يتعلق الأمر بفيلمين قصيرين هما "وسيط" لمولاي الطيب بوحنانة، و"الرحلة في صندوق" لأمين صابر، وفيلمين طويلين الأول روائي من صنف السيرة الذاتية وهو الفيلم الأول في مسيرة مخرجه يوسف بريطل، الذي بدا مسيرته السينمائية بإخراج العديد من الأفلام القصيرة، والثاني فيلم وثائقي للمخرج طارق الإدريسي بعنوان"الريف 58 / 59". تميزت الأفلام الأربعة المذكورة بالتنوع في المواضيع واختلاف التقنيات المستعملة في التصوير. 'الشعيبة' سفر سينمائي إلى عوالم أيقونة الفن المغربي بطريقة السهل الممتنع استطاع المخرج المغربي الشاب يوسف بريطل السفر بالمشاهد إلى عوالم الفنانة التشكيلية المغربية الراحلة الشعيبية، في فيلم أنصف المرأة المغربية، التي ظلت حبيسة كليشيهات ومشاهد نمطية قدمتها السينما المغربية للمتلقي ك"عاهرة، ومغلوب على أمرها، ومستغلة". من خلال سيرة الشعيبية استطاع بريطل أن يقدم صورة جميلة للمرأة المغربية المكافحة والمناضلة، التي حرصت على تربية ابنها، وشق طريقها والخروج من دائرة المعاناة التي فرضت عليها، منذ طفولته التي لم تكن سهلة، إذ تم تزويجها لرجل طاعن في السن، وهي الطفلة التي لم يتجاوز عمرها 13 سنة. اثناء مناقشته الفيلم، قال يوسف بريطل إن الفيلم ما كان ليرى النور من دون مساعدة ابن الشعيبية الفنان التشكيلي المغربي، الحسين طلال، الذي لعب دورا مهما في تسليط الضوء على أهم المحطات من حياة الراحلة بكل تلقائية، وعلى منجزها الفني المتميز في الساحة التشكيلية المغربية والعالمية. وأشاد بريطل بتعاون الحسين طلال، لأن الأمر لم يكن سهلا على ابن سيشاهد صورة تقريبية لوالدته، بعد مرور 10 سنوات على رحيلها. من جانبه نوه الحسين طلال بالمستوى الجيد للفيلم، والأداء المتميز لبطلته السعدية ازكون، مشيرا إلى أن عينيه دمعتا وهو يشاهد أداء أزكون المقنع، وكأن والدته لم ترحل، وهي بالفعل كذلك لأن الفيلم خلدها، كما خلدتها أعمالها المتناثرة في كل أنحاء العالم والنصوص التي كتبت عنها وهي كثيرة لا تعد ولاتحصى. يتناول الفيلم، الذي جسدت أدواره السعدية أزكون، ومراد الزوي، وسارة حنين، ومحمد خيي، ومحمد نظيف، وعصام بوعلي، وسعيد باي، وإدريس الروخ، بعض المحطات الأساسية من حياة الشعيبية ابتداء من طفولتها بمنطقة اشتوكة التي رأت فيها النور، مرورا بمحطات إقامتها بالدارالبيضاء، وزواجها من رجل مسن وهي طفلة، ونضالها من أجل تربية ابنها الحسين بعد وفاة زوجها، ورسوماتها التمهيدية الأولى في عالم الرسم، وكفاحها من أجل الوصول إلى مبتغاها، رغم سخرية الكثيرين الذين لم يتوانوا في وصفها بالجاهلة والأمية، انتهاء بالاعتراف الدولي من خلال عرض أعمالها مع فنانين عالميين كبار أمثال بيكاسو وميرو، وبراغ، ومودغلياني، وآخرين. كما يتطرق الفيلم إلى علاقة الشعيبية بعمالقة التشكيل المغربي في تلك الفترة أمثال الشرقاوي، والجيلالي الغرباوي الذي مات في ظروف قاسية، كما يصور الفيلم علاقة الشعيبية مع عباقرة الفن التشكيلي، وهي التي لم تكن تدري أن أعمالها تثبت على جدار الأروقة العالمية وبجوارها