يشكل عيد الشباب الذي يوافق هذه السنة الذكرى الواحدة والخمسين لميلاد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله فرصة للوقوف عند ما تحقق في عهد جلالته لفائدة شباب المملكة، والدور البارز الذي أصبح شباب الأمة يلعبه في مسيرة بناء مغرب الحداثة والديمقراطية. إن المغرب الذي أراد له جلالة الملك أن يخطو خطوات عملاقة في درب التحديث والتنمية، أوجد لنفسه بفضل الفكر المتنور لجلالة الملك مكانة متميزة جعلته في طليعة الدول النامية، التي تستجيب لمتطلبات عصرها وتطلعات شبابها، ولا تكتفي بأن تعيش التاريخ، بل تصنع تاريخها معتمدة على أفكار شبابها وسواعده مستنيرة في دربها بأفكار ملك مبدع، آل على نفسه إشراك أبناء شعبه في مسيرة البناء والتسلح بالعزيمة والعلم والمعرفة لمواجهة التحديات التي يفرضها العصر، ويفرضها المستقبل. لا مكان في مغرب الألفية الثالثة، لم يقنع بما أوجدته الظروف بين يديه، لأن من يقنع بما هو موجود اليوم، يسيء إلى مستقبله، فقد آمن المغاربة بقيادة جلالة الملك أن الحاضر يصنع المستقبل، والصناعة تفرض التكافل والتعاون والإشراك، وبعد النظر. ومن باب الإشراك أكد جلالة الملك محمد السادس، في كثير من الأحيان أن الأوراش الكبرى التي انخرطت فيها المملكة لبناء مجتمع متضامن متشبث بهويته، لا يمكن أن تحقق أهدافها إلا بسواعد الشباب المغربي وإبداعاته، واستثمار كامل لطاقاته الخلاقة. وشهدت المملكة تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك طفرة مهمة جعلت الشباب في صلب الاهتمام الملكي، وتتمثل في فسح مجالات واسعة في وجه الشباب باعتباره عماد الأمة، وتوفير ما من شأنه أن يمكنه من الثقة في نفسه، ويحفزه على البدل والعطاء. وكان من نتائج ذلك الارتقاء بوضع الشباب وتأكيد أهمية دوره في مسيرة البناء، توفير التكوين على مختلف المستويات وبطرق تستجيب لمتطلبات العصر، وإصلاح الأعطاب التي تجعل بعض القطاعات دون مستوى التطلعات، أو تنتج بطريقة لا تحقق أهداف العصر. وتعكس هذا التوجه المشاريع والبنيات الخاصة بتقوية وتطوير قدرات ومؤهلات الشباب المغربي، لاسيما تلك التي رأت النور خلال السنة الجارية بعدد من المدن والمراكز على امتداد التراب الوطني، والرامية إلى فسح المجال أمام هذه الشريحة الاجتماعية الفتية لتطوير مهاراتها وصقل مواهبها في شتى المجالات، بما من شأنه تهييئ الأرضية المواتية لاندماجها الفاعل في النسيج السوسيو- اقتصادي. ولأن جلالة الملك عود شعبه على الصراحة، فإنه يؤكد أن ما تحقق لم يبلغ مرحلة الاستجابة لمتطلبات الشباب باعتباره ثروة وطنية مهمة، فالمغرب الذي أصبح ورشا مفتوحا على أكثر من واجهة جعل الشباب وحاجياته في الطليعة، وفتح أمامه أبواب خدمات تساعد على تحقيق أهدافه عبر تطوير الكفاءات وملاءمة التكوين مع متطلبات السوق، والتخطيط لإصلاح التعليم لمواجهة معضلة تخريج الجامعات للعاطلين. وفي هذا السياق يندرج تشريح جلالته لوضعية التعليم والحديث عن المفارقات التي يعيشها هذا القطاع الحيوي، خلال الخطاب الذي وجهه إلى الأمة في العشرين من غشت 2013. وتفعيلا للإصرار الذي يبديه صاحب الجلالة بخصوص إصلاح التعليم نصب جلالته، أخيرا، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي يعد تعيينه تنزيلا للدستور الذي صوت عليه الشعب المغربي في الفاتح من يوليوز 2011 والذي ينص في الفصل 168 على أنه "يحدث مجلس أعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي"، ويؤكد الدستور على أن "المجلس هيئة استشارية، مهمتها إبداء الآراء حول كل السياسات العمومية، والقضايا الوطنية التي تهم التعليم والتكوين والبحث العلمي، وكذا حول أهداف المرافق العمومية المكلفة بهذه الميادين وتسييرها". ويمارس المجلس حسب القانون رقم 105.12 المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، عددا