فمن خلال التصويت لانتخاب أعضاء مجالس الجماعات وأعضاء مجالس الجهات، يساهم المواطن في بناء لبنة مهمة ضمن صرح الجهوية المتقدمة، الورش الضخم الذي يراهن عليه المغرب من أجل تحسين كافة المؤشرات التنموية، من خلال اختيار ممثلين عن المجالس، التي ستناط بها مهام تسيير الجهات، في انتخابات هي الأولى من نوعها بعد المصادقة على دستور 2011. وفي هذا الصدد، يعتبر أستاذ القانون العام بكلية الحقوق في مراكش، إدريس لكريني، أن تجدد النخب المحلية يمكن أن يسهم في دعم أداء مختلف المجالس التمثيلية، وسيؤدي حتما إلى إخراج الأحزاب من جمودها وانغلاقها وإحداث مصالحة بين المواطن والشأن السياسي والانتخابي. ومن شأن تجدد النخب، أيضا، يضيف الأستاذ الجامعي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن يرسخ لدى المواطن القناعة بأهمية الانخراط في الأحزاب، معتبرا أن ربح الخيار الجهوي برهاناته المختلفة لا يمكن أن يتحقق إلا بنخب على قدر من الكفاءة والتمثيلية الحقيقية. وفي هذا السياق، أشار أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال، الطاهر البحبوحي، إلى أن مجريات الحملة الانتخابية لاقتراع 4 شتنبر الخاص بالانتخابات الجماعية والجهوية تؤكد في المجمل الأهمية التي توليها كافة الأحزاب السياسية لهذا الاستحقاق وللرهانات المرتبطة به على المستويين المحلي والجهوي. وسجل الباحث، في حديث مماثل أن ثمة "إدراكا" لدى الهيئات السياسية لأهمية السياق الذي يجرى فيه هذا الاستحقاق، الأول من نوعه في ظل الدستور الجديد للمملكة، "وهو الأمر الذي تعكسه الترشيحات المهمة ونسب تغطية الدوائر الانتخابية للعديد من الهيئات السياسية"، معتبرا أن الأرضيات الانتخابية التي تقترحها الأحزاب السياسية على الهيئة الناخبة، لا تخلو من تقاطعات وقواسم مشتركة تمليها طبيعة الاستحقاق والرهانات المرتبطة بتدبير الشأن المحلي وتقديم الخدمات المرجوة للموطنين. غير أن تدبير الشأن المحلي يتطلب صياغة تصورات واضحة ومنهجية، تسعى لتحقيق هدف القرب من انشغالات المواطن، وبالتالي تحقيق انتظاراته في ما يتعلق بتطوير البنيات التحتية الأساسية وخدمات القرب. وفي هذا الصدد، يشدد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، محمد الغالي، على ضرورة تعزز البرامج السياسية للأحزاب ببرامج عمل هادفة وواضحة وفعالة، وفي حال العكس، فإن ذلك يجعلها لا تتجاوز سقف برامج لإعلان النوايا. ويرى الأستاذ الجامعي أنه من أجل ضمان النجاعة والفعالية المطلوبة في البرنامج ليشكل خريطة طريق لتحقيق التنمية، يتعين أن يخضع ل"قواعد الهندسة الواقعية"، والتي تكمن في برامج عمل حقيقية وواضحة قادرة على التوفيق بين سقف المطالب والقدرة على توفير وتعبئة الموارد المالية الكافية. من جهته، اعتبر الأستاذ الباحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، عبد الرزاق الهيري، أن الانتخابات الجماعية والجهوية لرابع شتنبر تشكل من جديد مناسبة لإطلاق النقاش حول آليات ومرتكزات إعداد السياسات العمومية التي ما هي في العمق إلا البرامج التنموية التي تهم مختلف القطاعات والمجالات. وعلى امتداد الفترة الزمنية المخصصة للحملة الانتخابية لكافة أطياف المشهد الحزبي بالمغرب، تباينت التوجهات التي نهجتها الأحزاب السياسية، سواء على مستوى شكل أو مضمون الخطاب السياسي. وفي هذا الصدد، يعتبر أستاذ العلوم السياسية، سعيد خمري، أن الحملة الانتخابية الممهدة لاقتراع رابع شتنبر الخاص بالانتخابات المحلية والجهوية سجلت تفاوتا بين خطاب "مواصلة الإصلاح" بالنسبة للأحزاب التي ساهمت في تسيير المجالس المحلية وخطاب "النقد وتقديم البدائل" الذي تتسلح به الأحزاب التي تموقعت في المعارضة، مميزا بين طريقة تقليدية في التواصل تتمثل في سرد مفاصل البرنامج الانتخابي المقترح بالصيغة الكلاسيكية المعتادة، وأخرى مبتكرة التجأت إليها بعض الأحزاب واعتمدت فيها بالأساس على أسلوب "الفيلم المؤسساتي" و"التوثيقي"، الذي يضفي حركية على العرض الانتخابي ويوظف مؤثرات وتقنيات حديثة. كما سجل لجوء الأحزاب بكثافة إلى مكاتب وشركات خاصة بالتواصل والتسويق السياسي والانتخابي، سعيا لبلورة "برامج انتخابية أدق والتماس طرق أنجع لتدبير الحملة الانتخابية" فضلا عن "التهافت" على وسائل التواصل الاجتماعي كواجهة للدعاية الانتخابية. وشكل التعاون الدولي الحلقة الأضعف ضمن البرامج الانتخابية التي أعدتها الأحزاب المشاركة في الانتخابات الجهوية والجماعية ل4 شتنبر، إذ أن العديد من التشكيلات وضعت التعاون الدولي في مراتب ثانوية، ما ينم عن عدم إدراكها للدور الرئيسي لهذا التعاون في بلورة أي مقاربة شاملة للتنمية المحلية. وبحسب رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، محمد بنحمو، فإن هذا الوضع ناجم عن طبيعة الرهانات السياسية لانتخابات رابع شتنبر، إذ يوضح في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن المرشحين منشغلون أكثر بالقضايا ذات الطابع المحلي وبالاستجابة لتطلعات وحاجيات ذات طبيعة راهنية بالنسبة للناخب، ما يحجب الرؤية عن قضايا أخرى مثل التعاون الدولي الذي يكتسي أهمية كبرى على اعتبار أنه يمكن أن يؤدي إلى الرفع من الوسائل المالية للجماعات والجهات والاستفادة من الخبرة الضرورية في قيادة العديد من مشاريع التنمية المحلية، فضلا عن أنه يمكن من الانخراط في شبكات دولية، ما يساهم في الدفاع عن المصالح الوطنية. وفي إطار الحرص على نزاهة العملية الانتخابية، شكل قرار وزارة الداخلية القاضي بإلغاء العمل ببطاقة الناخب والإشعار الموجه للناخبين بمناسبة الانتخابات الجماعية والجهوية والتصويت يوم الاقتراع اعتمادا على بطاقة التعريف الوطنية وحدها، خطوة مهمة نحو إرساء لبنات شفافية العمليات الانتخابية وسلامتها. وفي هذا الصدد، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد العزيز قراقي، إن هذا القرار، أتى في أوانه لاعتبارات متعددة، تتمثل في أن نزاهة العملية الانتخابية باتت مطلبا استراتيجيا، مشيرا إلى أن الانتخابات هي الآلية المثلى لتعزيز الشرعية الديمقراطية، لذلك كان من الضروري إبعاد كل الشوائب ذات الصلة التي كانت تؤثر على عمليات التصويت في السابق. تحمل العملية الانتخابية لاستحقاقات رابع شتنبر في طياتها، عددا من جوانب التجديد المرتبطة بتنزيل مقتضيات دستور 2011، ما يجعل المساهمة في هذا المسار عاملا حاسما في تفعيل مبدأ الجهوية المتقدمة وجعلها آلية للارتقاء بتدبير الشأن المحلي، خدمة للمواطن وتحقيقا للتنمية. (و م ع)