في رمزية تعلو وتهبط، يُحب سكان مدينة سطات خصوصا، وجهة الشاوية عموما، رفع رؤوسهم عاليا، وهم يُتمتمون "شايلاه آبويا الغليمي..." في إشارة صريحة أو مجازية إلى متخيل جماعي، ديني وثقافي، جمع أهالي سطات منذ القرن السادس عشر ميلادي (وربما قبل ذلك بكثير) في تجمع نواة، بعدما كانت مَعْبرا لا يلتفت إليه إلا العابرون الباحثون عن الوصول إلى مراكش ذهابا وإيابا في أمان. كانت هناك دواوير متفرقة من الشجعان يواصلون ضخّ الحياة في تلك الفيافي الخصبة إلى أن أصبحت تجمُّعا يسمى سطات، في نقطة آمنة وسط عيون مياه عذبة وكثيرة، وأمر السلطان المولى إسماعيل ببناء قصبة، وتكاثرت حولها النزالات ثم الأولياء، وأشهرهم، في ما بعد، سيدي الغليمي وسيدي بوعبيد، ثم آخرون هنا وهناك ممن تأبطوا كراماتهم وتقواهم، وابتعدوا عن السلطة والفساد، الذي طبع عصورا لا تهدأ مدا وجزرا. ومثل أغلب المدن المغربية، التي أصبح لها شأن على الخريطة، عرفت سطات، منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عددا من الأحداث، ثم يأتي القرن 20 وما عرفته من ويلات الاستعمار، والدور المهم الذي بذله أهلها، سواء من رجال ونساء أهالي المزامزة وأولاد سعيد وأولاد بوزيري، وأولاد سيدي بنداود، وقبائل امزاب والمذاكرة وأولاد حريز ... موقع استراتيجي ما يميز سطات أنها عاصمة الشاوية، وعرفت، منذ الاستقلال حتى الآن، عدة تقسيمات، تحكمت فيها الأهواء السياسية /الانتخابية والأمنية، وبعدما كانت مركزا إداريا لكل الشاوية، ها هي، ومنذ سنوات قليلة بدأت تفقد نفوذها ويتقلص دورها بعد اقتطاع أجزاء منها وضمها إلى مدن أخرى يجري إنشاؤها، وكأن الأمر يتعلق باستقلال دويلات عن إمبراطورية سطات. تقع سطات في قلب قبائل المزامزة على مساحة حوالي 3000 هكتار، أصبحت مع التوسع الأخير 6000 هكتار يقطنها حوالي 120 ألف نسمة، حسب آخر إحصاء. أما مؤهلاتها الطبيعية والجغرافية والاقتصادية، فبالإضافة إلى كونها تمتلك أجود الأراضي الفلاحية لإنتاج الحبوب والقطاني، فإنها عاصمة جهة الشاوية ورديغة، بها جامعة الحسن الأول، التي تتفرع عنها عدد من المؤسسات العلمية ذات الصيت الذائع. كما لسطات موقع مهم على خارطة الشبكة الطرقية والطرق السيارة والسكك الحديدية بين محاور الدارالبيضاء ومراكش، وشمال المغرب وجنوبه، وجعلها قربها من الدارالبيضاء (45 دقيقة) ومن مطار محمد الخامس الدولي فضاء استراتيجيا للاستثمار، حيث توجد اليوم منطقة صناعية مهمة، قرب السوق وبمنطقة تامدروست. كما جعل تصميم التهيئة الجديد 2010/2011 توسيع المدينة في كل الاتجاهات هدفا له، ما شجع بعض كبريات المقاولات في التعمير على الاستثمار، بفتح مناطق عمرانية جديدة (المنظر الجميل 130 هكتارا، وفي الجنوب الغربي للمدينة 400 هكتار، بالإضافة إلى 135 هكتارا كتعبئة للوعاء العقاري الخاص بالمنطقة الصناعية، فضلا عن توسيع مجال إنشاء مؤسسات جديدة للبحث العلمي والتكوين بإحداث كلية الطب ومركز استشفائي جامعي ومعهد دولي للسياحة). كل هذه المعطيات الأولية تعد رهانا يشجع على اكتشاف خلق مدينة سطات الحقيقة مفقودة تحت أنقاض اللامبالاة والإهمال، فلا أحد ينكر اليوم الإمكانيات الطبيعية والمستقبل، الذي ينتظر المدينة ومحيطها، فهي على المستوي الأمني هادئة وآمنة، وذات مناخ صحي، أهلها طيبون لهم طموح للأفضل، لكن في أنفسهم ضيم كبير بأن مدينتهم مهملة – عن قصد أو غيره – متروكة لمصيرها، لم يشفع لها تاريخها الاقتصادي، ولا النضالي خلال المائة سنة الأخيرة. ثروات