دعا جامعيون وأطباء ومحامون وبرلمانيون خلال الندوة الافتراضية التي نظمت السبت من طرف مركز الدراسات الأسرية والبحث في القيم والقانون بعنوان "الأسرة والتحول الرقمي: مستجدات وتحديات"، سن تشريعات وقوانين جديدة تواكب الانتقال الرقمي الذي فرضته جائحة كورونا على عدد من القطاعات والأسرة كذلك. وطالب المتدخلون بتوفير الميزانيات التي تسمح بتنزيل المشاريع المرتبطة بهذا الانتقال، من بينها "توفير الدعم المالي والتربوي للتمدرس الأسري الرقمي"، وجعله حقا من حقوق الأسرة وتقنينه كخيار تعليمي وتوفير الدعامات البيداغوجية واللوجيستكية لنجاحه". وأوصى المشاركون في الندوة أيضا، بتعميم شبكة الأنترنت للأسر بخفض الكلفة وتيسيرها للهوامش في القرى والمناطق الجبلية، واستحداث مدرسة رقمية تعمل عن بعد في موسم الثلوج لتمكين أبناء المناطق المعزولة من متابعة دراستهم. كما وطالبوا بتنظيم وتقنين العمل الرقمي وتوفير الدعائم البيداغوجية داخل الجامعات وتعميمها داخل الشعب وفي كل المجزوءات الدراسية، وتمكين الأساتذة الجامعيين من القاعات الافتراضية، وتطبيق التمييز الإيجابي بتمكين الأستاذة الجامعية من آلية التدريس عن بعد. ومن جهة أخرى، شددوا على ضرورة توفير الدعم المالي والتربوي للتمدرس الأسري الرقمي، وجعله حقا من حقوق الأسرة وتقنينه كخيار تعليمي وتوفير الدعامات البيداغوجية واللوجيستكية لنجاحه، وإطلاق دراسات وبحوث رصدية لاستشراف عمل المرأة عن بعد، ومآلاته الإجرائية في رفع الإنتاجية وتحقيق التوازن بين متطلبات الأسرة والعمل في الفضاء العام، وتوفير دعامات تثقيفية وقانونية لإشراك الرجل في الشأن الداخلي للأسرة. و دعوا المشاركون، إلى إطلاق تجارب ومشاريع رائدة في الصحة الرقمية عبر تجربة العيادة الرقمية في القرى وتوفير العيادات الصحية المتنقلة لمواجهة الخصاص وهشاشة الصحة الأسرية خاصة في القرى، وتمكين المواطنين من المعلومات القانونية والحمائية من الجريمة الإلكترونية والضامنة للأمن المعلوماتي الأسر، وإعادة القيمة للعلوم الإنسانية بما فيها الآداب والفنون والمسرح والعلوم الاجتماعية والنفسية، وإحياء دور كلية الآداب والعلوم الإنسانية في استنهاض الإنسان ورسالة القيم والبعد الإنساني في العلاقات الاجتماعية وإدماجها في تثقيف المجتمع، وتوفير البرامج الإعلامية الموجهة للأسرة واشتراط إدخال قيم العائلة في مضامينها لجعلها رافعة للوعي ومعالجة لقضايا الواقع من خلال المسلسلات والأفلام ودعم الإنتاج السينمائي الأسري. وفي هذا الصدد، أعلنت خديجة مفيد رئيسة المركز أن التوصيات ستوجه إلى عدد من القطاعات الحكومية المعنية (التربية الوطنية والتعليم العالي؛ التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، الصحة، الاقتصاد الرقمي، الشغل، المالية)، فضلا عن مؤسستين دستوريتين هما المجلس الأعلى للتربية والتكوين والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إضافة إلى المجلس الوطني للصحافة، مشيرة إلى أن هذه التوصيات، ستوجه إلى منظمات إقليمية ودولية، في مقدمتها