ما الذي حل بحديقة "ياسمينة"، وسط الدارالبيضاء، حتى يهجرها الصغار والكبار؟ وهل هذا التهميش يسري على باقي الحدائق الأخرى؟ "المغربية" زارت مجموعة من الفضاءات الترفيهية، واستمعت إلى وجهة نظر العمال، بصفتهم الأقرب إلى الواقع المتردي الذي تعيشه حدائق العاصمة الاقتصادية. يتذكر عبد الله، شاب في مقتبل العمر من الدارالبيضاء، الأيام الجميلة التي كان يقضيها عندما كان طفلا رفقة أقرانه في حديقة ياسمينة، التي توجد وسط المدينة، ففي أيام العطل والأحد، كان يصر على زيارة هذه الحديقة قادما إليها من منطقة درب السلطان، لقضاء بعض اللحظات الرائعة بين الألعاب العديدة التي كانت تزخر بها. قبل أيام قليلة، قرر عبد الله أن يعاود الزيارة إلى هذه حديقة من أجل استرجاع بعض ذكريات الطفولة، لكنه صدم للوضع الذي آلت إليه "ياسمينة"، التي لم تعد تحمل سوى الاسم، وبدل الفرحة التي كانت ترسم على وجهه حينما كان صغيرا وهو يطأ قدميه أبوابها شعر بحزن كبير لما آلت إليه الحديقة في ظل نظام وحدة المدينة. عبد الله ليس الوحيد الذي يشعر بنوع من الغضب حينما يمر من جانب هذه الحديقة، ولكنه شعور ينتاب العديد من سكان وزوار الدارالبيضاء، الذين اعتادوا في سنوات مضت على التمتع بهذا الفضاء الجميل. حوالي 230 عاملا رغم المشاكل الكثيرة التي يتخبط فيها حوالي 230 عاملا بحدائق الترفيه على مستوى مدينة الدارالبيضاء، إلا أن هذا لا ينسيهم الأهمية القصوى التي كانت تلعبها حدائق الترفيه سنوات الثمانينيات وبداية التسعينيات. يقول أحد العمال "لقد كانت الحدائق تجلب العديد من الأطفال رفقة آبائهم، إذ كان الجميع يقضي لحظات رائعة مستمتعين بالكثير من الألعاب التي كانت توجد بها، إلا أن الحال تغير إلى النقيض، وأصبح كل واحد يقرر زيارة واحدة من هذه الحدائق يشعر بحزن شديد، خاصة إذا كان يعلم ماضي هذه الحدائق، خاصة ياسمينة، التي كانت تغص بالزوار أيام الأحد والأعياد والعطل"، ويضيف المتحدث نفسه أن العديد من الجهات ساهمت في تراجع خدمات حدائق الترفيه، وعلى رأس هذه الجهات المجلس الجماعي للمدينة، الذي لم يفكر في نسختيه الأولى والثانية في إعادة هيكلة هذه الحدائق حتى تسترجع عافيتها. وقفة احتجاجية حينما اقتربت "المغربية" من أحد البائعين المتجولين، الذي اختار بيع سلعته أمام مقر حديقة ياسمينة، بدا لها الرجل منهكا وحزينا، وقال بنبرة تختصر الكثير من الأشياء "راهم سادين اليوم، راه ماخدامينش"، لا يتعلق الأمر بيوم عطلة لعمال الحديقة، لكن الأمر يرجع إلى قرار بالإضراب عن العمل، وتنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر الولاية. بمجرد معرفة العمال المحتجين بمهمتنا الإعلامية، حتى استرسلوا في الكلام عن وضعيتهم المادية المزرية، إلا أن أحدهم طلب منهم السكوت ومنح الفرصة لمتحدث واحد ليشرح تفاصيل الملف، الذي جعل العمال يغادرون عملهم وينظمون وقفة أمام مقر الولاية، وتكلف بهذه المهمة حسن بلال بصفته مندوبا عنهم. يقول الأخير"ما يحدث لعمال الحدائق الذي تقلص عددهم من 600 عامل إلى 230 بسبب وفاة العديد منهم، شيء مؤسف جدا، فلا يعقل أن يحرم هؤلاء العمال من أجورهم الشهرية". وأضاف حسن بلال أن عدم صرف أجور العمال يعتبر النقطة التي أفاضت الكأس، إذ أن هناك مجموعة من المطالب التي ما تزال معلقة، وقال في