تشهد العديد من مناطق عبدة إقليم أسفي، خلال شهر ربيع الأول، الذي تخلد فيه ذكرى عيد المولد النبوي الشريف، نشاطا ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا يتمثل في إقامة مجموعة من المواسم، تأتي وفق التعدد الخاص بالزوايا الموجودة بالإقليم، إضافة إلى تعدد إرثها الثقافي الذي يمزج مجموعة من الثقافات بشكل أضفى على الوعاء الثقافي العبدي نوعا من التميز. جانب من حضرة عيساوة (خاص) أثتت هذه المواسم فضاءاتها بشكل كبير الطريقة العيساوية بطقوسها وعاداتها في محطات مختلفة، كموسم الولي الصالح عيسى المخلوف الموجود بثمرة قرب جمعة اسحيم، والموسم الثاني يقام بزاوية الهادي بنعيسى، بدوار لبرانكة بجماعة حد احرارة. وبخصوص الولي الصالح عيسى المخلوف، فقد تضاربت حوله التعاريف، وأسندت إليه بعض الأنساب، بحيث لا يعرف عنه شيئ، خاصة ما يتعلق بتربيته وتكوينه، ورجال التصوف الذين أخذ عنهم. وكل ما يمكن الاستئناس به في الحديث عن الولي الصالح عيسى المخلوف هو ما وجد من روايات متناثرة غير مؤكدة، تقول إنه جد الشيخ الكامل بمكناس، وإما انه من معاصري شيوخ التصوف الأوائل، وخاصة الطريقة العيساوية في المغرب. أما الموسم الثاني فينعقد بزاوية الهادي بنعيسى، بدوار لبرانكة بجماعة حد احرارة، إذ يجد الزائر للمكان نفسه في ضريح خال من أي تابوت أو علامة تدل على أن المكان كان فعلا مقام الهادي بن عيسى دفين مكناس. كما تشهد الزاوية الأصلية لعيساوة الموجودة خلف أسوار مدينة آسفي العتيقة، نشاطا مماثلا، بحيث تعرف هذه الزاوية العتيقة إقبالا متزايدا في إقامة بعض الطقوس نهاية كل أسبوع، خاصة أن المكان له جذور تاريخية، وتجتمع هذه المواسم التي تقام بآسفي حول قاسم مشترك واحد هو حضرة عيساوة، التي تعرف توافد عدد كبير من الزوار و مريدي الطريقة العيساوية من مختلف مناطق الإقليم، وخاصة بهذا الشهر لاقترانه بمؤسس الطريقة، محمد بنعيسى، الملقب بالشيخ الكامل. وتشكل هذه المواسم نقطة تحول ببعض المناطق بآسفي، بحيث تدخل في حركية اقتصادية من خلال نصب الخيام التجارية، يعرض فيها أصحابها مختلف السلع و المنتوجات الحرفية، ومن عادة سكان منطقة عبدة وزوارها في هذه المناسبة التسوق وشراء ما يلزم من السلع المعروضة بأسعار في متناول الجميع، كما يتم تخصيص خيام أخرى كمطاعم شعبية متخصصة في بيع اللحوم المفرومة، وينال الأطفال حظهم من الموسم من خلال الاستفادة من آليات اللعب التي تنصب بالقرب من الزاوية. ويطبع الظاهرة في عمومها، حسب العارفين بفن التصوف، جو احتفالي مرتبط بالطقوس و الشعائر الدينية، بحيث صارت راسخة في ذاكرة المقيمين على مكان الزوايا وزوارها منذ قرون خلت إلى اليوم، توارثتها أجيال وإن كانت قد شابها العديد من الشوائب التي أساءت إلى جوهر الطريقة العيساوية الأولى، التي عرفت حسب العديد من الباحثين في الثرات، تحولا عميقا في فهمها وتأدية طقوسها. وتشير بعض الأبحاث إلى أن الرواد الأوائل كانوا يقضون ليالي فترة العيد داخل الزوايا، مجتمعين للذكر وتلاوة القرآن، وقراءة الورد مع إطعام الفقراء المحتاجين في جو من الخشوع، وكان ذلك كله يتم عبر ممارسة شفوية مبتغاها الأساسي هو الاستفادة من كرامة الشيخ الكامل. وكانت ليالي عيساوة مجالا للحضرة، خاصة عندما يتحلق المريدون وهم يرتدون ثيابا صوفية بحثا عن الصفاء والارتقاء. أما اليوم، تضيف الأبحات نفسها، فقد أصبحت الفرق العيساوية ومريدوها تشكل لوحات فنية داخل فضاء فسيح، وعلى شكل هندسي معين، حيث تؤدى الأناشيد والألحان بالاعتماد على دقات بواسطة آلة البندير، والطبل، الدف، وعبر أداء جماعي ولحن انفرادي، وقد يتخلل هذه الإيقاعات والأهازيج بعض الحركات من تقاليد الطريقة العيساوية، التي تعود إلى تقاليد صوفية أو إلى بعض الممارسات الشعبية المتجذرة، يختلط فيها الإيمان مع طموح إظهار صفات الشجاعة وقهر الطبيعة. ويشتهر شعبيا عن هذا النسيج الموسيقي أن له وقعا خاصا على المستمعين، الذين قد يحدث عند بعضهم انفعال خاص، وأن له مؤهلات استشفائية لبعض الأحوال النفسية، كما يعتقد أن له طموح إلى التعامل مع أرواح العالم غير المرئي. وإن كان كل هذا لا يعتبر شيئا أصيلا في عالم الروح والتصوف فإنه مع ذلك أكسب شهرة شعبية واسعة لفرق الطائفة العيساوية، وجعل بعضها يبحث في سبيل تنقية الممارسة للتقاليد.