عندما كانت جريدة "المغربية" تقتفي علامات التمدن والعصرنة بمحافظة أربيل في كوردستان العراق، في جولة عبر بعض مناطقها، كان العديد من الكورد ممن التقتهم خلال "الملتقى الإعلامي الكوردي العربي"، يصرون على معرفة المغرب قلعة أربيل (خاص) وذلك بأسئلة تفصح عن انبهار كبير بالبلد، وتقدير خاص للشعب المغربي. لم يكن الشعب الكوردي بأربيل يعرف الكثير عن المغرب، وعزا الكثيرون ذلك إلى البعد الجغرافي، لكنهم كانوا يحملون في مخيلتهم صورا لمغرب آمن ومستقر ومنفتح على الثقافات الأخرى، ولهذا التميز، وجدوا في زيارة "المغربية"، كمنبر إعلامي مغربي وحيد مشارك في الملتقى، فرصة لتعزيز تصوراتهم الإيجابية عن المغرب، بالاستفسار عن العادات الاجتماعية وأسماء بعض المدن وميزاتها، مع تطلع إلى زيارة فعلية للمغرب، حسب حديثهم مع الجريدة بلغة عربية. إن التجاوب الإنساني يختزل المسافات الجغرافية ويوحد اللغة، ومواطنو أربيل، ممن حدثتهم "المغربية"، أحسنوا التحدث بالعربية بنبرة تنم عن شغف للمغرب، وبقدر ما كانت تسعى الجريدة إلى طرح أسئلة عن خصوصيات الشعب الكوردي ومقومات كوردستان العراق العمرانية والتاريخية، كان هؤلاء يردفون أجوبتهم حول الإقليم، بأسئلة عن مؤهلات المغرب، فكان بهذا ل"المغربية" أن ترى كوردستان العراق من خلالهم، فيما هم يرون المغرب من خلالها. أربيل أو "هه ولير" باللغة الكوردية، هي عاصمة إقليم كوردستان العراق، توجت سنة 2014 عاصمة "السياحة العربية"، استنادا إلى مقومات تاريخية وحضارية وعمرانية واقتصادية وسياحية، وكانت زيارتها ضمن فعاليات الملتقى، بالنسبة إلى "المغربية"، فرصة ثانية لاكتشاف عوالم عاصمة إقليم يصطلحون على شعبه "أحفاد صلاح الدين الأيوبي"، القائد العسكري ومؤسس الدولة الأيوبية، الذي خاض حملات ضد الصليبيين، استعاد فيها معظم أراضي لبنان وفلسطين والقدس، بعد هزيمة جيش "بيت المقدس" في معركة حطين سنة 1187، والكورد يفتخرون بانتماء صلاح الدين لكوردستان، وإن اختلفت رواية نسبه بين أن يكون عربيا أو كورديا لدى بعض المؤرخين. كما لو أن في المناخ الربيعي لأربيل دعوة "حضارية" للإطلاع على المؤهلات التي قادتها للاحتفاء مع أهلها بالتتويج السياحي العربي لهذه السنة، كان من الملائم عقد فسحة في أكبر عدد ممكن من أنحاء أربيل، فالمحافظة تضم حوالي مليون ونصف مليون نسمة، ولم يكن في مجالاتها الشاسعة ومرافقها ومنشآتها المشيدة بطرازات عالية الجودة ما يشوش على التنقل بأريحية، أمن هائل يشمل المحافظة، لا مضايقات ولا خلافات ولا حوادث ولا غرائب عن الإقليم، تعكر صفو راحة المواطنين والزائرين لأربيل، فالتعايش الاجتماعي السلمي هو مبدأ حياة الكورد بصرف النظر عن اعتبار آخر. أربيل التي توجت عاصمة السياحة العربية لسنة 2014 بعد منافسة مع مدينة طائف بالسعودية وإمارة الشارقة بالإمارات، هي من أقدم المدن المأهولة بالسكان في العالم، وظهر اسمها في المدونات التاريخية منذ حوالي 3 آلاف سنة قبل الميلاد، حيث ورد اسمها كبلدة آهلة بالسكان، وكإحدى الأملاك السومرية، كما كان اسمها آنذاك "أوربيليوم"، والسومريون أول شعب ظهر في منطقة ما بين النهرين، ولم يستقر العلماء حتى الآن على رأي حول أصلهم بشكل قطعي ونهائي، حسب بعض الكتابات التاريخية. أما أسباب تتويج أربيل، فتتمثل في بنياتها التحتية المتطورة، ومنشآتها المختلفة ومعمارها التاريخي والحديث، ويكفي اجتياز بوابة أربيل حتى يتسنى للزائر التأكد أن عاصمة إقليم كوردستان العراق تعيش نهضة حقيقية في جميع المجالات، جعلتها أرضا خصبة للاستثمارات واستقرار المواطنين النازحين من بقع الحروب والتوتر.