اختارت نجاة المريني، الأستاذة بكلية الآداب بالرباط، الحديث عن "معلمة المغرب" للمشاركة في سلسلة المحاضرات، التي عقدها المركز المصري الثقافي المصري بالرباط، تحت عنوان " قراءة في كتاب"، بداية الشهر الجاري. و"معلمة المغرب" عمل من إنجاز "الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر"، بإشراف أستاذ التاريخ، الراحل محمد حجي، الذي توفي منذ أزيد من سبع سنوات. وتقول المريني إن اختيارها لهذا الموضوع يأتي من وفائها للأعلام المغاربة، الذين يعملون في صمت، بوطنية وعلم وتضحية، وفي إطار ثقافة الاعتراف لمن أسدوا الخدمات الجليلة للبحث والدرس والتأليف، ويرحلون، في صمت، بعيدا عن الأضواء وعن الفضاءات الاحتفالية بهم وبأعمالهم، كما هو الشأن بالنسبة للمهرجانات الغنائية أو السينمائية أو غيرها. وقدمت المريني، من خلال عرضها، إضاءة عن "معلمة المغرب"، وعن موادها، وعن مؤسسها، ومن حمل المشعل بعده، وعن قيمتها العلمية، ودورها في الحفاظ على الشخصية المغربية، والاعتزاز بالهوية الوطنية عبر الأجيال والعصور. وترى المريني أن الاحتفاء بموسوعة "معلمة المغرب"احتفاء بالشخصية المغربية، وبالعلم والثقافة، و"احتفاء بالعلماء، الذين شمروا عن ساعد الجد، ليقدموا لنا الوطن بمختلف تجلياته ومناطقه وأبنائه، وليعرفوا بالحضارة المغربية منذ أقدم العصور"، مضيفة أن "المعلمة دائرة معارف مغربية متنوعة، نجح الأستاذ محمد حجي، بمساعدة زملائه من الباحثين والمهتمين وذوي الكفاءات، في إصدارها في حلل بهية، وإخراج أنيق، وللجميع الشكر على هذه الجهود العلمية، وعلى هذا الطبق المتنوع من المعلومات، وللمؤسس وصاحب المشروع، الأستاذ محمد حجي، الرحمة والمغفرة، والجزاء على كل الخدمات، التي قدمها لوطنه ولأبنائه الطلاب، وغيرهم". وتبرز المريني أن للراحل حجي "أياد بيضاء في التنبيه إلى الحفاظ على الهوية الوطنية المغربية، والعمل على الاعتزاز بها، من خلال محاضراته ومؤلفاته وأعماله، على اختلافها، منذ أن كان يختلف إلى مجالس الدرس والعلم في مسقط رأسه، سلا، أو أثناء متابعته لدراساته العليا بجامعة محمد الخامس بالرباط، أو بجامعة السوربون بباريس". وتوضح أن تاريخ المغرب وحضارته كانا "حاضرين بقوة في فكر العميد محمد حجي، وكانت اللغة العربية وسيلته للتبليغ والإبلاغ، فالبحث في تاريخ المغرب وزواياه، والتعريف بأعلامه ومؤلفات أبنائه، على تعددها وكثرتها، شكل هاجسا أرقه طول حياته، وبعث فيه حمية الاعتزاز، باستمرار، بالوطن وأبنائه ورواده من المفكرين والعلماء، والعمل على التعريف بسموق حضارته وغنى تربته، وتنوع غاباته، فكان التفكير الجاد في خوض مغامرة علمية هي مشروع معلمة المغرب، بعد مخاض عسير لمشروعات سابقة، لم يكتب لها النجاح لكتابة موسوعة مغاربية، تضم أقطار المغرب العربي في الستينيات من القرن الماضي، برعاية المكتب الدائم لتنسيق التعريب في العالم العربي، ولم ينجح في هذا المشروع إلا القسم الخاص بالأعلام البشرية والحضارية، وأنجزه الأستاذ العلامة، عبد العزيز بنعبد الله، وصدر في خمسة أجزاء، أو موسوعة مغربية، تجند لإخراجها الزعيم، عبد الخالق الطريس، سنة 1933، وسنة 1943، لكن لم يكتب للمشروعين النجاح المؤمل". وتعتبر المريني أن تجربة محمد حجي ( 1923- 2003) في ميدان التدريس والتأليف ساعدته على النجاح في مشروع "معلمة المغرب"، الذي جند له طاقاته المادية والمعنوية، وعمل على إخراجه من حيز التفكير إلى حيز الوجود .