منظمتي الإيسيسكو واليونسكو ومكتب المغرب وشمال إفريقيا بمجلس المرأة بالأمم المتحدة. ومن جهته، قال مصطفى أبو السعد الاستشاري النفسي والتربوي إن "جائحة كورونا سرعت الرقمنة التي كان يخطط لها أن تكون بعد عشرين عاما"، لكنه حذر من "ثلاثة فخاخ للثورة الرقمية" كما سماها، أولها الإدمان الإلكتروني؛ ثانيها تحول دور الأم من الأمومة والتربية والرعاية والحضن إلى الأم المعلمة مما يجعلها تدخل في صراع مع الأبناء يفقدها دورها التربوي؛ ثالثها الانعزالية والانطوائية مما يفقد البعد الاجتماعي والعلاقات الإنسانية. وخلال أطوار الندوة، اهتم المحور الأول بتحديات وآفاق التحول الرقمي والتعليم الأسري، حيث اعتبر عبد الرحمان لحلو الاستشاري في علوم التربية، أن "التحول الرقمي الذي فرضته جائحة كورونا لم يكن متوقعا أو منتظرا لكنه ينطوي على إيجابيات وسلبيات". وأضاف في مداخلته، أن "اللخبطة الكبيرة التي وقعت في البداية تم تجاوزها سريعا من خلال التكيف والتفاعل السريع لمجموعة عريضة من المتعلمين مع الأنماط الجديدة من التعليم عن بعد"، مؤكدا أن "التعليم عن بعد يقدم جوبا عن ثغرة مخزية ومفسدة للعملية التعليمية موجودة وهي المتعلقة باستقلالية المتعلم. وفي محور آخر حول "عمل المرأة عن بعد والتوقعات الإيجابية على الأسرة والمجتمع"، قالت صباح الشرايبي بنونة رئيسة الجمعية المغربية لتشجيع المقاولة النسائية (EPSODE) إن العمل عن بعد طرح مشكلة داخل الأسرة التي وجدت نفسها أمام تحدي تدبير المشاكل التي طرحها التعايش لمدة طويلة بين أفراد كانوا يتواجدون في فضاءات معينة وكان يجمعهم البيت في الليل. وأضافت أن "الأزمة اقتصادية التي ستخلفها الجائحة ستكون أكثر ثقلا على المرأة خلال العشر سنوات المقبلة، وستكون بحجم الأزمة التي عرفتها الإنسانية قبل 150 عاما وعامي 1929 و2008. ومن جهتها، قالت دينا الكعبي، باحثة في مركز الدوحة الدولي للأسرة، إن "تجربة العمل عن بعد لها إيجابيات وحسنات سواء بالنسبة للموظف أو صاحب العمل من حيث استدامة الأعمال وضمان استمرارية الإنتاج وتقليل النفقات وزيادة الرغبة الوظيفية وتعزيز العلاقات الأسرية من خلال تحسين التوازن بين الأسرة والعمل. النقاش القانوني كان حاضرا بقوة في الندوة، حيث اعتبرت زينب الرميد المحامية بهيئة البيضاء، أن "العمل عن بعد مستجد واقعي للعلاقة الشغلية بين المشغل والأجير، لكنه يفرض على المشغل توفير آليات العمل عن بعد كما يترتب عنه ضرورة مراجعة التأمين عن حوادث الشغل ليشمل العمل عن بعد". وأوضحت أن "الحصيلة القانونية للعمل عن بعد تظل سلبية بالنسبة للأجراء في غياب الإطار القانوني الذي يؤطر توقيت العمل والحقوق الفردية والجماعية من قبيل الممارسة النقابية وفي المحور الثالث حول "صحة الأسرة القروية في ظل مشروع الصحة المتحركة والعيادة الرقمية"، دعت نعيمة سموح الأستاذة بكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، إلى "إحداث وحدة مركزية متخصصة في الصحة الرقمية (الصحة عن بعد) توفر الرعاية الصحية الكاملة، من أجل ضمان