أشرف مصطفى فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على الإطلاق الرسمي لاتفاقية التوأمة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمجلس الأعلى للقضاء البلجيكي، التي ترمي إلى تعزيز ودعم قدرات المجلس الأعلى للسلطة القضائية. وقال فارس في كلمته بالمناسبة إن "استقلال السلطة القضائية، تكريس الثقة، تخليق منظومة العدالة، تحديات التحديث والحكامة القضائية، قواعد الشفافية وآليات الولوج والنجاعة، الأمن القانوني والقضائي، كلها أوراش كبرى تواجه الفاعلين والمسؤولين في قطاع العدالة عبر العالم منذ عشرات السنين ". وأضاف فارس أن "الفكر القانوني والحقوقي، استطاع خلال سنوات أن يراكم ممارسات وتجارب فضلى سعى إلى تطويرها وتجويدها خدمة للمتقاضين"، ومضى قائلا "اليوم نحن أمام محطة حاسمة تلزمنا بالكثير من العمل المنهجي وفق مخطط استراتيجي وتعبئة كل الجهود والطاقات من أجل التدبير المعقلن للإكراهات والمعيقات بروح إيجابية وفكر خلاق منفتح على كل قنوات التواصل والتعاون المثمر"، مضيفا "وهو ما سعينا إلى تجسيده من خلال السهر على تفعيل بنود هذه الاتفاقية الرامية إلى تدعيم دولة القانون من خلال تكريس سلطة قضائية مستقلة سهلة الولوج وناجعة وفق المعايير الدولية وذلك عبر التركيز على ثلاث مجالات ذات بعد قانوني ومؤسساتي وهيكلي". وأوضح فارس في اللقاء الذي حضره جوريس لاغرو، رئيس المجلس الأعلى للقضاء البلجيكي، أن المغرب وبلجيكا تصلهما علاقات صداقة وشراكة ترجع لأول اتفاقية ثنائية مبرمة بين البلدين لسنة 1860، مستعرضا الحركية الكبيرة التي تشهدها العلاقات المغربية البلجيكية، من خلال العمل الدؤوب لعدد هام من اللجان العليا المشتركة، والزيارات المتبادلة لوفود اقتصادية كبيرة تستشرف آفاق استثمار الفرص المتاحة في المغرب. وأبرز فارس قائلا إن "الرهان الكبير هو تحدي إنجاح هذه الشراكة والوصول إلى الأهداف المرجوة منها داخل الآجال المحددة لها بكل جدية ومسؤولية من خلال الاستفادة من التجربة المتميزة لشركائنا وأصدقائنا ببلجيكا التي اكتسبوها على امتداد سنوات طوال منذ انطلاق أشغال مجلسهم الأعلى سنة 2000، وذلك من أجل الوصول إلى تطوير الإطار القانوني والتنظيمي للمجلس الأعلى ليكون منسجما مع الممارسات الفضلى بالتجربة الأوروبية، ودعم قدرات ومؤهلات أطر المجلس الأعلى وباقي المؤسسات المرتبطة بالقضاء". وتهدف اتفاقية التوأمة، التي تحظى بدعم الاتحاد الأوروبي والوكالة البلجيكية للتنمية، إلى دعم استقلال السلطة القضائية بالمغرب من خلال تعزيز كفايات القضاة ومهنيي العدالة، والانفتاح على الممارسات القضائية الفضلى، بالإضافة إلى الاستفادة من التجربة القانونية البلجيكية. وفضلا عن مواءمة العدالة بالمغرب مع المعايير الدولية، تروم الاتفاقية، التي يسهر على تنزيلها ائتلاف بلجيكي يضم مرفق العدالة العام الفدرالي البلجيكي والمجلس الأعلى للقضاء البلجيكي، ومجلس محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية، ومجلس النيابة العامة، كذلك مواكبة ورش تخليق الحياة العامة ودولة الحق والمؤسسات، بالإضافة إلى ضمان حسن سير المرفق العدلي بما يستجيب لانتظارات المرتفقين في عدالة فعالة ناجعة تكون رجع صدى لمعيشهم اليومي. وأشار فارس إلى أوجه التعاون القضائي والقانوني بين البلدين، والذي يشمل العديد من الميادين، مستشهدا في هذا السياق بالعديد من الاتفاقيات الثنائية المبرمة، وتعيين قاض مكلف بالاتصال، في مقاربة تستحضر خصوصية وتفرد العلاقة مع الفاعلين في مجال العدالة والقضاء ببلجيكا، منذ حوالي 12 سنة. وشدد المتحدث على أن اتفاقية التوأمة تعد تجسيدا لإرادة المضي قدما في تمتين العلاقات الثنائية، ولبنة جديدة في بناء هذا الصرح القوي المتماسك، لافتا إلى الحاجة إلى الوعي بحجم الرهانات المشتركة التي تجمع البلدين على العديد من المستويات القانونية والقضائية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مشددا بالمقابل على أهمية التوسل بمثل هاته المبادرات والآليات العملية الجادة. من جهتها، أكدت سفيرة الاتحاد الأوروبي بالمغرب، كلاوديا فايدي، أن إطلاق التوأمة يروم دعم مسلسل الإصلاحات الطموح الذي تتبناه المملكة، مضيفة أن اتفاقية التوأمة، كمشروع يحظى بدعم الاتحاد الأوروبي ويشتغل على تنفيذه ممثلون عن مرفق العدالة من بلجيكا والمغرب، يرمي إلى استلهام التجارب الجيدة التي راكمتها المجتمعات الأوروبية في مجال العدالة. وبعدما أوضحت أن مرفق العدالة يحظى بالأهمية في أجندة الاتحاد الأوروبي، قالت فايدي إن الاتفاقية تهدف أساسا إلى مواءمة المرفق العدلي بالمغرب مع المعايير الدولية، منوهة بانخراط المغرب في هذا الباب، وبرؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس الضامن لاستقلال السلطة القضائية. أما سفير مملكة بلجيكا بالمغرب، مارك ترينتيسو، فأكد، من جانبه، أن الحوار مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية وائتلاف المرفق العدلي ببلجيكا يتغيى تشاطرا أمثل للكفايات والقدرات، لما فيه صالح المجتمعين المغربي والبلجيكي، منوها باستقلالية المجلس الأعلى للسلطة القضائية. من جانبه، أكد رئيس المجلس الأعلى للقضاء البلجيكي، يوريس لاغرو، أن اتفاقية التوأمة تهدف إلى مواكبة الإصلاحات التي يشهدها حقل العدالة بالمغرب، من خلال ضمان الولوج والمواءمة مع المعايير الدولية، مثمنا التعاون الذي لا يفتأ يتوطد بين البلدين ويعضده العمل الثنائي. ودعا رئيس المجلس الأعلى للقضاء البلجيكي، إلى تبني مقاربات مبتكرة في ما يتصل بتقاسم الممارسات الفضلى، ورفع منسوب ثقة المواطن في العدالة، مبديا أمله في ترجمة هذه التوأمة وإنجاحها من خلال تضافر جهود كل المتدخلين.