تعد المملكة المغربية من بين الدول الإفريقية الرائدة في بناء استراتيجية وطنية للنهوض بقطاع الطاقات المتجددة خاصة، طاقة الشمس، وطاقة الهواء، وطاقة الماء فقد أفاضت الأرض المغربية بخيراتها على أبناء المغرب، فهناك الجبال الشاهقة في الأطلس، التي تتحرك فيها الرياح في مختلف الاتجاهات، وهناك الأنهار العذبة الرقراقة التي تنبجس من قمم تلك الجبال وتنساب باتجاه السهول الخصيبة، وأيضاً هناك صحراء واسعة تعتبر كنزاً ثميناً، إذا ما أحسن استغلاله بشكل سليم، فإنه سيغني الشعب المغربي بشكل دائم، ونقصد هنا طاقة الشمس، التي تتوفر بكثرة في هذه الصحراء. لكن الحكومة المغربية كانت على دراية بإمكانات وقدرات أرض المغرب، ولذلك عملت على استغلال هذه الخيرات، وبما يعود بالنفع العام على المملكة المغربية وعلى شعبها. فقد وضعت هذه الحكومة خطة تهدف إلى النهوض بقطاع الطاقات المتجددة وجعل هذا القطاع في سلم الأولويات التي تسعى إلى تحقيقها في المرحلة المقبلة. ذلك أن المغرب يعاني نقصا في الطاقة وهو يستورد حاجته من الوقود من الدول الشقيقة والصديقة، والاستثمار في الطاقات المتجددة سوف يقلص الاعتماد على الطاقة المستوردة وسيؤدي إلى الحفاظ على البيئة من انبعاث الغازات الدفيئة التي يتسبب فيها الوقود الأحفوري، كما أنه سيساعد على خلق فرص جديدة للاستثمارات الأجنبية وبما يسهم في رفد الاقتصاد الوطني بأموال جديدة ترفع من وتيرة الإنتاج.تم تصنيف المغرب في المرتبة الثانية عالميا بعد أمريكا من حيث جاذبيته للاستثمارات في مجال الطاقات المتجددة، وانطلاقاً من هذا الواقع، فقد شرعت الحكومة المغربية في تنفيذ برنامج طموح لتنمية الطاقات المتجددة، يتوفر على موارد طبيعية مهمة تمكنه من تحقيق الأهداف التي وضعها في هذا المجال ومن أجل تركيز الاهتمام على قطاع الطاقات المتجددة فقد انعقد في العاصمة الرباط بتاريخ 30 أكتوبر 2013 المؤتمر الرابع لمبادرة ديزيرتيك الصناعية الدولية. وخلال هذا المؤتمر أعلن عبد القادر عمارة، وزير الطاقة والمعادن، عن قرب إطلاق طلبات العروض لإنجاز مشروع استغلال طاقة الرياح بقدرة 850 ميغاواط، وطلبات العروض لإنجاز الشطر الثاني والثالث لمحطة ورزازات لاستغلال الطاقة الشمسية بقدرة 300 ميغاواط، والتي ستطرح بعد أسبوعين. وقال إن المغرب متقدم في إطار تطبيق مخططه الهادف إلى رفع حصة الطاقات المتجددة في إنتاج الكهرباء إلى 42% في أفق 2020. وأشار إلى أن المغرب حدد كهدف إنتاج ألفي ميغاواط عبر استغلال الرياح، وتمكن حتى الآن من إنجاز 380 ميغاواط، وتوجد 550 ميغاواط في طور الإنشاء، و200 ميغاواط في طور التطوير، وسيتم إطلاق طلبات العروض لإنجاز 850 ميغاواط قبل نهاية العام. وأن المغرب بصدد إيجاد حلول لإشكالية تخزين الطاقة الكهربائية التي يتم إنتاجها من استغلال الرياح، مشيرا في هذا الصدد إلى وجود خطة لإنجاز منشآت مائية لتحويل الكهرباء قصد