أطلقت دار النشر "الفنك"، أخيرا، سلسلتها تحت عنوان "أبستراكت"، التي كرستها للتعريف بعطاء وإبداع الفنانين التشكيليين المغاربة، وأيضا الفنانين الذين لهم روابط مع المغرب إذ خصصت أول مؤلف لهذه السلسلة، التي يديرها الفنان التشكيلي المعاصر، ومحمد رشدي، ومديرة قاعة للعروض التشكيلية، سيلفي بلحسن، للفنان التشكيلي المغربي الراحل محمد دريسي، الذي فارق مرسمه إلى الأبد، صيف 2003، إثر أزمة قلبية فاجأته في عاصمة الأنوار. حمل المؤلف عنوان "محمد دريسي الجسد/ الفضاء"، وتضمن كتابات لعدد من الفنانين والكتاب المغاربة والأجانب، إلى جانب شهادات لمقربين من محمد دريسي، أبرزها شهادة زوجته، ماريا دريسي. وقالت ليلى الشاوني، صاحبة دار النشر "الفنك"، إن سلسلة "أبستراكت"، التي ندشنها بتقديم واحد من الفنانين التشكيليين المغاربة هي مؤلف جماعي، إذ كل واحد من المساهمين في إنجاز هذا المؤلف تناول إبداعات محمد دريسي من زاوية معينة، في العلاقة مع الجسد كتيمة رئيسية في لوحات هذا الفنان. وأكدت الشاوني، في لقاء نظم برواق "نظر"، ورافقه معرض للوحات دريسي، أن السلسلة ستصدر ضمنها مؤلفات أخرى، تعرف بشخصيات أبدعت في عالم الفن التشكيلي المغربي، مبرزة حرص مؤسستها على أن تجمع الكتب، التي ستصدر ضمن هذه السلسلة، بين جمالية شكلها، وصرامة وجدية مضمونها، والالتزام بإعطاء نظرة أفضل حول المناهج والأساليب الفنية. يستحضر مؤلف "محمد دريسي الجسد/ الفضاء" حياة مبدع كرس حياته للإبداع، وجعل الجسد يستحوذ على غالبية لوحاته. وفي اللقاء الذي نظم لتقديم الكتاب، قال جون فرانسوا كليمونت، الأستاذ في جامعة السوربون، والمهتم بالثقافة المغربية، "لطالما اشتغلت على الوجه، كتيمة في كتاباتي النقدية للفن التشكيلي، وفي إبداعات محمد دريسي نجده يركز على الرأس، وهو الجزء الأعقد في الجسد"، وأضاف أن إبداعات هذا التشكيلي تجسد تعابير الوجه، بما في ذلك التعبير عن الموت، عن الألم، الذي يدفع إلى الانشطار، موضحا أن ذلك ما يبرز في لوحات لشخوص بوجهين. وقال كليمونت إن محمد دريسي يرسم لوحات توحي للمتلقي وكأنه أمام مرآة عاكسة لشخوص حقيقية، حيث الجسد بكل تعابيره، ونتوءاته. بدوره تحدث جون لاكري، الناقد التشكيلي الفرنسي، عن سحر الجسد في لوحات محمد دريسي، وقال في اللقاء ذاته، إن جمالية إبداع هذا الفنان تتجلى في أننا حين نقف أمام لوحاته، نشعر وكأن الشخوص المرسومة هي التي تتفرج علينا، وليس نحن الذين نتفرج عليها، وقال لاكري إن في لوحات هذا الفنان المغربي، الذي ينتمي لمجتمع مشبع بالثقافة الشرقية، تغيب مفاهيم "الحشومة" و"العيب"، وينتصب الجسد بكل خصوصياته وأعضائه، في جمالية متناغمة. وتحدث محمد رشدي، الذي أدار اللقاء، عن الجسد في لوحات محمد دريسي، إذ قال إن الجسد في فضاء هذا الفنان حاضر بأفراحه وأحزانه ومخاوفه، وتردده، واشمئزازه، وتلذذه وانتشائه، خصوصا الجسد الأنثوي بروعته، وقهره. في اللوحات، التي أثثت فضاء رواق "نظر"، خلال لقاء تقديم أولى تمرات سلسلة "أبستراكت"، ينتصب الجسد بكل تفاصيله وجماليته، في تفاعله مع الزمن، وتطل من هذه اللوحات، التي زاد عددها عن العشرين، وجوه بتعابير تتأرجح بين الغبطة، والدهشة، والترقب، والحيرة، والاستغراب، والانتشاء، ليبرز في المعرض تعدد التيمات، من خلال تيمة الجسد في فضاء اللوحة، ولذلك حمل هذا المؤلف عنوان "محمد دريسي الجسد والفضاء".