بعد 35 سنة من الانتظار في مستودع الأموات، جرت نهاية الأسبوع المنصرم، مراسيم دفن بحار بولوني، بالمقبرة المسيحية بآسفي، بحضور ممثلين عن السلطات المحلية بالمدينة وعناصر من المصلحة الولائية للشرطة القضائية. وتعود قصة هذا المواطن البولوني إلى سنة 1983 عندما قدِم إلى آسفي على متن إحدى البواخر التجارية الكبرى، وبعد بضعة أيام أصيب بمرض نُقل على إثره إلى مستشفى محمد الخامس، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة. وفي غياب أي أحد من أسرته واضطرار الباخرة التي كان يشتغل بها إلى مغادرة المياه المسفيوية، تعقدت مسطرة دفنه، خصوصا أن المراسلات التي بعثتها السلطات المحلية إلى القنصلية البولونية، بخصوص استكمال إجراءات الدفن اصطدمت بفشل السلطات بدولة بولندا في العثور على أي أحد من أفراد أسرة المتوفي. من هنا انطلقت رحلة البحث الطويلة والشاقة عن حل لدفن جثمان البحار المذكور. في البداية، تم نقل الجثمان صوب مستودع الأموات بمستشفى محمد الخامس بآسفي من أجل استكمال الإجراءات الطبية، وإجراءات الدفن، وهي المرحلة التي دامت قرابة 6 أشهر. بعد ذلك، تم نقل الجثمان نحو المقبرة المسيحية بحي المستشفى بآسفي بعد وضعها في تابوت خاص، إلا أن المسؤولين عن المقبرة رفضوا دفنها بسبب عدم استكمال جميع إجراءات الدفن، فتم التوافق على إيداعها في غرفة خاصة داخل المقبرة. الانتظار في هذه الغرفة دام بدوره 6 سنوات دون أن تجد السلطات المحلية بآسفي ومعها مساعي القنصلية البولندية مخرجا لإنهاء هذه الرحلة الطويلة والمتعبة لجثمان البحار "المجهول". فتقرر إرجاعه إلى مستودع الأموات التابع لبلدية المدينة، وهنا سيمكث طويلا إلى درجة النسيان. بعد هذه المدة التي دامت 29 سنة وتعاقب خلالها العديد من المسؤولين عن تسيير المدينة، ظل جثمان البحار في غرفة الانتظار الباردة دون أن تلوح في الأفق أي بوادر لإيجاد حل لهذه القضية الإنسانية. لكن مع بداية سنة 2018، تطوع مواطن مغربي يتحدر من آسفي، وحامل لوسام الجمهورية الفرنسية اعترافا بخدماته في العمل الجمعوي، من أجل إيجاد حل لهذه القضية التي عمرت أكثر من ربع قرن. لم تكن مهمة عبد العزيز المودن سهلة، فقد قام بتنسيق مع وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بآسفي، بإنجاز مختلف الوثائق المرتبطة بعملية الدفن، وتطلب منه ذلك وقتا كبيرا ومضنيا وتنقلا مستمرا بين آسفي والرباط وبولونيا. فكان الفرج، يوم الخميس الماضي، عندما تم نقل جثمان البحار "المجهول" إلى مثواه الأخير، بالمقبرة المسيحية بمدينة آسفي، حيث تمت مراسيم الدفن بحضور ممثلين عن السلطات المحلية بالمدينة وعناصر من المصلحة الولائية للشرطة القضائية.