تجسد معركة الدشيرة، التي تخلد أسرة المقاومة وجيش التحرير ذكراها 53، اليوم الاثنين، والذكرى 35 لإجلاء آخر جندي من جنود الاحتلال الإسباني عن الأقاليم الجنوبية، جانبا من أروع صور الملاحم والبطولات الوطنية. ويندرج الحدثان في إطار استحضار محطات تاريخية بارزة في ملحمة استكمال الاستقلال، وتكريس الوحدة الترابية للمملكة. وواصل الشعب المغربي، وفي طليعته أبناء الأقاليم الجنوبية، مسيرة النضال البطولي من أجل استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية المقدسة، مجسدين مواقفهم الراسخة وارتباطهم بمغربيتهم، إيمانا بالبيعة، التي تربطهم بملوك الدولة العلوية الشريفة، ورافضين كل المؤامرات، التي تحاك ضد وحدة المغرب الترابية. وتعد معركة الدشيرة حلقة ذهبية في سلسلة المعارك والملاحم الوطنية، التي ألحق فيها جيش التحرير هزيمة نكراء بقوات الاحتلال بين 1956 و1960، والتي ما زالت ربوع الصحراء المغربية شاهدة على ضراوتها، مثل معارك الرغيوة، والمسيد، وأم لعشار، ومركالة، والبلايا، وفم الواد. وأمام هذه الانتصارات المتتالية، لجأت قوات الاحتلال الأجنبي إلى إبرام تحالف في معركة فاصلة، خاض أطوارها جيش التحرير في الجنوب، هي معركة "أكوفيون"، وكانت هذه الوقائع شاهدة على قوة الصمود في سبيل استكمال الوحدة الترابية، تعزيزا للأعمال البطولية، وما صنعه المغاربة من أمجاد لإعلاء راية الوطن خفاقة في سمائه وعلى أرضه، بقيادة العرش العلوي المجيد. ويذكر التاريخ أن المغرب قدم تضحيات جسيمة في مواجهة الاستعمار، الذي جثم بثقله على التراب الوطني قرابة نصف قرن، وقسم البلاد إلى مناطق نفوذ موزعة بين الحماية الفرنسية في وسط المغرب، والحماية الإسبانية في الشمال والجنوب، فيما خضعت منطقة طنجة لنظام حكم دولي، ما جعل مهمة تحرير التراب الوطني صعبة وعسيرة، بذل العرش والشعب خلالها تضحيات كبيرة، في غمرة كفاح متواصل وطويل الأمد، ومتعدد الأشكال والصيغ، لتحقيق الحرية، والخلاص من ربقة الاستعمارين، الفرنسي والإسباني، المتحالفين ضد وحدة كيان المغرب، إلى أن تحقق الاستقلال في 16 نونبر1955. ولم يكن انتهاء عهد الحجر والحماية إلا بداية لملحمة الجهاد الأكبر، لبناء المغرب الجديد، الذي كان من أولى قضاياه تحرير ما تبقى من تراب المملكة من نير الاحتلال. في هذا السياق، كانت ملاحم التحرير في الجنوب، سنة 1956، لاستكمال الاستقلال في باقي الأجزاء المحتلة من التراب الوطني، إذ استمرت مسيرة الوحدة في عهد بطل الحرية والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه، الذي تحقق على يديه استرجاع طرفاية سنة 1958، بفضل العزم الأكيد والإرادة القوية والإيمان الراسخ والالتحام الوثيق بين العرش والشعب، وترابط المغاربة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. وتواصلت هذه الملحمة النضالية في عهد جلالة المغفور له، الحسن الثاني، طيب الله مثواه، بكل عزم وإيمان وإصرار، وتكللت باسترجاع مدينة سيدي إفني سنة 1969، والمسيرة الخضراء المظفرة في 6 نونبر1975، التي جسدت عبقرية ملك، استطاع بأسلوب حضاري فريد، يرتكز على قوة الإيمان بالحق، استرجاع الأقاليم الجنوبية إلى حظيرة الوطن. وكان النصر حليف الإرادة الوطنية، وارتفعت راية الوطن خفاقة في سماء العيون في 28 فبراير 1976، مؤذنة بنهاية الوجود الاستعماري في الصحراء المغربية، لتتكلل الملحمة الغراء باسترجاع إقليم وادي الذهب إلى حظيرة الوطن، يوم 14 غشت 1979 . ويواصل المغرب، اليوم، مسيرته الحضارية بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، دفاعا عن مقدسات الوطن، وانخراطا في المسار التحديثي للمغرب، على كافة الواجهات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفقا لمتطلبات المرحلة، التي تقتضي اندماج كل فئات الشعب المغربي في مسلسل التنمية الشاملة والمستدامة، وإعلاء صروح الديمقراطية، وصيانة الوحدة الترابية، وتثبيت مغربية الأقاليم الجنوبية، في ظل السيادة الوطنية. وتخلد أسرة المقاومة وجيش التحرير الحدثين العظيمين، في سياق إبراز المعاني العميقة من أحداث الكفاح الوطني الطافح بالأمجاد والبطولات، وتعريف الأجيال الصاعدة واللاحقة بما يزخر به تاريخ المغرب من كنوز ثمينة، تماشيا مع روح التوجيهات الملكية السامية، القاضية بضرورة "إيلاء تاريخنا المجيد ما هو جدير به من عناية واهتمام، واستحضار بطولات الشهداء، لتمثل جهادهم المتفاني والتنويه بالأدوار الطلائعية، التي قام بها الوطنيون والمقاومون والعلماء ورجال السياسة وطبقة الفلاحين والعمال، وسائر فئات وشرائح المجتمع، من أجل الحرية والاستقلال والوحدة".