طبيعية سطات اليوم في حاجة إلى مجهودات خارقة للنهوض بتنميتها، وجعلها قطبا حقيقيا، له خصوصياته، فهي تمتلك ثرواتها الطبيعية وموقعها الجغرافي ومناخها الصحي وثروة بشرية استثنائية من أطر عليا في كافة التخصصات العلمية والمعرفية ، داخل المغرب وخارجه، دون أن تكون للمسؤولين محليا أو وطنيا، خطة للاستفادة من خِبراتها ومعارفها، وهذا الأمر بات ضرورة استراتيجية لتأهيلها على كافة المستويات وربطها بعقلها، وبالتالي بكل المستجدات، كما تحتاج المدينة إلى جمعيات حقيقية تعمل على مشاريع واضحة وكبرى وليس إلى مهرجانات موسمية باذخة لا أفق لها. الأمر نفسه يقال على الجانب الرياضي، فبلع سوء التسيير والتدبير وغياب الأفق أن غابت العديد من الرياضات وتحول الرمز الرياضي للمدينة (فريق النهضة السطاتية) بعدما كان فريقا كرويا كبيرا، إلى نكتة في الرياضة الوطنية، وهو الآن يقبع في قسم الهواة، وربما بعد سنوات قليلة لن نسمع به، ويتحول الملعب البلدي إلى مجرد ذكرى لفريق كان وقضى.. أسئلة محيرة مَنْ وراء تدمير كل شيء جميل بالمدينة؟ لماذا لا تملك متحفا أو إطارا يجمع كل الإرث الثقافي للمجتمع الشاوي عبر العصور؟ من يسعى إلى بذر الجحود والنسيان، فلا شوارع تحمل أسماء رجالات المدينة أوالشاوية عموما، من كبار المجاهدين والعلماء؟.. إن المدينة، اليوم، في حاجة إلى مُراجعات جذرية في كل شيء لنفض الغبار عن الهوية التي تستحقها، لأنها المخرج من أزمة حقيقية تعيشها، عبر مشاريع كبرى تكون قاطرة التنمية، تربط سطات بمحيطها من القبائل المشكلة لها والمفتوحة عليها (المزامزة، أولاد سعيد، أولاد سي بنداود، أولاد بوزيري)، بخلق مشاريع صغرى فلاحية أو مرتبطة بالفلاحة وإنجاز الطرق المعبدة، فكيف يعقل -على سبيل المثال - أن تبقى طريق رئيسية بين سطات ورأس العين عبر قبائل السكوريين- العراعير غير معبدة وتنتظر لعقود عديدة دون أن يلتفت إليها أحد، خصوصا أن هذه القبائل الموجودة على مرمى نظر من سطات، وهي مؤهلة لأن تكون متنفسا عمرانيا في المستقبل القريب وتمد المدينة باليد العاملة، وبعض المنتجات الزراعية الموسمية. إن قبائل المزامزة، جميعها، هي قلب المدينة، والضرورة تقتضي الالتفات إليها والبحث عن حلول لمشاكلها من خلال خلق بنيات فاعلة في الصحة والتعليم والتكوين والطرق، وأيضا محاربة كل السماسرة الذين عاثوا في البلاد فسادا وساهموا وما زالوا يشجعون البناء العشوائي (دوار الحفاية مثلا)، فمن يحمي أهل المزامزة الذين استرخصوا أرواحهم وأملاكهم دفاعا عن المدينة قبل مائة سنة إبان دخول الاستعمار الفرنسي؟ كما ساهموا وما زالوا، منذ الاستقلال حتى الآن، في جعل المدينة مكتفية في أمنها الغذائي واليد العاملة، فمن يحميها من السماسرة، اليوم، ممن يسطون على الأراضي، ويبحثون عن كل أساليب النصب لسرقة الفلاحين البسطاء، دافعهم الجشع وخلق أحياء ودواوير عشوائية تزيد من تأزيم الواقع العمراني وتعرقل "مسلسل التنمية". في مفترق الطرق سطات اليوم في لحظة فارقة.. إما أن تدخل عهدا جديدا من الحداثة في التسيير المعقلن والانفتاح على الطاقات المحلية والجهوية والارتباط الفعلي بمحيطها بقبائل المزامزة والاتحاد على محاربة السماسرة والضرب على أيدي كل المتلاعبين، أو سيكون مصيرها مثل مصير فريقها الكروي... مدينة سطات اليوم في حاجة إلى هوية جديدة تُلائم خصوصيتها، وإلى عقلية متفتحة تتجاوز مخلفات الماضي السلبية بتنمية الإيجابيات والقيم المتراكمة، فبعد اليوم، مصير سطات أن تكون أو لا تكون!!