عاش الجمهور المراكشي وعشاق الموسيقى الروحية العريقة، على مدى خمسة أيام، لحظات مميزة من السماع والمديح والأنغام الصوفية، في حفلات تتغنى بقيم الإسلام والمدائح النبوية في صيغة أذكار وأشعار صوفية، بعدد من المعالم الأثرية والتاريخية للمدينة، أحيتها مجموعة أهل دلائل الخيرات بمراكش، والمجموعة الوطنية للسماع والمديح، والمجموعة العباسية للسماع والمديح بمراكش، والمجموعة السماعية للزاوية الشرقاوية، ومجموعة الفتح للمديح والسماع، ومجموعة تمصلوحت للسماع والمديح، والمجموعة الصوتية النسائية البوسنية "ألكرو"، ومجموعة ابن العريف، برئاسة المقدم إدريس الصوابني. وألهبت المجموعة التونسية "النجاح" للسماع الصوفي، برئاسة الشيخ حاتم الفرشيشي، حماس الجمهور وعشاق هذا اللون الموسيقي، بوصلات فن السماع والإنشاد الروحي. ونالت المقاطع الموسيقية للمجموعة استحسان الجمهور، الذي استمتع بالطرب الأصيل واللحن الجميل وأفضل المقاطع الموسيقية والإنشادية، التي تعبر عن روح المحبة والتسامح والسلام، مع فقرات متنوعة من الابتهالات والأمداح النبوية، قدمتها مجموعة ابن العريف للسماع والمديح التي حافظت على الطابع المغربي في أداء السماع دون أن تدخل عليه الطابع الفارسي والأندلسي. وتضمن برنامج هذه التظاهرة الثقافية والفنية مجالس سماع، ومحاضرات، وورشات لتلقين فن الخط العربي والنسيج، ومعرض فنون الكتاب والخط العربي، ومعرضا لإصدارات دار النشر "عين الحياة"، إضافة إلى ندوات فكرية، نشطها مهتمون وباحثون في مجال التصوف، حول "روحانية الإسلام: طرق السماحة والاعتدال والمحبة". بالموازاة مع الندوات العلمية والمجالس السماعية لهذه الدورة، نظم محترف للنسيج الأصيل تحت إشراف المعلمة وردة (ميراي) لوبوي، كما أقيمت دورة تكوينية في تلقين الخط العربي تحت إشراف الخطاط المغربي عبد الغني ويدة، والخطاطة الإسبانية نورية كارسيا ماسيب. وحسب جعفر الكنسوسي، مدير لقاءات سماع مراكش، فإن الدورة الخامسة من سماع مراكش تتويج لما جرى خلال الدورات المنصرمة، وتقعيد لمراسيم هذه الموسمية، مؤكدا أن سماع مراكش أصبح من اللقاءات الثقافية للمدينة، وتبنته الجهات المنتخبة، ومؤسسات رسمية. وأضاف الكنسوسي، رئيس جمعية منية مراكش، في تصريح ل"المغربية"، أن الهدف من تنظيم هده التظاهرة الفنية هو خلق جسر التواصل الإنساني والكوني، عبر الأنغام الصوفية وجعل مراكش عاصمة لهذا الفن الروحاني الراقي، وإعادة الاعتبار إلى الغنى الروحي والثقافي للمغرب، وإعادة اكتشاف الصوفية وتذوقها والمحافظة عليها، لإيصال رسالة العرفان والحب التي تحتويها إلى العالم الذي بات يفتقد أكثر القيم الروحية والدينية. من جانبه، قال مراد بدوي، المدير الفني لسماع مراكش، إن ما ميز هذه الدورة هو مشاركة فرق موسيقية للسماع والموسيقى الصوفية من تونس والبوسنة. واعتبر بدوي أن الموسيقى الصوفية والسماع الصوفي شفاء للقلوب، داعيا الى ضرورة الاهتمام بهذا النوع الموسيقي والمحافظة عليه، باعتباره إرثا في عدد من الزوايا. وقال محمد أيت لعميم، ناقد مهتم بالتراث وعضو اللجنة التنظيمية لسماع مراكش، إن دورة هذه السنة عرفت نوعا من التركيز على مسألة مهمة، هي الاحتفاء بالمخطوطات وبكل ما له صلة بصناعة الكتاب. وأضاف أن نقطة الجذب في برنامج هذه الدورة، هي حضور الكتاب، بالاحتفاء بالكتبيين، في إشارة إلى إعادة إحياء صناعة الكتاب، التي كانت نشيطة جدا منذ زمن الموحدين، والاهتمام بمخطوطات تومبوكتو، من خلال الاحتفاء بأحد رواد الثقافة المالية، الذي كان بمراكش، وهو أحمد بابا التومبوكتي.