يسابق قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بفاس الزمن، من أجل فك لغز اختطاف وقتل الطفل ياسين (سنة واحدة و10 أشهر) من مدينة تاونات. وهي الجريمة التي يعود تاريخ ارتكابها إلى نهاية الأسبوع الماضي، حيث لم تكن عائلة "باجو" المقيمة بمدينة تاونات تتوقع أن تنتهي رحلة أم الطفل إلى مسقط رأسها بدوار"سكور" بفقدان فلذة كبدها، فقد اختطف، في غفلة منها، قبل العثور على جثته، بعد ثلاثة أيام، بمنطقة خلاء وعرة بأحد منحدرات جبال المنطقة. استفاقت الأم في الصباح الباكر للسفر من مقر سكن أسرتها الصغيرة بدوار أسطار بوسط مدينة تاونات، نحو مسقط رأسها بدوار "سكور" بجماعة فناسة باب الحيط بإقليم تاونات، فجمعت كل أغراضها وكل ما يمكن أن تحتاجه لنفسها ولابنها خلال مقامها عند عائلتها بالبادية. اختارت الأم أن تكون رحلتها إلى دوار العائلة قبل بزوغ أشعة يوم جديد لوقاية ابنها من ضربات الشمس، فدرجة الحرارة مرتفعة جدا خلال هذه الأيام مع بداية فصل الصيف. استقلت الأم رفقة ابنها سيارة للنقل السري متوجهة إلى دوار العائلة، بعد أن ودعها زوجها وأوصى السائق بها خيرا، كما أوصاها برعاية ابنهما والانتباه إليه حتى لا يصاب بمكروه، طمأنت الأم زوجها، وطلبت منه أن يكلمها، بين الفينة والأخرى، للاطمئنان على بعضهما البعض. لم تمر سوى أقل من ساعة واحدة، حتى وصلت الأم رفقة ابنها إلى منزل والديها، ومع وصولها إلى الدوار وجدت يد أمها تمتد إليها وتعانقها بحرارة وتسارع إلى احتضان حفيدها طالبة من الله أن يبارك فيه ثم دلف الجميع إلى داخل المنزل. وبعد أن استرجعت أم الطفل أنفاسها، نهضت واتجهت نحو المطبخ للقيام بالأشغال المنزلية ولإعداد وجبة الغذاء لإخوانها الذين يوجدون بالحقول لجمع المحصول الفلاحي، أما طفلها ياسين فقد استهوته أجواء الدوار وذهب للعب اللعب قرب باب منزل جده منتشيا بهذا العالم الجديد الذي يختلف عن عالم مدينة تاونات. كان الطفل يلعب بحبور وهدوء قرب منزل جده، وفي يده قصبة يرسم بها على التراب ويلوح بها إلى السماء، وكانت أمه تخرج، بين الفينة والأخرى، من مطبخ المنزل لتراقب ابنها ولتطمئن عليه، قبل أن تلمح فجأة ابن جيرانهم الشاب (م.غ) البالغ من العمر 32 سنة وهو يدنو من طفلها معربا عن سعادته به وبدأ يقبله ويكلمه. اعتبرت الأم أن طفلها في أياد أمينة ولا داعي لأن تقلق عليه، ما دام في عهدة هذا الشاب الذي هو ابن الجيران، وتفرغت للعمل بالمطبخ وهي مطمئنة على سلامة ابنها. بعد لحظات، انتبهت الأم أنها لم تعد تسمع حديث ابن الجيران مع ابنها، كما لم تعد تسمع فلذة كبدها، الذي يتلعثم بين الفينة والأخرى بكلمات مفهومة وأخرى غير مفهومة. بحثت الأم ووالدتها عن الشاب وعن ابنها فلم تجد لهما أثرا، وأسرعت مهرولة تبحث عنهما في كل الاتجاهات، حتى وجدت ابن الجيران جالسا بمنبع مائي قرب الدوار، فسألته عن ابنها فأنكر أية معرفة له بمصيره، فشكت في أقواله وارتابت في أن يكون قد اختطف ابنها وأدخله إلى منزل عائلته وقد يكون فعل به مكروها، فاقتحمت منزل الجيران دون أن تعثر على أثر للطفل. حملت الأم ابن الجيران مسؤولية اختفاء طفلها لأنه كان بعهدته، فرد ابن الجيران بإطلاق قهقهات وعبارات الاستهزاء من الأم التي كان قلبها يعتصر خوفا على مصير ابنها، علا صراخ الأم في وجهه وهددته بإبلاغ الدرك. بحثت الأم وعائلتها وسكان الدوار في كل مكان، طيلة يوم الاختفاء إلى أن بزغت شمس اليوم الموالي، دون أن يعثروا على أي أثر للطفل. ومع مرور الوقت، بدأت الأسرة تفقد الأمل في العثور على الطفل المفقود، فتناسلت التفسيرات حول هذا الاختفاء. بعد أن فقدت الأسرة الأمل في العثور على ابنها المفقود، بادرت، في اليوم الموالي، إلى إبلاغ عناصر المركز الترابي للدرك