أعمال فنانين رحلوا في عز العطاء، حيث ظلت الشعيبية تعتقد أن بيكاسو وصونيا دولوناي وآخرين أحياء يرزقون، إذ لم يستطع ابنها طلال كشف حقيقة موت هؤلاء. يستحضر الفيلم البدايات الأولى لاكتشاف الشعيبية في سنة1961، حيث حل بيير كودبير ناقد فرنسي، ومدير متحف الفن الحديث بباريس، بالمغرب، صحبة الفنان التشكيلي الراحل الشرقاوي، من أجل رؤية أعمال ابنها طلال، وصادف ذلك اليوم وجود عاملين من أجل صباغة المنزل، الذي تقطن به. جاء الناقد الفرنسي للاطلاع على تجربة الابن الصباغية مدفوعا بزميله الشرقاوي، وبينما كان الجميع يتحدث عن الفن والحركة الفنية في المغرب وأوروبا وتحديدا الموجات التي ظهرت في فرنسا، تقدمت الشعيبية نحو الرجل، وقالت له "مسيو أنا أرسم كذلك "، وحين أطلعته على مجموعة من قطع الكارتون وبها رسومات عبارة عن مشاهد تمهيدية، وخطوط تحيل على الزربية، تفاجأ كودبير، وقال أنت رسمت هذه الأشياء، فأجابت الشعيبية نعم أنا "مسيو". ومن أجل إعطاء قيمة للطخات التمهيدية للشعيبية، التي رسمتها، استرسل كودبير في حديثه عن تجربة أحد الفنانين الفرنسيين وهو خريج مدرسة الفنون الجميلة بباريس يدعى بيسيير، قضى 70 سنة من عمره، كي يصل إلى ما رسمته الشعيبية. استغرب الناقد الفرنسي صنيعها الفني ولم يدر بخلده أن يجد امرأة مغربية على ذلك العهد تتعاطى الصباغة، فأطال النظر، في مجالسيه كأنه يبحث عن شيء أو يفكر في شيء، وقال بلغة الواثق إن الشعيبية ستصبح رسامة كبيرة وسيكون لها شأن كبير في ما بعد، وطلب من ابنها ألا يتدخل في رسوماتها، ونصحه بتركها وشأنها، وستشق طريقها لوحدها. وسرد الفيلم أيضا، رؤيا الشعيبية، إذ رأت في المنام رجالا يرتدون لباسا أبيض اللون، منحوها أدوات الصباغة، ومن ثمة رهنت مستقبلها بالصباغة. وقصدت أحد المحلات المتخصصة في بيع لوازم الصباغة مرتدية جلبابا تقليديا، فخاطبها البائع بسخرية "هذا ليس محلا للتوابل"، ولما رأى أنها تريد الصباغة قال "هل تعتقدين أنك ستصبحين مثل بيكاسو؟"، وبالطبع كانت الشعيبية تجهل كل شيء عن الفنان العالمي بيكاسو، الذي ستعرض يوما أعمالها رفقته في معرض نظم في باريس. 'وسيط' فيلم قصير حول كائن فضائي يبحث عن الحب يتناول فيلم "وسيط" الذي ينتمي إلى صنف الخيال العلمي، قصة كائن فضائي من كوكب آخر يبحث عن الحب لإنقاذ كوكبه من الفناء. بطلب من قائد الكوكب البعيد عن الأرض والمأهول بأناس بدون إحساس، ينزل وسيط إلى الأرض بحثا عن الحب الذي لا يوجد في أي كوكب آخر غير الأرض، فيتعرض لمواقف كثيرة، لكنه يصل في النهاية إلى مبتغاه. ونجح مخرج الفيلم في إيصال فكرته إلى المشاهد من خلال تركيزه على ضرورة سيادة الحب والقناعة لإنقاذ الكوكب من الفناء، فبدون القيم النبيلة لن يكون هناك استمرار للحياة. وفي هذا السياق قال مخرج الفيلم إن فكرة الشريط مستمدة من الواقع، حيث أحس في فترة من الفترات بالاغتراب، وعدم القدرة على الاندماج في بيئة اخرى غير تلك التي ولد ونشأ فيها، وهذا ما دفعه إلى إنجاز الشريط، مشيرا إلى أننا نستطيع بالحب وحده العيش في أي مكان بالعالم في سلام. 'رحلة في الصندوق' سفر جثة نحو الانعتاق اختار المخرج المغربي المقيم بفرنسا، أمين صابر موضوع الموت في أرض الاغتراب محورا لشريطه الأول "رحلة في الصندوق". تتمحور أحداث الشريط، الذي ينتمي إلى صنف السينما الروائية الوثائقية، حول مغترب مغربي يعمل كل ما بوسعه لنقل جثة صديقه إلى المغرب، حتى تتمكن والدته من دفنه. أمام ضيق ذات اليد، وعجزه عن توفير تكاليف نقل الجثمان إلى المغرب، يحاول بطل الفيلم تدبر الأمر، من خلال طرق كل الأبواب الممكنة، لأن صديقه الموتفى لم يتوفر على تأمين خاص بحالة الوفاة. ما بين المساطر الإدارية، والبحث عن حل لإخرج الجثة من ثلاجة الأموات، يصور الفيلم معاناة البطل، التي تنتهي بفضل تضامن بعض أفراد الجالية المغربية من الجيل الأول بكورسيكا، الذين يتكلفون بجمع المصاريف اللازمة والإسراع بنقل الجثمان إلى المغرب، في مشهد يوحي إلى راحة جثة الميت التي تصل إلى ذويها في رحلة جوية ترمز إلى انعتاق روح الميت، الذي ظلت جثته حبيسة جسده المتجمد بثلاجة الموتى. عن اختياره لهذا الموضوع ومزواجته بين الروائي والوثائقي في الفيلم، قال المخرج أمين صابر، إن الشريط مستوحى من قصة حقيقية، مشيرا إلى أنه كان ينوي إنجاز فيلم وثائقي في البداية، لكنه لم يستطع تصوير جثة ميت حقيقي، احتراما لحرمة الموت، وهذا ما دفعه إلى الجمع بين المتخيل والواقعي. وعن الصعوبات التي تعرض لها أثناء تصويره لهذا الموضوع الحساس، قال صابر إنه عانى في مشاهد معينة، حيث وجد صعوبة في تصوير مشهد غسل الميت، لأن إمام المسجد الكلف بالأمر رفض الظهور في فيلم روائي، وبعد جهد كبير تفهم الإمام الأمر ووافق على التعاون من اجل إيصال معاناة المهاجرين إلى المتلقي والكشف عن وجه آخر من وجوه الاغتراب. 'ريف 58-59' فيلم وثائقي يكسر حاجز الصمت "ريف 58-59″، شريط وثائقي يؤرخ لحقبة من تاريخ المغرب عاشها الريف، وترتبط بأحداث انطلقت شرارتها من "ايت بوخلف" بمنطقة أيت ورياغل. ويهدف الشريط، الذي أخرجه طارق الإدريسي، إلى تقديم مقاربة من زوايا متعددة لأحداث الريف غداة الاستقلال، عبر الاعتماد على شهادات من بعض الذين عاشوا الأحداث من ضحايا، وباحثين وصحافيين وحقوقيين من بينهم مصطفى العلوي، وإدريس اليزمي.. وأبرز طارق الإدريسي أن عنوان تكسير جدار الصمت، جاء لأن الفيلم الوثائقي تعرض لأحد الطابوهات التي لا تتحدث عنها كثيرا بالمغرب، وكان من الواجب تكسيره والحديث عن هذه الحقبة التاريخية، مشيرا إلى أنه لا يجزم أن ما جاء في الشريط هو ماحدث في تلك الفترة، وقال إن الأمر لا يتعلق بحقيقة مطلقة، وإنما جزء منها. من جانبها قالت منتجة الفيلم صوفيا أغيلاس أن دافعها للمشاركة في إنتاج هذا الفيلم، خلق نوعا من المصالحة، التي راهن عليها المغرب في فترة الانتقال الديمقراطي. يذكر ان الفيلم، الذي انتجته شركتا "فارفيرا" و"كوموس" للإنتاج حصل على دعم من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاستشاري لشؤون الجالية ومفوضية الاتحاد الأوروبي وسفارة هولندا بالمغرب.