ارتبط فضاء الصحراء في مخيلة الإنسان, منذ قدم العصور, بالرمال الذهبية والشمس الحارقة والأراضي القاحلة, مما ينجم عنه ندرة في المياه والمجالات الخضراء, وانعدام مقومات العيش الرغيد. لكن الزائر لمدينة الداخلة, لؤلؤة الأقاليم الجنوبية للمغرب, يفاجأ عند اقترابه منها بمجالات فسيحة مخصصة للفلاحة المغطاة, وذلك بالقرب من منطقة "تاورطة" (على بعد حوالي7 كلم عن الداخلة), ذات المناخ الصحراوي الحار. وتندرج هذه المشاريع الفلاحية الرائدة في سياق الدينامية الاقتصادية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية للمملكة, متحدية بذلك العوامل الطبيعية والمناخية الصعبة التي تعرفها المنطقة على مدار السنة. ويتعلق الأمر ب"شركة الإنتاج الفلاحي تاورطة", وهي مجموعة من خمس ضيعات فلاحية تضم بيوتا مغطاة مخصصة لإنتاج الطماطم, بمختلف أنواعها, توجه نسبة منها تتراوح بين 80 و90 في المئة نحو التصدير إلى كل من أوروبا والولايات المتحدة وكندا وروسيا.., فيما يوزع الباقي على الأسواق التجارية الكبرى بالمغرب. يقول محمد خبيز, وهو تقني فلاحي بالشركة, إن هذا المشروع الواعد, الذي أحدث في سنة2002 , يندرج في إطار استثمارات مغربية فرنسية بجهة وادي الذهب, ويشغل حوالي500 شخص, منهم200 عامل دائم (60 في المئة منهم نساء). وأوضح خبيز, في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء, أن المشروع استفاد من المؤهلات الطبيعية التي تتميز بها المنطقة, ولا سيما مناخها المعتدل على امتداد السنة ومواردها المائية الهامة. وأبرز أنه يتم تسيير هذه الضيعات الفلاحية وفقا لأحدث التقنيات الزراعية تحت إشراف ثلاثة أطر تقنية فلاحية مغربية, مشيرا في هذا الصدد, إلى استخدام نظام متطور للري بالتنقيط يساهم بشكل ناجع في عقلنة استعمال المياه. وقال إن إنتاج الطماطم في هذه الضيعات الفلاحية يناهز مئة طن في الهكتار الواحد, ويتم الجني بعد مرور نحو شهرين على إقامة الشتلات, مشيرا إلى أنه من خلال التقنيات والوسائل المستعملة, تصبح الطماطم ناضجة وصالحة للجني الذي يتم مرة في كل يومين طيلة الموسم الذي يدوم سبعة أشهر في السنة. وأكد خبيز أنه يتم تدبير المناخ الداخلي للنبتة داخل البيوت المغطاة عبر اتخاذ كل التدابير التي تراعي المردودية والجودة, ليحصل المنتوج المغربي من الطماطم على جودة عالية, ويستجيب للمعايير المعمول بها عالميا, والمواصفات الأوروبية الدقيقة. وارتباطا بالموضوع, يضيف خبيز, يتم استخدام الأسمدة والأدوية التي تحافظ على البيئة, حيث يمنع في هذا الإطار اللجوء إلى مواد كيميائية دون ترخيص من المستوردين الأجانب. وللحفاظ على الشتلات من مختلف المخاطر, أشار إلى أنه تجري باستمرار عملية تعقيم للبيت البلاستيكي, وذلك باستخدام مادة "بتروسيد هيدروجين" عند المدخل الرئيسي للبيوت المغطاة. وتجدر الإشارة إلى أن جهة وادي الذهب تزخر أيضا بثروات سمكية هائلة ومتنوعة, بالإضافة إلى تربية الماشية ولا سيما الإبل.