الولوج العادل للعلاج خاصة لساكنة العالم القروي". وقالت سموح وهي رئيس قسم الولادة بمستشفى ابن رشد، أن "الصحة الرقمية ستحقق إقلاعا للقطاع الصحي وستخف الضغط على المستشفيات وستوفر الرعاية الصحية في المناطق القروية البعيدة عن المركز". من جهتها، قالت حنان الإدريسي طبيبة متخصصة في الإدمان، أن "جائحة كورونا أظهرت أهمية الصحة عن بعد يزكيها إطلاق وزارة الصحة خدمات صحية تطوعية عن بعد"، مؤكدة أن من إيجابيات الصحة عن بعد "التخفيف من خصاص الموارد البشرية وتقليل الولوج إلى المستشفيات للعلاج وتسهيل الولوج للخدمات الصحية". وفي المحور الأخير حول "التحول الرقمي وتحديات الأبعاد الإنسانية في العلاقات الأسرية الاجتماعية"، أوضحت خلود السباعي أستاذة علم النفس بجامعة محمد الخامس أن " هناك نقاطا يتعين الأخذ بها لحماية العلاقات الأسرية من السقوط في ما لا يحمد عقباه، تتمثل أساسا في اعتماد العالم الرقمي كوسيلة أساسية للتعليم، والتنبيه إلى أن العالم الرقمي مغلق ومفتوح في نفس الوقت، وخلق التوازن بين التطور التكنولوجي والرقمي الذي لا غنى عنه والعلاقات الإنسانية. ومن جانبه، استعرض محسن بنزاكور، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة الجديدة، أن "عدم احتراف الجمهور لوسائل التواصل الاجتماعي ينتج عنه تحديات خطيرة تتمثل في اتساع دائرة الحرية وضعف المسؤولية الأخلاقية وانخفاض الوعي مما يجهل هذه الوسائل سلاحا خطيرا قد يثير الفتن والاضطرابات ويعمل على تدمير المجتمع". واستدرك: "لكن زيادة الوعي بها من شأنه أن يجعل تلك الوسائل أداة للبناء والتطوير في مختلف المجالات". أما فريد شكري الأستاذ بكلية الآداب المحمدية والمشرف العلمي للمركز، فاعتبر أن "التحول الرقمي هو ثروة وثورة في الآن ذاته"، مؤكدا أنه ثروة معرفية وفكرية وثورة على مستوى القيم والمرجعيات حيث أن "سقوط المرجعية الحاكمة للأسرة والمجتمع يجعل الوسائل الرقمية مهددة للأمن الأسري والاجتماعي والقيمي". وحذر شكري من "تحول العالم الافتراضي إلى عالم حقيقي وتحول الحقيقي إلى الافتراضي لأن ذلك يمثل خطرا على تماسك الأسرة" مشددا على أن وظيفة العمل الرقمي لا تخرج عن ثلاث: تأطير معرفي وتأثير قيمي وتغيير سلوكي وخصصت الندوة المنظمة عبر تقنية التواصل لمدارسة تحديات الانتقال الرقمي وموقع الأسرة من هذا التحول، ومناقشة السبل لجعل الرقمنة كأداة لتجويد العلاقات والروابط الأسرية والاجتماعية عوض تعميق انفصال إنساني بين العالم الحقيقي والعالم الافتراضي. يذكر أن مركز الدراسات الأسرية والبحث في القيم والقانون تأسس عام 2012 من أجل تقديم خبرات ودراسات نوعية تساهم في بناء منظومة معرفية وكفاءات تعنى بالمجال الأسري انطلاقا من القيم الحضارية الإنسانية المواكبة لتطورات الأسرة والمجتمع، ويضطلع المركز بمهام رصد الواقع والتحولات المتسارعة في المجتمع المغربي، وتأثيرها على سيرورة الأسرة وإنتاجها واستقرارها، وتداخل الهويات وتأثير عوامل الانفتاح الاختياري والقسري على مسار الأسرة في مجال القوانين والمواثيق.