بمبادرة من جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض بالمغرب، انطلق مشروع "الإنتاج المشترك للنظافة" منذ أبريل 2014، وأعطت انطلاقته الوطنية الرسمية الوزيرة المنتدبة المكلفة بالبيئة حكيمة الحيطي، بمناسبة اليوم العالمي للأرض يوم 22 ابريل المنصرم وذلك خلال حفل الانطلاق الرسمي للمشروع الذي نظم بدمنات، بحضور كافة المتدخلين، وكافة الشركاء، يستهدف المشروع الذي ينبني على مقاربة جديدة ومتميزة في مجال تدبير النفايات، إرساء مفهوم جديد للنظافة الشاملة ب 90 حي سكني و100 مؤسسة تعليمية و20 موقعا طبيعيا ب 22 مدينة. وفي هذا السياق قال عبد الرحيم كسيري رئيس جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض بالمغرب في حوار ل"المغربية"، أن "مشروع "الإنتاج المشترك للنظافة"، يعتبر مشروعا استراتيجيا للجمعية ولشركائها، يهدف بالأساس إلى المساهمة في تحسين جودة حياة المواطنين من خلال الارتقاء بنظافة فضاءات عيشهم من جهة، وحماية الأوساط والموارد الطبيعية من جهة أخرى". هل لكم أن توضحوا لنا لماذا يعتبر "مشروع "الإنتاج المشترك للنظافة" مشروعا استراتيجيا بالنسبة للمغرب ولكم؟ - نعتبر مشروع "الإنتاج المشترك للنظافة"، مشروعا استراتيجيا، لأن تمكين المغرب والساكنة المغربية من تنمية بشرية واقتصادية واجتماعية حقيقية متوازنة ومستديمة، يتطلب تغييرا مجتمعيا يتأسس على قدرة البلد على التحكم بشكل متزامن ومتكامل أولا في تخطيط وتمويل وانجاز أوراش تقنية، وثانيا في مواكبتها باليات تشريعية وقانونية وظيفية، وثالثا في إحداث تغيير ايجابي لسلوك الأفراد والجماعات، وفي هذا الإطار نلاحظ بالفعل أن المغرب أصبح يتحكم في الورش الأول الذي يتمثل في إعداد دفاتر التحملات والبحث عن الموارد ثم الإنجاز من طرف شركات وطنية أو دولية، كما أن الورش التشريعي انطلق بتطور متزايد لعمل وإنتاجية غرفتي البرلمان، لكن آلية تغيير سلوك المواطن بشكل ايجابي ما زالت معطلة، ومشروع الإنتاج المشترك للنظافة يستهدف وضع آلية جديدة بمقاربات متكاملة بالنسبة لهذا الورش الاستراتيجي بالنسبة لمستقبل المغرب. هل لكم أن تقربونا أكثر من علاقة هذا المشروع بالأوراش الثلاث التي ذكرت؟ - أحسن ما يمكن الاستشهاد به هو تنبيه صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطاب 11 أكتوبر 2013، عندما تأسف على واقع الدارالبيضاء رغم الجهود الكبيرة على مستوى التجهيز والاستثمار، .. وتساءل جلالته حول عدم حدوث التقدم الملموس الذي يتطلع إليه البيضاويون والبيضاويات في هذه المدينة، التي تعتبر من أغنى مدن البلاد، وأثار جلالته في الخطاب نفسه مشكل التناقضات التي تعرفها العاصمة الاقتصادية باعتبارها مدينة الأبراج العالية ومركز المال والأعمال، وفي الوقت نفسه تشكل مجالا للفقر البؤس ودور الصفيح ...، فضلا عن النفايات والأوساخ التي تلوث بياضها وتشوه سمعتها .... نعم إنها مسألة خيارات ومجهودات غير متوازنة تتسبب في اختلالات مجتمعية وبيئية خطيرة، لأن بناء الأبراج وانتشار السيارات الفارهة والجميلة، في غياب مواطنين لهم سلوكات العيش المشترك من تضامن ونظافة واحترام متبادل، أمور ينتج عنها التصادم والأوساخ والعنف والاستغلال وهضم الحقوق. فإذا اعتبرنا المشكل الذي يعنينا، وهو تدبير النفايات، فالخطاب الملكي جاء بعد سنين من اشتغال المسيرين على الورش التقني، رغم التكاليف المالية الضخمة، التي دفعتها جماعة الدارالبيضاء للانتقال من مصلحة نظافة تدبرها البلدية إلى تدبير مفوض، بقيت النتائج محدودة لأن المقاربة ركزت على الورش الأول التقني لجمع ونقل النفايات وإعداد مطارح مراقبة، ومواكبتها بالورش الثاني التشريعي بإصدار القانون 28/00 وإعداد البرنامج الوطني للنفايات المنزلية والمماثلة، الذي خصصت له الوزارة المكلفة 40 مليار درهم. رغم كل تلك النفايات