من الصلاحيات المتمثلة أساسا في إبداء الرأي في كل قضية من القضايا المتعلقة بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي التي يعرضها عليه الملك من أجل ذلك، وكذا في ما تحيله الحكومة من القضايا ذات الصلة بالاختيارات الوطنية والتوجهات العامة والبرامج والمشاريع ذات الأهمية الخاصة المتعلقة بقطاعات اشتغاله. كما تتمثل صلاحيات المجلس، الذي يحل محل المجلس الأعلى للتعليم، في إبداء الرأي لفائدة الحكومة والبرلمان بشأن مشاريع ومقترحات القوانين والقوانين التنظيمية والنصوص التنظيمية التي يعرضها عليه رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين، ولاسيما القوانين التي تضع إطارا للأهداف الأساسية للدولة في ميادين التربية والتكوين والبحث العلمي. وتعلم المغاربة ومن ضمنه شباب المملكة ومازالوا يتعلمون الكثير من الدروس من جلالته، عبر المكاشفة وتسمية الأشياء بمسمياتها والانطلاق للعمل، وعدم الاكتفاء بما تحقق عبر رفع سقف الطموحات، إذ ينبهر المتتبع أن الجولات الملكية تشهد إشراف جلالته على إطلاق المشاريع لفائدة الشباب في مختلف أنحاء المملكة ومع ذلك يرى جلالته أنه مازال الطريق طويلا لتحقيق الأهداف المتوخاة في هذا الصدد قال جلالته "بيد أن ما تحقق لا يرقى إلى مستوى طموحات الشباب وانتظاراته. فما تزال الصعوبات قائمة أمام تحقيق اندماجه المرغوب فيه. كما أن هناك عددا كبيرا من الشباب، من مختلف الأوساط، ما زالوا يعانون من بعض الإكراهات، التي تؤثر على معيشهم اليومي، وعلى آفاقهم المستقبلية. لذلك فإنه من غير المقبول اعتبار الشباب عبئا على المجتمع، وإنما يجب التعامل معه كطاقة فاعلة في تنميته. وهو ما يقتضي بلورة استراتيجية شاملة، من شأنها وضع حد لتشتت الخدمات القطاعية المقدمة للشباب، وذلك باعتماد سياسة تجمع، بشكل متناغم ومنسجم، مختلف هذه الخدمات"، كما يتعين، يقول جلالة الملك، توفير الظروف الملائمة للولوج إلى السكن والصحة، ومختلف خدمات القرب، من مرافق رياضية، وفضاءات ترفيهية، وهياكل تساعد على الاندماج، ومراكز تكنولوجيا المعلومات والاتصال، مضيفا أنه إذا كان الشباب المغربي يتطلع بكل مشروعية إلى القيام بدوره المهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإنه يرغب كذلك في الانخراط في مجالات الإبداع الثقافي والفني، الذي تظل فضاءاته غير متكافئة، بين مختلف المناطق المغربية. إن الوتيرة المتسارعة التي يشهدها مسلسل إحداث البنيات الخاصة بتكوين وتأهيل وتأطير الشباب، مهنيا واجتماعيا وثقافيا، تعبر بصدق عن الوعي العميق بالمكانة الجوهرية التي يحتلها الشباب ضمن النسيج المجتمعي والدور المهم في الدفع بعجلة التنمية وتحفيز نمو الاقتصاد الوطني وتنشيط الحياة السوسيو- ثقافية، بما يؤكد مراهنة المملكة على شبابها، ذكورا وإناثا، في حمل مشعل مغرب الألفية الثالثة، مغرب الحداثة والديمقراطية. ومن هذا المنطلق تولي المملكة أهمية بالغة للبنيات المتمثلة، على الخصوص، في المراكز السوسيو-تربوية والسوسيو-ثقافية والسوسيو-مهنية والمراكز السوسيو-رياضية للقرب المندمج، إلى جانب دور الشباب والفضاءات الجمعوية، باعتبارها فضاءات مواتية لاكتشاف الذات وتطوير المهارات وتعزيز الخبرات، في أفق تكوين شباب مؤهل لولوج سوق الشغل والمساهمة بفعالية في التنمية المحلية، إلى جانب تنشيط الحياة السوسيو-ثقافية ومساعدة الشباب على تقوية قدراته والحيلولة دون وقوع الشباب والمراهقين في براثن الإدمان والانحراف بمختلف مظاهره، وتمكينها من تخفيف آثار التهميش والإقصاء التي عادة ما تطال هذه الفئة أكثر من غيرها، لاسيما بالأحياء الهامشية والمجالات شبه الحضرية، بما يتيح إفراز جيل صالح ومنتج جدير بالمسؤولية وقادر على الاندماج الإيجابي في محيطه الاجتماعي.