تخزينها عن طريق الضخ بقدرة 550 ميغاواط. ويتمثّل الهدف من المشروع الذي يحمل اسم "مبادرة ديزيرتيك"، ومقرها بمدينة ميونيخ الألمانية، في توليد كهرباء مستدامة من مواقع غنية بموارد الطاقة المتجددة، بغية المساعدة في تلبية احتياجات الطاقة لكل من المنطقة وأوربا. وهو يعتبر مشروعا طموحا متعدد الجنسيات يسعى لاستغلال الطاقة الشمسية المتوفرة في صحاري بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، والمبادرة عبارة عن اتحاد شركات انطلق عام 2009 بإحدى عشرة شركة. منها شركة (فورست الأمريكية، وشركة سيمنس الألمانية وآزيا براون بوفري "آي بي بي" السويدية السويسرية). ويسعى المغرب إلى إقامة قطاع صناعي وطني مندمج حول مشاريع الطاقات المتجددة، وتوفر الحكومة المغربية دعماً ماليا مباشرا للشركات التي تستثمر في إنتاج المكونات والتجهيزات المتعلقة بهذا القطاع عبر صندوق تنمية الطاقة، وتم إحداث منطقة صناعية متخصصة قرب مدينة وجدة شرق المغرب. إضافة إلى قرب افتتاح ثلاثة معاهد تكوين متخصصة في وجدة وطنجة وورزازات، بالإضافة إلى إنشاء معهد متخصص في مجال البحث العلمي في الطاقات المتجددة، والذي سيجمع كل الجهود التي كانت مشتتة في السابق في هيئات ومراكز البحث العلمي المختلفة في المغرب. ويسعى المغرب إلى تصدير الطاقة نحو أوروبا، فالتصدير يعتبر رافعة أساسية للتطوير، وتعمل الحكومة المغربية على إعداد إطار ملائم للجميع يأخذ بعين الاعتبار الوضع الحالي لقطاع الطاقات المتجددة، ومن أجل تعميق مجالات البحث في الطاقة المتجددة، فقد قامت الحكومة المغربية عام 2012 بإنشاء معهد البحث في الطاقات الجديدة وهو يهدف إلى تجميع وتكاثف جهود كل مراكز البحث الموجودة في الجامعات والمعاهد المغربية أو في الشركات والمؤسسات الصناعية، في مجال الطاقات المتجددة، والتنسيق بينها وتشارك تجهيزاتها وقدراتها من أجل تحقيق أكبر الفوائد. وتشترك في تمويل المعهد كل من وزارة الطاقة والمعادن والمجمع الشريف للفوسفاط ومجموعة مناجم والمكتب الوطني للماء والكهرباء والوكالة المغربية للطاقة الشمسية وعدة مؤسسات وشركات حكومية وخاصة. وفي 14 دجنبر 2013 وقعت الرباط اتفاقيات تمويل تسعة مشاريع بحث وتطوير في مجال الطاقات المتجددة لفائدة 16 شركة مغربية وأجنبية. وتشرف على هذه المشاريع تسع مجموعات بحث تضم باحثين من 38 مؤسسة جامعية مغربية. وستحصل المشاريع، التي جرى انتقاؤها في إطار طلب مشاريع قام به معهد البحث في الطاقات الجديدة، طبقا لهذه الاتفاقيات، على منحة حكومية بقيمة 33 مليون درهم (4 ملايين دولار). وتتعلق خمسة من هذه المشاريع بالطاقة الشمسية، ومشروعان بطاقة الرياح، بالإضافة إلى مشروعين يتعلقان بتحلية مياه البحر باستعمال الطاقة الشمسية. وهكذا نرى حجم الاهتمام الذي يوليه المغرب لسوق الطاقة المتجددة الناشئ. *كاتب من الإمارات ** البريد الإلكتروني: [email protected]