمن سلامة الجميع. وتجدر الاشارة إلى أن العملية مازالت مستمرة، عبر رحلات متتالية، لنقل ما مجموعه 7100 عاملة. وتتم العملية بنجاح بفضل تعاون السلطات الإسبانية وكذلك بفضل العمل الكبير للقنصلية المغربية بإشبيلية. وبهذه المناسبة، أود أن أتوجه بشكل خاص، كسفيرة صاحب الجلالة إلى كل النساء المغربيات العاملات في قطاع الفراولة لأشكرهن على تضحيتهن وصبرهن، خصوصا في هذه الظرفية الصعبة.
كيف ترون تمثيلية المرأة المغربية في الساحة الإسبانية؟ تمثل الجالية المغربية الجالية الأجنبية الأولى بإسبانيا، خارج دول الاتحاد الأوروبي، بحيث أن عدد المهاجرين المغاربة المقيمين في إسبانيا يزيد عن 800 ألف شخص، أغلبهم يعيشون في اندماج تام في المجتمع الاسباني، بحيث تمثل النساء نسبة مهمة في صفوف هاته الجالية. والمرأة المغربية أينما حلت وراحلت تترك بصماتها الإيجابية، بفضل التميز والجدية في العمل. ففي إسبانيا توجد نساء مغربيات ذات كفاءة عالية وفي جميع الميادين سواء السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والقانونية والرياضية. على المستوى السياسي مثلا هناك نساء من أصول مغربية ضمن الأحزاب السياسية، مشهود لهن بالكفاءة والنشاط، كما أن هناك نخبة من الأطر النسوية المغربية المقيمة بإسبانيا تقوم بدور مهم، في إطار العمل الجمعوي، بنشر التوعية وقيم التضامن بين أفراد الجالية. وإضافة إلى هذا تعززت المراكز القنصلية بإسبانيا بثلاث نساء على رأس كل من القنصليات العامة للمملكة المغربية ببلباو وبالما دي مايوركا وتاراغونا. لا ننسى أننا في إسبانيا لا زلنا أمام الجيل الأول للمهاجرين المغاربة فيما الجيل الثاني مازال في بدايته، على خلاف فرنسا إذ نتحدث عن الجيل الرابع. ورغم الدور المهم والأنشطة المتنوعة التي تقوم بها المغربيات بإسبانيا، فإن الجهود الكبيرة التي تبذلها لا تحظى حاليا بالاهتمام المطلوب في أوساط المجتمع المدني الإسباني. لذا، أعتقد أنه في المستقبل سنشهد حضور أكثر للنساء المغربيات في الساحة الإسبانية بفعالية أكثر وتأثير أكبر.
هل يمكن استحضار أهم ما أنجزته السفارة في إطار التعاون الثنائي بين البلدين ؟ هذا سؤال كبير، لا يتسع لحلقة واحدة للإجابة عليه، فعمل هذه السفارة هو عمل ينسجم مع الاستراتيجيات التي وضعتها بلادنا للسياسة الخارجية. وبطبيعة الحال، فإن اسبانيا تعتبر كشريك استراتيجي مهم ودولة جارة محورية في أجندة السياسة الخارجية للمغرب. وكما تعلمون، إن علاقاتنا بإسبانيا هي علاقات استراتيجية متميزة ومتينة راسخة كما وكيفا، وتشمل جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والبيئية والرياضية والأكاديمية، فضلا على العلاقات الدبلوماسية والبرلمانية والقضائية والأمنية والتي تعد نموذجا في حوض البحر الأبيض المتوسط؛ وفي هذا الإطار، فإن روابط الصداقة المتينة والاستثنائية التي تربط جلالة الملك محمد السادس ، بالعاهل الإسباني فيليبي السادس، تشكل ضمانة أساسية لقوة واستمرارية هذه العلاقات الاستراتيجية مع هذا البلد الصديق. وفي هذا السياق، أود أن أذكر بالزيارة الرسمية التاريخية التي قام بها العاهل الإسباني جلالة الملك فيليبي السادس بدعوة كريمة من جلالة الملك محمد السادس، في فبراير من السنة الماضية، والتي أعطت دفعة جديدة للعلاقات الثنائية، وذلك من خلال التوقيع على 11 اتفاقية تعاون وشراكة، تنضاف إلى المئات من الاتفاقيات التي تربطنا بهذا البلد الصديق والجار. كما أن التعاون في مجال محاربة الهجرة غير الشرعية يعد نموذجا يحتذى به بين السلطات المغربية ونظيرتها الإسبانية، إذ يعرف تنسيق محكم لا من حيث تبادل المعلومات، ولا من حيث العمليات المشتركة التي تقوم بها السلطات المختصة لكلا البلدين. كما أن التعاون في مجال محاربة الإرهاب والجرائم العابرة للحدود، بدوره يعد نموذجيا لاسيما في محاربة أخطار الأفكار المتطرفة والجريمة المنظمة وتنبيض الأموال وغيرها من الجرائم. فيما يخص الجانب الاقتصادي، فإسبانيا ومنذ سبع سنوات على التوالي تعتبر الشريك التجاري الأول للمغرب، وهذا نتيجة إرادة سياسية ورغبة حقيقية للبلدين، وراءها عمل كبير تقوم به الديبلوماسية المغربية. كما أن وزير الخارجية في تواصل مستمر مع نظيرته الإسبانية، وكلما دعت الضرورة لذلك، قصد التشاور وإيجاد الحلول الملائمة لكل الصعوبات التي قد تؤثر على هذه العلاقات الاستراتيجية، فهي علاقات قوامها الحوار المستمر البناء والثقة المتبادلة. أعتقد أن هذه الأزمة الصحية العالمية أبرزت متانة هذه العلاقات، لأن التحديات التي نواجهها هي تحديات مشتركة، علينا أن نعمل معا لإبداع الحلول المناسبة لمجابهة التحديات والتغيرات الجيوسياسية والجيواستراتيجية الناتجة عن هذا الوباء الذي لحق الضرر بالعالم بأسره، وبلورة خريطة طريق مشتركة كفيلة بالرقي بعلاقاتنا الاستراتيجية الاستثنائية إلى مستقبل أفضل. وأود بهذه المناسبة أن أشكر السلطات الإسبانية على تفهمهم وتعاونهم الدائم معنا، وخصوصا في تجاوز أزمة العالقين المغاربة بإسبانيا، ومن المؤكد أن المستقبل واعد لعلاقاتنا الثنائية والآفاق واسعة للشراكات الاقتصادية التي ستخدم مصالح الدولتين وشعبيهما الصديقين في مختلف المجالات. لذا، فإن عملنا بالسفارة يقضي بالخصوص على الحفاظ وتمتين وتطوير هذه العلاقات الاستراتيجية المتميزة في جميع مجالات التعاون المتعددة الأبعاد. ممكن أن نقول بكل تواضع، أن حصيلة عمل سفارة المملكة المغربية بإسبانيا على مستوى التعاون الثنائي هي حصيلة في مجملها إيجابية ، بفضل عمل جماعي للديبلوماسية المغربية بتوجيهات من جلالة الملك، وبتنسيق مع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج.