إن عيد العرش علامة بارزة في تاريخ المملكة المغربية، ومحطة مهمة من بين المحطات التي يقف فيها العالم مشدوها أمام التناغم منقطع النظير، والحب المتبادل بين شعب المملكة المغربية والجالس على عرشها، إذ يشكل فرصة لتجديد الولاء الدائم والبيعة الوثقى والتلاحم العميق بين الشعب والعرش. إن عيد العرش علامة مميزة في مسار المغرب فهو مناسبة لاستحضار الإنجازات والأوراش التنموية المفتوحة من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، ومحطة للوقوف عند ما بلغه الإبداع المغربي بقيادة ملكه الباني وما يتطلع إليه، ورفع سقف التحديات. إن المغرب وهو يخلد الذكرى 16 لتربع جلالة الملك على عرش أسلافه المنعمين يؤكد للعالم أنه يعيش، تحت القيادة الرشيدة لعاهله، عصره، ويصنع تاريخه بكل إصرار، فقد أبى جلالته إلا أن يشرك شعبه في صناعة مغرب الحداثة والديمقراطية، عبر المشاركة الفعالة في التحولات التي شهدتها المملكة في الألفية الثالثة، انطلاقا من تحديث مدونة الأسرة، والتصويت على دستور متقدم يوم الجمعة فاتح يوليوز 2011، والانتخابات، وما تلاها من محطات مهمة. بين 30 يوليوز 1999 و30 يوليوز 2015 محطات مهمة وملاحم جعلت المغرب فخورا بما أنجز على أرض الواقع، ما أهل المملكة لترتقي بفضل رأس مالها اللامادي، إلى مكانة متميزة، وأهلها أيضا لتكون في مصاف الدول الصاعدة، التي تقدم صورة مشرقة ومشرفة عن البلدان التي ترفع التحدي وتمضي قدما نحو أهدافها غير آبهة بالمناخ العالمي العام المعاكس. وتبقى المؤسسة الملكية مبعث فخر واعتزاز للمغاربة قاطبة لما تضطلع به، لأنها تمضي بالمغرب بكل عزم وحزم وثبات، نحو التقدم عبر وقوفها سدا منيعا أمام مسببات كل أنواع التخلف في الأوساط الاجتماعية، سائرة، بكل تحد ومسؤولية، على نهج بناء وتشييد المنشآت الكبرى الاقتصادية والصناعية والفلاحية والطاقية لزرع بذور الأمل على أرض المغرب لصالح شعبه الناهض، وأجياله الصاعدة التي تجعل نصب عينها العمل الدؤوب والإخلاص للثوابت التاريخية المقدسة، وتقف صفا واحدا من وراء العرش العلوي أمام كل التحديات السافلة والخروج عن الطريق السوي المستقيم. وتتجسد الدلالات الرمزية الكبرى التي يشكلها الاحتفال بعيد العرش في تاريخ المغرب الحديث، في تجديد البيعة المعهودة بين العرش والشعب، وفي الاستمرارية التاريخية للنظام الملكي، وفي الترابط بين القمة والقاعدة لبناء المغرب وإعلاء شأنه بين الأمم في كل المجالات. ويتابع جلالة الملك حفظه الله مسيرة بناء وتجديد المغرب الحديث، بما يبذله من جهود هادفة إلى تحقيق أماني شعبه التواق إلى نهضة واسعة وتنمية شاملة وحياة رغيدة، موليا جلالته عنايته الخاصة لإرساء دعائم دولة الحق والقانون ولتنمية بلاده تنمية بشرية مستدامة، تربويا وصحيا واجتماعيا وثقافيا، ولتعزيز البنيات التحتية للوطن بتشييد المنشآت التجهيزية الكبرى من موانئ ضخمة وطرق سيارة وسدود نافعة وتجهيزات فلاحية عظمى لتحقيق "المغرب الأخضر" المثمر الزاهر، حيث يضع جلالته الأسس الكفيلة لوضع المغرب الجديد على سكة الحداثة والنماء. وقال جلالة الملك محمد السادس، في أول خطاب للعرش، "إننا نطمح إلى أن يسير المغرب في عهدنا قدما على طريق التطور والحداثة وينغمر في خضم الألفية الثالثة مسلحا بنظرة تتطلع لآفاق المستقبل في تعايش مع الغير وتفاهم مع الآخر محافظا على خصوصيته وهويته دون انكماش على الذات، وفي كنف أصالة متجددة وفي ظل معاصرة ملتزمة بقيمنا المقدسة". بروح وثابة صمم جلالة الملك محمد السادس، منذ اعتلائه العرش، على مواجهة المشاكل التي تعترض سبيل تحقيق التنمية الشاملة والتجديد المستمر، مع الحرص على استثمار الأواصر الوطيدة التي تجمع بين العرش والشعب في عملية التجديد وبناء المستقبل، وفي ذلك قال "... نود أن نؤكد مدى الأواصر العميقة التي تربطنا بك متجلية في تشبثك بأهداب عرشنا وتعلقك بشخصنا في حب متبادل قوي، وإنا نحثك على بذل المزيد من الجهود في حرص على الوحدة والإجماع وتمسك بالمقومات ونظر بعيد إلى المستقبل، إننا إذا سرنا على هذا النهج حققنا ما نطمح إليه لبلدنا العزيز...". ويبرز حرص جلالة الملك على استثمار وتنمية الأواصر الوطيدة التي تجمع بين العرش والشعب من خلال العناية الفائقة التي يوليها جلالته للناحية الاجتماعية لرعاياه منذ أن كان وليا للعهد، وعمل جلالته حين تولى عرش أسلافه المنعمين على تفعيل وتحريك مؤسسة محمد الخامس للتضامن، التي كان قد أنشأها جلالة المغفور له الحسن الثاني، طيب الله ثراه، فكان له الباع الطويل فيما تحققه في هذا المضمار من نتائج إيجابية يشمل نفعها الفئات المحرومة والشرائح الاجتماعية المعوزة وكل من هم في وضعية صعبة فضلا عن إغاثة المنكوبين ومساعدة المعوقين، الذين أصبحوا متعلقين بجلالته في عناية خاصة يوليها لهم في جميع خطبه السامية ويتبعها بالتنفيذ العملي بما يشيده من مؤسسات خيرية عديدة وتفقد أحوالها باستمرار في كل مناسبة سائحة. 16 عاما مدة قصيرة في تاريخ أي بلد وأي أمة، لكنها في الحالة المغربية تعادل عقودا متعددة، بفضل العبقرية الملكية، وروح البناء والتحدي التي زرعها في شعبه، إذ انخرط المغربمنذ اعتلاء صاحب الجلالة عرش أسلافه المنعمين، في تنفيذ مشاريع هيكلية كبرى، في إطار مقاربة متجددة تعزز المجتمع الوطني، وتحرص على توحيد الجهود بهدف تلبية طموحات المواطنين لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز الاندماج والحفاظ على المكتسبات الديمقراطية. وتقدم المقاربة الملكيةبفضل الرؤية المتعددة الأبعاد، دعما لمسلسلات الانتقال الديمقراطي، والتنمية المستدامة، وحقوق الإنسان، والكرامة الإنسانية، مرورا بالأمن وحفظ السلام، ووصولا إلى التعاون جنوب-جنوب وحوار الحضارات. وهي أهداف كثيرة حظيت مبكرا بالاهتمام الخاص لجلالة الملك، الذي عمل من أجل تحقيقها على نهج قيادة ملكية متبصرة تقوم على رؤية متعددة الأبعاد على الصعيد الدولي، يدعمها الالتزام التام لكل الهيئات خدمة للمصالح الاستراتيجية للأمة. جعلت هذه الرؤية الملكية الخلاقة المغرب اليوم شريكا لا محيد عنه، محترما وبصوت مسموع بين الأمم، كما يدل على ذلك الوضع المتقدم الذي أضحى يتمتع به في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي، والحوار الاستراتيجي الذي انطلق في شتنبر 2012 مع الولاياتالمتحدة، واتفاقية التبادل الحر التي تجمع بين البلدين منذ سنة 2006، وتعيين المغرب حليفا استراتيجيا لواشنطن من خارج منظمة حلف شمال الأطلسي، علاوة على المكانة المتميزة التي تحتلها المملكة بالساحتين الإفريقية والعربية الإسلامية، وكذا جلالة الملك باعتباره السباق إلى ضخ نفس مؤسس للتنمية المتضامنة بإفريقيا، والمدافع القوي عن حقوق الفلسطينيين، من خلال رئاسته للجنة القدس. وتعطي هذه المقاربة الملكية للدبلوماسية المغربية الاستمرارية والانسجام التام القائم على قيم السلام وحسن الجوار والتضامن في إطار رؤية جماعية ترتكز على التزام جلالته بتعزيز الحوار بين الحضارات ودعم السلام والحل السلمي للنزاعات. وعلى المستوى الدولي، تركز الدبلوماسية المغربية، تحت قيادة جلالة الملك، على ثلاث قضايا رئيسية تتمثل في حفظ السلام وتنمية التعاون، وتعزيز الدفاع عن القيم الكونية، وهو النهج المستوحى من الاستثناء المغربي الغني بحضارة عريقة للانفتاح والتسامح وقيم الوسطية. وكلها مظاهر تم التعبير عنها خلال الجولة الملكية الأخيرة بإفريقيا، التي كان الهدف الرئيسي منها تعزيز الشراكات المربحة للجميع مع بلدان القارة، وتعزيز التعاون جنوب - جنوب، الذي أطلقه جلالة الملك. وينبع هذا الالتزام الراسخ، الذي يتميز بعراقته واستعداده دوما لخدمة القضايا العادلة والانشغالات الكبرى للقارة، من المكانة الروحية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، بصفته أميرا للمؤمنين، وسبط النبي، إضافة إلى كثير من الفضائل التي تعطي مكانة خاصة لجلالة الملك في قلوب سكان المنطقة. ولاحظ العديد من المراقبين بواشنطن أن "الأمر يتعلق برؤية تحمل الأمل لتحرير المبادرات وإحداث تغيير بإفريقيا"، موضحين أن هذه الرؤية الملكية "تدحض الأسطورة الاستعمارية التي تواصل الاعتقاد بأن إفريقيا ما تزال رهينة ماضيها الاستعماري، وبالتالي، فإن القارة بحاجة إلى المساعدة أكثر منها إلى الفرص" التنموية. وأبرزوا أن المقاربة الملكية تمد اليد لهذه الفرص، في وقت لا يرى فيه الآخرون سوى الأخطار والتهديدات، مستدلا على ذلك ب"الاستثمارات الكبرى المباشرة للمغرب في غرب إفريقيا، خاصة في قطاعات البنوك والاتصالات والأسمدة". وأشادت العديد من وسائل الإعلام وصناع الرأي الأمريكي بمختلف الجولات التي يقوم بها جلالة الملك بالعديد من البلدان الإفريقية، منوهين بالتزام جلالته، المتجذر في التاريخ العريق للمغرب، وكذا بنجاعة المقاربة الملكية الرامية إلى إقامة شراكات للتنمية، وتحقيق التقدم بشكل متضامن مع إفريقيا. وتأتي الرؤية الملكية، التي ترتكز على الاعتدال وتعزيز السلم بالقارة لتشارك في مقاربة استراتيجية تقوم على ثلاثة مكونات رئيسية، تتمثل في دعم مسلسلات الانتقال الديمقراطي، والتنمية البشرية واحترام الاختلافات والخصوصيات الثقافية. وبناء على هذه المبادئ الثلاثة الرئيسية والمتكاملة، يضع المغرب خبرته ومعرفته رهن إشارة البلدان الشقيقة والصديقة بالقارة، من خلال الاستفادة من امتداده الاقتصادي بالقارة والشراكات من أجل التنمية المتضامنة والمربحة للجميع. وبخصوص القضية الفلسطينية، الملف الآخر الذي يحظى باهتمام جلالة الملك، فقد أشاد صناع الرأي وخبراء أمريكيون يتمتعون بصيت دولي، بصاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، الذي يعد "مدافعا قويا عن حقوق الفلسطينيين" و"صوت الحكمة، الذي لم يذخر جهدا في مضاعفة المبادرات لمد جسور التوافق والتقارب بين طرفي النزاع الإسرائيلي الفلسطيني". وأكد يوناه ألكسندر، العضو البارز بمجموعة التفكير الأمريكية، بوتوماكإنستيتيوت، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن "الرئيس الأمريكي باراك أوباما اعترف بالدور الريادي والمتبصر لجلالة الملك، وبالدور المركزي الذي يضطلع به على الصعيد الدولي، والمصداقية التي يتمتع بها لدى طرفي النزاع". وقال هذا الخبير الأمريكي إن جلالة الملك "يمثل نموذجا استثنائيا بالنظر إلى رؤيته التي ترتكز على مبادئ الاعتدال والاهتمام بالآخر"، مضيفا أن الأمر يتعلق هنا "بصوت فريد في العالم العربي الإسلامي يعمل على إرساء قواعد التفاهم والحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين". وجدد ألكسندر التأكيد على أن "جلالة الملك، بصفته رئيسا للجنة القدس، يتمتع بمصداقية كبيرة لدى أطراف النزاع، وهو ما سيكون له تأثير مؤكد في الجهود الرامية إلى تعزيز التوافق". أما جيمس جونز، المستشار السابق للرئيس أوباما في الأمن القومي، فقد أكد أن "المغرب الذي يتماشى تماما مع الرؤية الأمريكية للمنطقة، قوي بمؤهلاته، ومن بينها المكانة الدولية لجلالة الملك والاحترام الذي يحظى به لدى مختلف الأطراف في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بصفته رئيسا للجنة القدس، والتي تعتبر تحالفا واسعا يضم البلدان العربية والإسلامية، التي عبر من خلالها جلالة الملك على الدوام عن دفاعه المستميت عن الحقوق المشروعة للفلسطينيين". وفي إطار هذه الرؤية المشتركة ذاتها، أعرب جلالة الملك، في برقية التهنئة التي بعثها إلى رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، باراك أوباما، بمناسبة عيد استقلال بلاده (4 يوليوز)، عن "التزام المغرب الثابت بمواصلة التنسيق والعمل مع الولاياتالمتحدةالأمريكية على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف، لإيجاد الحلول الناجعة قصد مواجهة الإشكاليات الدولية الراهنة، والإسهام في إيجاد حلول سلمية لمختلف النزاعات وبؤر التوتر في العالم، وكذا في الجهود الدولية للتصدي لكافة أشكال التطرف والعنف والإرهاب، ونصرة القيم الإنسانية المثلى للديمقراطية والحرية والسلم، والحوار والتعايش بين مختلف الحضارات والثقافات".