الملكي بطهر السوق، التي انتقلت على الفور إلى الدوار، واعتقلت الشاب ابن الجيران للتحقيق معه، قبل أن تطلق سراحه لغياب أدلة مادية تدينه باختطاف الطفل ياسين، في حين واصلت الأم وأفراد عائلتها البحث في كل مكان، لثلاثة أيام متتالية دون جدوى. بعد بحث مضن عن ياسين، تواصل على مدى ثلاثة أيام، عادت أسرته إلى مدينة تاونات، وقد بدأت تفقد الأمل في العثور عليه، فالكل أصبح شبه متيقن أن الطفل اختطفته جهة ما إلى خارج المنطقة وربما نقلته إلى مكان بعيد، فبعد إجراء "مسح" على محيط منزل الأسرة بدوار "سكور" بحثا عن الطفل، قررت العائلة "تسليم" قدرها إلى الله، لعل مفاجأة سارة تنقل لها خبر العثور عليه حيا حتى تجعل محنة العائلة كابوسا من الماضي، امتلأ منزل الأسرة بتاونات بالمؤازرين، ورفعت أكف الدعاء إلى الله أن يعيد الطفل ياسين سالما إلى أسرته المكلومة. بعد ثلاثة أيام، تلقى مقدم الدوار مكالمة هاتفية مجهولة تخبره أن جثة الطفل توجد بسفح أحد جبال منطقة الجماعة القروية فناسة باب الحيط بإقليم تاونات، وهو الجبل المسمى بقلب الصفوف قرب دوار اليونان البعيد بثلاث ساعات مشيا على الأقدام عن دوار "سكور"، الذي اختطف منه الطفل. وقد وصل خبر العثور على جثة الطفل إلى أفراد أسرته كالصاعقة، انتحبت النساء وبكى الرجال حسرة على فقدان قريبهم وطلبوا من الله أن "يأخذ الحق في الفاعل". انتقلت الشرطة العلمية والطبيب الشرعي من مدينة فاس على وجه السرعة إلى مكان العثور على جثة الطفل، فور توصلهما بإشعار من النيابة العامة للقيام بالمتعين في الأمر، رفقة كلب بوليسي متدرب لتتبع "رائحة" القاتل والوصول إليه. لدى وصول فريق الشرطة العلمية إلى مكان الجثة رفقة مقدم الدوار وبعض سكان المنطقة، وقف الكل مصدوما لهول هذا الفعل الإجرامي الشنيع. تبين من المعاينة الأولية لجثة الطفل، أنه جرى فقء عينيه فيما لم تظهر عليه جروح أوكدمات، ما يرجح فرضية تعرض الطفل للشنق على يد قاتله. أكملت الشرطة العلمية رفقة الكلب البولسيي عملها في البحث عن أي خيط يوصلها إلى الجاني، تتبعت خطوات الكلب الذي هام في الجبال وفي الوديان متتبعا الطريق الذي سلكه الجاني أو الجناة، تواصلت عملية البحث من الثالثة بعد الظهر إلى غاية الثامنة ليلا، فجأة توقف الكلب أمام (ع.ع) شخص بدوار "حماطة" الأكثر بعدا عن دوار "سكور"، فجرى اعتقال هذا الشخص واتجه الجميع نحو دوار "سكور" لاعتقال المتهم الأول ابن الجيران. وتبين من فحص هواتف الشخصين أنه جرت بينهما عدة مكالمات هاتفية بالتوازي مع اختفاء الطفل ياسين، واقتيد الشخصان في حالة اعتقال قصد التحقيق التفصيلي معهما بغرفة الجنايات لدى استئنافية فاس، فيما نقلت جثة الرضيع إلى مشرحة الطب الشرعي بفاس، قبل دفنه الثلاثاء الماضي، بمقبرة أسطار بمدينة تاونات. ركز قاضي التحقيق بقسم الجنايات بمحكمة الاستئناف بفاس في بحثه مع المشتبه بهما، وهما الشاب ابن الجيران (م.غ)، عازب من دوار "سكور"، وصديقه (ع.ع) متزوج وله ابن واحد من دوار "حماطة"، كلاهما في الثلاثينيات من عمرهما، على الأدلة التي يمكن أن تدينهما، ومن بينها اختفاء الطفل ياسين لحظة وجوده برفقة المتهم الأول، وشم الكلب البوليسي لرائحة جمعت الضحية بالمتهم الثاني، ما يعني أن هذا الأخير لمس الضحية قيد حياته أو لدى قتله، كما أن المكالمات الهاتفية التي جمعت المشتبه بهما لحظة اختفاء الطفل قد يكون لها علاقة باختطافه وقتله، فضلا عن أن التحريات الأولية أثبتت أن ابن الجيران له عداوة مع خال الضحية. وتبقى جميع الاحتمالات واردة حول هوية مرتكبي هذا الفعل الشنيع ودواعي إقدامهما عليه، فقد تكون بدوافع انتقامية أو بدوافع أخرى مرتبطة، مثلا بأعمال السحر والشعوذة كالبحث عن الكنوز المدفونة في أعماق الأرض.