تختار فئة من الشباب، خلال العطلة الصيفية، طريقا آخر غير الذي يسلكه الأغلبية، المتمثل في تخصيص معظم أوقات العطلة للهو، واللعب، والسفر، وغيرها من الأمور. ويتجلى هذا الطريق في امتهان نشاطات تدربهم أكثر على تحمل المسؤولية، وتساهم في إنضاج شخصيتهم، كما أنها تقودهم نحو الابتعاد عن كل ما يمكن أن يؤثر على مسارهم في الحياة. ويمكن القول إن هذه الظاهرة أضحت سمة مكملة لشخصية الشباب والفتيات، وتضفي نوعا من المرح والنضج المطلوب، وهو ما دفع بعضهم إلى تفويت فرصة السفر في العطلة الصيفية فقط ليبقى عاملا، ويكتسب خبرة مهنية تضيف إلى شخصيته، في نظر الأسرة والمعارف، أكثر مما تضيف إلى جيبه. تقول رشيدة تاج الدين، طالبة، "لا يمكنني أن أقضي العطلة كاملة في الترفيه إلى ما غير ذلك"، مشيرة إلى أنها "تبحث في عدد من المجالات، سواء من خلال ملء وقت فراغها في العطلة بالعمل في وظائف مؤقتة، أو القراءة، أو القيام بأعمال تطوعية". وذكرت رشيدة تاج الدين، في تصريح ل "المغربية"، أن "هذه ليست السنة الأولى التي تقضي فيها عطلتها بهذا الشكل"، مبرزة أنها "تكتفي بقضاء 10 أيام في إحدى المدن، رفقة أسرتها، قبل أن تنخرط في الأعمال الجمعوية، والعمل في إحدى الوظائف المؤقتة". من جهته، قال حبيب الفضل، طالب، إن العمل في الصيف ساعده كثيرا في تكوين شخصيته، وجعله يتحمل المسؤولية ويعرف بقيمتها في سن مبكرة، موضحا أن "الأمر لا يتعلق فقط بالجانب المادي، بل بأمور أخرى أكثر أهمية، كما أن ملء الفراغ بأشياء مفيدة يجنب الشباب السقوط في أوحال الانحراف، الذي يدمر نسبة كبيرة من الشباب يوميا". وأكد حبيب الفضل، في تصريح ل "المغربية"، أنه "منذ خمس سنوات وهو يعمل في الصيف، ويستفيد فقط من يوم عطلة يقضيه غالبا، رفقة أصدقائه، في الشاطئ"، مؤكدا أنه ليس نادما على اختياره، لكونه استفاد كثيرا من هذه التجربة التي ستنعكس بشكل إيجابي على مستقبله في الحياة. وتنبع أهمية العمل، خلال العطلة الصيفية، بالأساس، من الدور الذي يلعبه في إيجاد صلة وثيقة بين الشباب وبين سوق العمل، التي يؤدي اقتراب الشاب المبكر منها إلى تعرفه على طبيعة ما يجري بها وتوعيته بالصورة الحقيقية، التي تكون عليها علاقات العمل. ولهذا كله يجب علينا أن نقوم بتدريب الشاب على ممارسة بعض الأعمال البسيطة، خلال الصيف، لتنمية قدراته ومواهبه وتفجير طاقاته . ويرى باحثون اجتماعيون أن "العمل بالنسبة للشباب يلعب دورا كبيرا في "صقل شخصيتهم وتنمية إبداعاتهم"، مشددين، في الوقت نفسه، على "ضرورة تنظيم الوقت حتى لا تنعكس الأعمال المرهقة على صحتهم ونفسيتهم، علما أنهم يكونون مقبلين على سنة دراسة جديدة تكون حافلة، وتحتاج إلى تركيز أكبر". وأكد باحثون في جامعة كاليفورنيا، أخيرا، أن "المنضبطين والمصممين على تحقيق هدف معين أكثر سعادة من غيرهم، ويميلون للعيش حياة أكثر استقرارا بعيدا عن المخدرات، والكحول، والمجازفات، ما يساهم في تمتعهم بصحة أفضل". كما أكدت الدراسة أن معدل الوعي لدى المرء يلعب دورا في مسألة الوفاة، باعتباره عاملا مؤثرا في المخاطر الطبية والثروات. وأشارت الدراسة نفسها، التي نشرت في مجلة (الصحة النفسية)، إلى أن "كون المرء موجها، ومثابرا، منظما، ويحب تحقيق إنجاز معين، فهي العوامل الأكثر أهمية في حياته". يذكر أن الفراغ يصرف اهتمام الصغار والمراهقين إلى ارتكاب بعض الأخطاء في حياتهم يصعب ملاحقتها ومعالجتها مستقبلا، وهو أمر يجب أن يفطن له الناس بتدبير كل جزئياته وتفاصيله باستغلاله في ما يعود بالنفع عليهم.