والأوساخ تلوث المدينة وتشوه سمعتها، كما جاء في الخطاب الملكي، لأنه لم يتم بدل المجهود اللازم للورش الثالث، وبقي الورشان الأول والثاني ضعيفي المردودية، فبالنسبة للورش الأول التقني ارتفعت تكلفة الكنس بالبيضاء لاعتبار المدبر أن المواطن البيضاوي ميؤوس منه فيما يتعلق بعدم رمي النفايات في أي مكان وفي أي وقت لترتفع التكلفة الإجمالية لتدبير النفايات بالبيضاء وتصل 60 مليار سنتيم سنويا، مع استمرار تفاقم مشاكل النفايات وضياع إمكانات مادية مهمة، لضعف استغلال الثروة التي تحتويها من مواد قابلة للتدوير، استمر المواطن بسبب عدم الاهتمام بالورش الثالث في رمي النفايات المبللة مختلطة، كما بقي الورش الثاني القانوني جد متسامح مع الملوثين وقاس مع الملتزمين لأنهم يتحملون سلبيات تلوث لا يساهمون فيه وتكلفة غالية لتدبير النفايات يتقاسمونها مع الملوثين بالتساوي. كيف تفسر الضعف الكبير لمجهودات تغيير السلوك لدى المواطن المغربي رغم أن لدينا نفس مؤسسات وأنظمة الدول المتقدمة ؟ - أكيد أن لنا مؤسسات تقوم بأدوار وتحقق نتائج إلا أن سرعة تغير نمط عيش المغاربة وانفتاحهم الإعلامي والتجاري على المجتمعات الاستهلاكية لم تتم مواكبته كما في الدول الأخرى بمقومات الارتقاء بالسلوك الفردي والجماعي للتكيف مع نمط الإنتاج والاستهلاك الجديد المفرز كل لحظة لنفايات متعددة الأنواع وبكميات متزايدة. وبالنسبة لمشكل التوعية بتدبير النفايات، هناك شبه غياب عمل فعلي متجدد الطرق والمقاربات للتنشئة التربوية والتوعية من طرف المؤسسات الرئيسية كالمدرسة والإعلام والمجتمع المدني والمسجد التي يتعين عليها دعم الأسرة وتقوية أدوارها خاصة وأن التحول إلى مجتمع استهلاكي أضعف أدوارها وأضاع عدد من القيم والسلوكات المكتسبة عبر التاريخ ولم يدعمها بما يتلاءم من مبادئ واليات تدبير فردي وجماعي للمجتمعات الحالية. وتبقى مسؤولية ومهمة التربية وتحسين سلوك المواطنين خصوصا الأطفال والشباب، ملقاة بالدرجة الأولى على المنظومة التربوية، حيث أن اهتمام المؤسسات التعليمية، بالشأن المحلي بإمكانه المساعدة على تحقيق أدوارها المجتمعية من خلال التأثير الايجابي على الأسر والمجتمعات المحلية عن طريق أبناءهم المتمدرسين. وأذكر بهذه المعطيات لأن مساهمة المنظومة التربوية في حل إشكالية النظافة موضوع نقاشنا، يمر بالضرورة باهتمامها الفعلي بالموضوع داخل المؤسسة لتصبح نموذجا في النظافة والفرز، وتهتم كذلك بالنظافة داخل الأحياء التي يقطن بها التلاميذ من خلال جعلهم فاعلين بدل متلقين سلبيين، بفضل أنشطة محلية مبنية وهادفة بطرق متجددة للتربية البيئية والإعلامية، مع انفتاحها على المجتمع المحلي والمجتمع المدني الذي له أهداف تربوية محضة وكفايات ومقاربات جديدة. كما أن ضعف التكامل والتنسيق بين مؤسسات التنشئة الاجتماعية والتربوية كجمعيات المجتمع المدني والمساجد والمؤسسات الصحية ودور الشباب، والمؤسسات الإعلامية التي لها ادوار حاسمة، وغياب رؤية موحدة ومشاريع مندمجة متكاملة مع المدرسة والجماعة المحلية حول قضايا حقيقية كحل إشكالية النظافة للمجتمعات المحلية وفقا لتدبير مبني على النتائج في أجال محددة قريبة ومتوسطة المدى... جعل أدوارها التربوية والتوعوية تبقى جد محدودة. كما يلاحظ ضعف أو غياب تمويلات لبرامج التوعية في المجال، حيث أن البرنامج الوطني للنفايات المنزلية والمماثلة، لم يخصص إلا %1.9 من ميزانية 40 مليار درهم للتحسيس ولم تصرف كما كان محددا، وأن الجماعات المحلية وشركات النظافة لم تخصص ميزانية فعلية لذلك ، بل ولا تعتبر هذه الأنشطة ضمن صلب اهتمامها، وتعتمد مع عدد من الجمعيات المحلية على اختزالها في حملات نظافة موسمية. بعد انطلاق المشروع بكل من حي الصناع بدمنات و5 أحياء بمراكش وتنظيم حفل توقيع اتفاقيات عدد من الفاعلين بالأحياء المشاركة في المشروع، وضحوا لنا كيف جاء اختيار أسماء وأعداد الأحياء المشاركة؟ ولماذا لا تشتغلون على جميع أحياء المدن وخاصة الصعب منها كما يرغب في ذلك عدد من مدبري المدن؟ يبدو أنكم تراهنون على مقاربة التشارك أو الإشراك رغم صعوبتها فكيف تتمثلوها وما هي نسب نجاحها؟ - سأبدأ بالجواب على السؤال الثاني، لأؤكد لكم أن الجمعية وبناء على التشخيص والتحليل السابقين، وبناء على عدد من تجارب فروع جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض على مدى 20 سنة مع عدد من الشركاء والمدن، وبعد مساهمتي في تحليل وضعية واليات تدبير النفايات الصلبة بالمغرب خلال إعدادنا لتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للموضوع كأحد مكونات الاقتصاد الأخضر، توصلنا إلى ضرورة إعداد مشروع ينبني على تراكمات التجربة المغربية بنقط قوتها وضعفها، من خلال مقاربات واليات جديدة ومدمجة مبنية على رؤية شمولية قريبة ومتوسطة وطويلة المدى. تم العمل خلال سنة كاملة لإعداد مشروع الإنتاج المشترك للنظافة، يرتكز على العمل المحلي على مستوى الأحياء، وتم اختيار الأحياء الأولى التي سميناها الأحياء المبادرة للتغيير، التي تتوفر فيها شروط النجاح لتحقيق نتائج محددة مسبقا تتعلق بإرساء مفهوم النظافة الشاملة المتمثل في ثلاث أسس نظافة كاملة ومستمرة للحي مع تثمين مكونات النفايات القابلة للتدوير بإرساء الفرز عند المنبع، وجمالية الحي بأشكالها المختلفة إذ تعتبر من خصوصيات الحي وفيها إبداع واجتهاد ملموس، وبناء علاقات جيدة وطيبة بين الجيران التي هي الضامن لتحقيق استدامة الشرطين السابقين من خلال أنشطة لإعادة بناء قيم التضامن والاحترام والتعاون. ولأهمية ومستوى التحديات المرتبطة خصوصا بتغيير السلوك الفردي والجماعي، تم الاتفاق على الانطلاق بالإحياء التي عبر عدد من ساكنتها وجمعياتها ومنتخبيها، عن رغبتهم وانخراطهم في رفع التحدي ببدل المجهودات المستمرة على مدى الثلاث سنوات المقبلة 2014-2017 ، لأننا نعتبر أن الإنتاج المشترك للنظافة بحيهم هو مشروعهم، وبالتالي أسست الجمعية لمبدأ الامتلاك أي أن الساكنة وجمعياتها ومنتخبيها والسلطات المحلية المعنية ومصلحة شركة النظافة هم أصحاب المشروع الرئيسيين، وعلينا جعلهم يمتلكونه لأنه بعد انصرافنا هم الباقون والضامنون لاستدامة المشروع. ولضمان استدامة ونجاح هذا المشروع، تم إشراك مؤسسات الدولة المكلفة بالتنشئة الاجتماعية والتربوية، كالمدرسة والمسجد ودار الشباب ومركز الصحة، منذ البداية في إعداد وتوقيع الاتفاقية المحلية. وتعتبر جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض بفرعها المحلي بالمدينة وبمكتبها وإدارتها الوطنية، مع باقي منظمات المجتمع المدني التي المشاركة في المشروع، صاحبة المبادرة في تجديد المقاربات وطرق العمل التعبوي والتأطيري والتحسيسي، وكذا تسهيل التنسيق والتعاون بين كل المتدخلين محليا ووطنيا، وتكتمل أدوار المجتمع المدني بإشراك فعلي لشريكين حيويين اثنين، أولهما المؤسسات الإعلامية المحلية والجهوية والوطنية التي بتوقيعها ودعمها تنخرط في التنمية والتغيير الايجابي، وثانيهما المؤسسات الاقتصادية المواطنة والمقاولين المحليين بانخراطهم ودعمهم ومساهمتهم في التنمية المحلية لمنطقة عيش عمالهم. وينطلق المشروع بتعاقد منذ البداية بين مختلف الفاعلين السابقين، من خلال توقيع اتفاقية شراكة جماعية، لإحداث لجنة محلية لقيادة المشروع، التي تعني تقاسم المسؤولية في إنجاح هذا المشروع المجتمعي، والتي ستؤسس ركائز تنسيق وتعاون وتكامل تدخلات كل الفاعلين المحليين، بفضل وضع مخططات عمل وتواصل وتجهيز متكاملة بين كل المتدخلين سواء تعلقت بمخططات تقنية أو تربوية أو مسطرية وقانونية، وترشيد كل الجهود والإمكانات البشرية والتعبوية والتدبيرية والمادية بهدف تحقيق التغييرات المنشودة.