يتمحور السرد حول مشكل أستاذ فرنسي لمادة الفلسفة مع تلاميذه في ثانوية بمدينة مراكش، في أوائل سبعينيات القرن الماضي. في منتصف السنة الدراسية، انتبه الأستاذ إلى أن تلاميذ قسمه يرتكبون أخطاء كثيرة في ما يمليه عليهم من ملخصات دروس الفلسفة، فقرر أن يتخلى عن الإملاء، ويكتبها على السبورة كي ينقلوها بدون أخطاء، رغم ما في الأمر من جهد إضافي من طرفه، ومن هدر للوقت. إلا أن هذه الطريقة لم تأت بنتيجة، بل تعقد المشكل أكثر، إذ أصبح ما ينقله التلاميذ على دفاترهم لا يتطابق ما يسطره على السبورة، بما يهدم الدرس الفلسفي من أساسه. استنتج الأستاذ وجود خلل في بصر كل تلاميذ القسم، وأخبرهم بضرورة حمل نظارات طبية لتصحيح البصر، إن هم أرادوا اكتساب القدرة على التعامل مع دروس الفلسفة، ولم يبق أمامه إلى طرح الموضوع مع مدير الثانوية، خاصة أن موعد امتحان الباكالوريا بات على الأبواب. أقنع الأستاذ المدير بأن تلاميذ قسم الباكالوريا 3 يعانون قِصر النظر، وأن الأمر يتطلب حلا عاجلا لإنقاذ الموقف قبل فوات الأوان. هنا، تذكر رئيس المؤسسة أن لديه عددا من النظارات الطبية، كانت جمعية آباء التلاميذ اقتنتها في السنة الماضية، ولم تستعمل، فقرر توزيعها على تلاميذ ذلك القسم. لكن بدأت مشاكل من مستوى آخر، إذ فوجئ المدير في اليوم الموالي بحضور والدي تلميذين إلى المؤسسة، يحتجان على اتهام ابنيهما بضعف البصر، وتزويدهما بنظارة طبية عشوائية. وجد المدير نفسه في ورطة، فاستعان بأستاذ الفلسفة، الذي أقنع صديقا فرنسيا له يعمل مبصاريا بالحضور إلى المؤسسة، وقياس بصر التلاميذ، وتسليم المدير شهادة بأنهم في حاجة لنظارات طبية. لكن هذا الإجراء أدخل المدير في دوامة أخرى، إذ حضر إلى المؤسسة آباء، بينهم طبيب، سخر من شهادة المبصاري، وهدد برفع الأمر إلى نائب التربية الوطنية، فما كان للمدير إلا أن يستنجد برئيس جمعية آباء التلاميذ، وهو صديق له، الذي عمل على التهدئة، وانتهت الأزمة بسحب النظارات الطبية من التلاميذ، عشية تاريخ امتحان الباكالوريا. انتهت القصة بنهاية الأزمة. بشكل غير مباشر، يبرز السارد، وهو أستاذ متقاعد، عددا من القضايا التربوية والتنظيمية في التعليم الثانوي بالمغرب، كما يبدو أنه عايشها وهو تلميذ في مطلع سبعينيات القرن الماضي، عندما كان مدرسو كل المواد، باستثناء العربية، فرنسيين، في إطار التعاون التقني، قبل الشروع في تعريب المواد الأدبية في منتصف السبعينيات، ثم امتد التعريب إلى المواد العلمية بعد سنوات، وما صاحب ذلك من جدل، ما زال قائما إلى اليوم. كما يطرح الكاتب مشاكل الكفاءة والنزاهة لدى الأطر الإدارية والتعليمية في تلك الحقبة من تاريخ المنظومة التربوية بالمغرب. أما ما يمكن للقارئ المتأني أن يلتقطه من السرد، فيحيل على إشكالية الدرس الفلسفي في المدرسة المغربية، من خلال الربط والتوازي بين سلامة البصر، المطلوبة لدى تلاميذ الباكالوريا، والقدرة على اكتساب مهارة التحليل والتركيب والتفكير النقدي عبر مادة الفلسفة، خصوصا بعدما تعربت، بفضل مجهود المفكر المغربي الراحل، محمد عابد الجابري، مع كتاب "دروس الفلسفة". ففي حوار مع والد أحد التلاميذ، يقول الكاتب، على لسان المدير "إن النظارات ستساعد ابنك وزملاءه على النظر جيدا إلى دروسه، وإلى دفاتره، وإلى ما حوله... فشجعه على حملها بانتظام". تقف الحكاية عند إخراج المدير لنفسه من ورطة النظارات، فيترك الكاتب باب الاستنتاج مفتوحا أمام القارئ، في اتجاه استحضار "محنة الفلسفة"، عندما دفع قِصر النظر السياسي والفكري المسؤولين عن التعليم آنذاك إلى تهميشها والتضييق عليها، في الثانوي كما في التعليم العالي، قبل الانتباه إلى الخطأ، والسعي إلى إعادة الاعتبار للدرس الفلسفي، بعد التفجيرات الإرهابية بالدارالبيضاء، في 16 ماي 2003.