هذا السياق "من غير المعقول ألا يستفيد العمال من صندوق الضمان الاجتماعي، علما أن هناك اقتطاعات من أجورهم لفائدة هذا الصندوق، وهذا الأمر سبق أن نبهنا إليه في العديد من المناسبات، بل نظمنا مجموعة من الوقفات الاحتجاجية لهذا الغرض، لكن دون جدوى". الإدماج أولا طالب عدد من عمال حدائق الترفيه، خلال الوقفة نفسها، بإعادة إدماجهم في المقاطعات وبمنح آخرين التقاعد، كما جاء في شهادة حسن بلال، ل "المغربية"، "لابد أن تفكر السلطات المحلية والمنتخبة جديا في مسألة إعادة إدماج بعض العمال ومنح آخرين التقاعد، وطي هذه الصفحة نهائيا، لأنه لا يعقل أن نظل على هذا الحال"، ورفع العمال المحتجون، خلال هذه الوقفة، مجموعة من الشعارات، التي تحث رئيس المجلس الجماعي، محمد ساجد، على الانكباب الجدي لحل مشاكلهم، مؤكدين أن الجهة الوحيدة، التي تتحمل تبعات ما يحدث لهم، هي مجلس المدينة. الشركة الخاصة أكد رطيلي العياشي، نقابي تابع للاتحاد المغربي للشغل، أن عمال النظافة يعانون العديد من المشاكل، التي لم تجد إرادة حقيقية لحلها من قبل المعنيين بالأمر. وأضاف العياشي أن كل هم هؤلاء العمال أصبح يختصر في دق أبواب مقر مجلس المدينة بداية كل شهر للحصول على أجورهم، في حين أن المشاكل الأخرى التي لها علاقة بصندوق الضمان الاجتماعي والتأمين فلم تجد أذانا صاغية لحلها، وقال، في هذا السياق، "لقد أكد لنا رئيس المجلس أن هناك شركة خاصة ستتكلف بأمور تدبير حدائق الترفيه، وأنه سيعقد اجتماع مع هذه الشركة لتجاوز المشاكل العالقة للعمال، وفي الحقيقة راه هو لّي خاصّو يدافع علينا، لأننا تابعين للجماعة، حنا ما غاديش نعرفوا نهدرو مع أي شركة". وتأسف العياشي بشدة على ما صارت إليه عدد من حدائق الترفيه على مستوى مدينة الدارالبيضاء، إذ أن العديد من هذه الحدائق أغلقت أبوابها في وجه الأطفال "لارميطاج وعين الشق.."، في حين أن حدائق أخرى ما تزال تقاوم، ويمكن في أي وقت أن تعلن السلطات عن وفاتها (ياسمينة، عين السبع، إفريقيا)، وقال في هذا السياق إن "السلطات تريد أن تتخلص من الحدائق ومن العمال، لكن لحد الساعة ليست هناك إرادة حقيقية للتغيير من طرف الجهات المعنية بهذه الحدائق". إعدام الحدائق كانت حدائق الترفيه في مدينة الدارالبيضاء، إلى حدود بداية التسعينات المتنفس الوحيد لأطفال مدينة الدارالبيضاء، من أجل قضاء لحظات جميلة بين مجموعة من الألعاب التي كانت توجد في هذه الحدائق، لكن الصورة تحولت إلى النقيض،، إذ يؤكد بعض عمال هذه الحدائق، في تصريح ل "المغربية"، أن غياب الإرادة الحقيقية لدى السلطات المنتخبة والمحلية في إعادة الروح لهذه الحدائق هو الذي أدى إلى إعدامها، في الوقت الذي يحتاج سكان المدينة إلى فضاءات قادرة على التخفيف من حدة الضغط الذي تعاني منه فئة واسعة من المواطنين. في هذا السياق، يقول عبد الرحيم، أحد العمال،"إن السلطات المنتخبة تحاول التخلص من حدائق الترفيه، وإننا نسمع بعض الأخبار حول إمكانية تفويتها إلى القطاع الخاص في إطار التدبير المفوض، ولكن لحد الساعة لم تقم هذه السلطات بأي خطوة، ما يجعلنا نؤكد أن هناك نية من أجل التخلص من العمال ومن هذه الحدائق بصفة عامة، لأنه لو كانت هناك إرادة فعلية في تجديد هذه الحدائق لجرى على الأقل تصفية المشاكل الكثيرة التي يعانيها العمال".