أدى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس , نصره الله , اليوم صلاة الجمعة بمسجد ولي العهد بمدينة أكادير. وذكر الخطيب , في مستهل خطبتي الجمعة , بأن الله عز وجل خلق الإنسان وحبب إليه الأوطان وامتن عليه بتذليل الأرض التي أسكنه فيها لمعاشه والتزود منها بالأعمال الصالحة لدار معاده, وجعل سبحانه بين الإنسان وبين الأرض , التي نشأ على ترابها وغذائها وشرب من معين مائها وشم من طيب هوائها , رابطة من المشاعر العميقة والمحبة الوثيقة, هي بمثابة أواصر الدم والرحمة التي تصله بوالدته التي حملته في بطنها وولدته من أحشائها وغدته بلبنها وتربى في حجرها ونما وترعرع بين أحضانها. وأوضح الخطيب أن هذه المعاني, التي هي كلها أواصر مشتركة بين الأم الوالدة والأرض المولود فيها, تستوجب من الحقوق فوق كل الحقوق بعد توحيد الخالق عز وجل, ولذلك غرس الله محبة الوطن في أعماق الفطرة الإنسانية, وجعلها الشرع الحنيف من صميم القيم الدينية السامية والدلائل الفطرية الإيمانية على رقي إنسانية الإنسان . وبعد أن ذكر بحب النبي صلى الله عليه وسلم لمكةالمكرمة الذي أثمر دعاء صادقا لها بالأمن والرزق وحبه للمدينة بعد أن هاجر إليها من مكة وتعلقه بها أيما تعلق , أكد الخطيب أن حب الوطن من أفضل الخصال , وهو أحد أوصاف أهل الكمال, به تقاس منازل النساء والرجال , بحيث جاءت نصوص الشرع كتابا وسنة متضافرة على أن حب الوطن من سليم الفطرة وأنه معروف في سير الرسل وهم أكمل رجال أزمانهم وفطرتهم أنقى فطرة وأبعدها عن الفساد . وقال الخطيب إن أمر المواطنة والوطنية هو من صميم مقتضيات هذه الفطرة السليمة والسنة النبوية القويمة , ذلك أن الوطنية ليست إلا غيرة دينية شرعية تستلزم الدفاع عن حرمة الوطن وحوزته بحماية الأنفاس والأعراض والأموال, موضحا أن الوطنية الصادقة والانتماء الحقيقي للوطن لا يقتصران على المشاعر والأحاسيس فقط, بل يتجليان في الأقوال والأفعال, بحيث أن الوطني الصادق يسهم في تطور وطنه وبناء حضارته وتقدمه ويحافظ على أمنه واستقراره ويسترخص الغالي والنفيس لإعلاء شأنه وشأن أهله. وأضاف الخطيب أن أجمل ما يتجلى به حب الوطن, الدعاء له, لأن الدعاء تعبير صادق عن مكنون الفؤاد لا يخالطه كذب أو مبالغة أو نفاق لأن له صلة مباشرة بالله تعالى, مذكرا بأن النبي (صلعم) كان دائم الدعاء للمدينة بالخير والبركة والصلاح. وأكد أن الأمة المغربية أورثها الله تعالى حمل راية الإسلام والدفاع عن حوزته وصون حرمته بقيادة من تعاقب على تولي أمرها من أمراء المؤمنين القائمين على حماية الدين, مؤازرين في ذلك بعلماء الأمة وفقا لمقتضيات عقد البيعة الشرعية التي قام على أساسها أمر هذه الأمة وعلا به صرح بنائها , إذ بنوا صرح أمة موحدة الكلمة مجتمعة الأمر معتصمة بحبل الله الوثيق, مبرزا أن المغاربة قاطبة يجددون اليوم هذا الاستمساك بعهد الله وميثاقه, مؤكدين أنهم ماضون على نهج أسلافهم وسنة آبائهم. وابتهل الخطيب , في الختام إلى الله تعالى , بأن ينصر أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس, نصرا عزيزا يعز به الدين , وبأن يقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن ويشد أزر جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة. كما تضرع إلى العلي القدير بأن يتغمد برحمته الواسعة الملكين الفقيدين جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني ويسكنهما فسيح جناته.