شكل المغرب عبر التاريخ فضاء جذب للكثير من الوافدين عليه، فهناك من اتخذه محطة انطلاق نحو فضاءات أخرى، وهناك من فضل الإقامة فيه. وتحتفظ ذاكرة أزقة ومقاهي وفنادق أشهر المدن المغربية، مثل طنجة، ومراكش، وفاس، والصويرة، بسجلات كاملة عن العديدة من الشخصيات الأجنبية المعروفة على خطى المشاهير، ريدلي سكوت، وإيف سان لوران، وماجوريل، الذين عشقوا المغرب، تماهى الممثل العالمي، آلان دولون، بمراكش، وسكنته وسكنها، إلى درجة أنه اشترى منزلا بسيدي ميمون قرب فندق المامونية الشهير، وأقام فيه مدة 15 سنة قبل أن بيعه. في اعترافاته لأحدى الجرائد الفرنسية، قال دولون إنه يفضل قضاء أوقاته في مراكش، خصوصا في فندق المامونية، مشيرا إلى أنه أن عشقه لمراكش يعود إلى مراحل مبكرة، مذكرا بحبه الكبير لمعالم هذه المدينة الساحرة، التي نسج مع أبنائها علاقات صداقة، قبل أن يغادرها، لأسباب عائلية. كما أكد الممثل الفرنسي الشهير حبه للمغرب من خلال مواقفه الإيجابية من قضيته الوطنية وقضية المغاربة المحتجزين بمخيمات تندوف، معبرا غير ما مرة عن رغبته، في مساعدة هؤلاء المغاربة لاستعادة حريتهم والعودة إلى الوطن الأم. عشق دولون أزقة مراكش الضيقة، وساحتها الشهيرة "جامع الفنا" التي استهواه صخبها، كما أشار لذلك أكثر من مرة، كما عشق الأطباق التقليدية المراكشية، والأهازيج الشعبية التي تنعش ليالي مراكش الفنية. عشقه للمدينة الحمراء جعله يحضر مهرجانها السينمائي، الذي كرمه ومنحه النجمة الذهبية. ولد دولون عام 1935 في إحدى ضواحي باريس، وعاش طفولة قاسية، وازدادت ظروفه تعقيداً، ما عزز صورته كفتى عنيد وصعب المراس، وساهم في زرع روح التمرد في أعماقه، وبعد أدائه الخدمة العسكرية، وكان نصيبه الخدمة في مجموعة المظليين التابعة لقوات سلاح البحرية، وأدى قسما منها في الهند الصينية، خلال الحرب الشهيرة، التي أدت في النهاية إلى انسحاب فرنسا من فيتنام بعد معركة "ديان بيان فو" الشهيرة عام 1954. لم يخطر ببال دولون بعد تسريحه من الخدمة العسكرية بسبب عدم انضباطه العسكري، أنه سيصبح نجما سينمائيا عالميا في يوم من الأيام، لكنه وبإصرار منقطع النظير، وبسبب وسامته وطول قامته وقوامه الرياضي، والأهم مؤهلاته للتمثيل صار نجما عالميا بعد أن التقى مع مكتشف المواهب الأميركي الشهير هنري ويلسون، واجتاز دولون اختبار التمثيل بنجاح، لكنه فضل البقاء في فرنسا ولم يذهب إلى هوليوود. توالت نجاحاته، ما جعله أوسم ممثل على الشاشة الفضية، وألمع نجوم السينما الفرنسية في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وبالتالي أصبح مرشحا مثاليا لأداء دور العاشق، ودور الوغد أو القاتل المأجور، وكذلك دور محقق الشرطة الصارم. اتسمت علاقاته العاطفية بعدم الاستقرار، إلا أنها تميزت بعلاقتين رئيسيتين، الأولى مع النجمة الراحلة رومي شنايدر والثانية مع الممثلة ميراي دارك، وكما قال أحد أصدقائه فإن دولون يمتلك كل المواهب إلا موهبة السعادة، وبرأيه فإن النجاح هو طريقة ما في إعلان الحداد على السعادة. أصبحت صورة آلان دولون خالدة في الأذهان من خلال أعماله الفنية التي تجاوزت المائة، أدى أدوار البطولة في 85 فيلما سينمائيا في فرنسا وخارجها، بالإضافة إلى أربعة أعمال تلفزيونية من أفلام ومسلسلات وخمس مسرحيات، كما زينت صورته عددا من أشهر ألبومات نجوم الروك، إذ هيمن "الملاك الشرير" كما وصفه بعضهم على السينما الفرنسية والأوروبية خلال الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين بجاذبية لا تقاوم وشخصية نرجسية غامضة وكاريزما قوية، وخلال نصف قرن من الزمن حقق حضورا قويا على الشاشة، لم يتح إلا لممثلين قلائل إلى يومنا هذا. شارك مع مشاهير هوليوود في أفلام كثيرة مثل عمر الشريف، وبيرت لانكستر في فيلم "الفهد" وأنتوني كوين في فيلم "الفرقة المفقودة" وتشارلز برونسون في فيلم "وداعا يا صديقي"، وصولا إلى نجوم الشاشة الفرنسية جان غابان في فيلم "رجلان في المدينة"، ولينو فنتورا في فيلم "عصابة الصقليين"، وموريس رونيه في فيلم "حوض السباحة" و"شمس ساطعة"، كما شكل ثنائيا رائعا مع النجم المشاغب جون بول بلموند، الذي عشق بدور المغرب وكان يتردد كثيرا على زيارة الدارالبيضاء، وعلى عكس بعضهم، فقد عمر دولون فنيا أكثر منهم، وعقب اعتزاله للسينما عام 2000، عاد في عام 2003 ليعلن إمكانية عودته إليها، وسجل حضورا جديدا على الشاشة الفضية عام 2008 بشخصية يوليوس قيصر في فيلم بعنوان "استيريكس وأوبليكس" إخراج فريدريك فوريستيير وتوماس لانغمان، أما آخر أفلامه، فهو "الدائرة الحمراء"، وهو نسخة جديدة عن فيلم بوليسي فرنسي كلاسيكي. ولعل أشهر مشهد في الفيلم هو عملية السرقة، التي استغرقت نحو 30 دقيقة، ودولون هو الممثل الوحيد المكرر من النسخة السابقة للفيلم. إن جاذبية آلان دولون لا تتوقف عند وسامته، لكنه ممثل موهوب في عالم السينما، فهو يستطيع التعبير بعينيه في دقائق قليلة أكثر مما ينطق به معظم الممثلين في ساعتين من الحوار.