وتبرز أن العمل العلمي لحجي، الذي كان معلما، وأستاذا بالثانوي، ثم أستاذا جامعيا، أوالإداري (كان مديرا لمدرسة المعلمين بمراكش، ومفتشا للتعليم الثانوي، ونائبا لوزارة التربية الوطنية، ورئيسا لقسم البحث والعمل التربوي، ثم عميدا لكلية آداب الرباط، ومديرا للمعهد المولوي)، لم يشغله عن التفكير، أولا، في إنشاء "الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر" سنة 1980، كانت تهدف إلى إصدار "حولية الكتاب المغربي"، لتكون سجلا منظما لكل ما يصدر من كتب ومجلات، مما كتبه المغاربة في أي موضوع، وبأي لغة، داخل المغرب وخارجه، أو كتبه غير المغاربة، ويتعلق بالمغرب، أو نشروه فيه لأغراض علمية . وتضيف أن المدير المسؤول عن هذه المجلة، محمد حجي، أشار إلى " أن الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر تبنت، منذ تأسيسها، فكرة إصدار معلمة المغرب بعد مجلة الكتاب المغربي. واعتمدت اللجنة العلمية، التي أشرفت على إعداد مشروع معلمة المغرب، كل ما يتعلق بأرض المغرب وسكانه وتاريخه وحضارته". وقالت المريني، في محاضرتها بالمركز الثقافي المصري، إن "معلمة المغرب" موسوعة علمية رائدة، توزعت على الأرض المغربية، وتتناول المظاهر والثروات المعدنية، من تضاريس، ومياه، وأنهار، وعيون، وتربة، ومعادن، ونباتات، وحيوانات، ثم العمران، كالمدن والقرى والتجمعات السكنية، وضمنها القصور والقصبات والمآثر التاريخية، والتقسيمات الجغرافية والإدارية، كالجهات، والأقاليم، والعمالات. وتبرز المعلمة عناصر السكان من قبائل وفروعها، والطوائف، والأسر، والأمازيغ ، والعرب، والأندلسيين، واليهود، بالإضافة إلى الأعلام البشرية في السياسة، والأدب، والعلم، والدين، والفن. كما تهم المعلمة المظاهر السياسية، كالدول، والإمارات، والوقائع البارزة، والثورات، فضلا عن المظاهر الثقافية، التي تهم اللغات، والتربية، والتعليم، والآداب، والفنون، ثم المظاهر الاجتماعية، والأسرة، والأعياد، والمواسم، والأعراف، والمظاهر، والمؤسسات الدينية، والمسجد، والرباط، والزاوية، والضريح، والمظاهر الاقتصادية، كالإنتاج، والفلاحة، والصناعة، والتجارة. وتضيف المريني أن المعلمة ثمرة مجهود جماعي، شارك فيها أزيد من 300 باحث وأستاذ لتحرير المواد المختلفة، "زرع بذرته ونماها وشحذ أقلام أصحابها أستاذنا محمد حجي، ونجح في إخراجها في حلة أنيقة وفي طباعة فاخرة، وصدر أول عدد لهذه المعلمة، سنة 1989، عن مطابع سلا، وآخر عدد صدر سنة 2008 وهو العدد الاستدراكي، الرابع والعشرون، وجاء في العنوان "معلمة المغرب"، أما العنوان الفرعي فهو "قاموس مرتب على حروف الهجاء"، يحيط بالمعارف المتعلقة بمختلف الجوانب التاريخية والجغرافية والبشرية والحضارية للمغرب". وأشارت المريني في محاضرتها إلى أن حجي كتب في افتتاحية العدد الأول أن "معلمة المغرب كتاب يحتوي، كسائر الموسوعات، على مادة علمية متنوعة بأقلام مجموعة من الكتاب، تتمحور حول موضوع رئيسي، هو المغرب الأقصى، وهي معجم معارفي ألفبائي يضم آلاف المواد، التي تعنى بالتعريف بهذا البلد على كل المستويات، في الماضي، وفي الحاضر، من المكتشفات الأركيولوجية، التي يرجع عهدها إلى ملايين أو مئات آلاف السنين، إلى أحدث المعطيات الإدارية والسياسية والاجتماعية والعمرانية، كمؤسسات الدولة، ونظم الأقاليم والجماعات والهيئات السياسية والنقابية والعلمية، وتسجيل الأحداث البارزة، التي عرفها المغرب عبر حقبه التاريخية". وكان آخر عدد أشرف على تقديمه الراحل حجي، يوم السبت 23 نونبر 2002، إذ قَدم الجزءين 15 و16 للباحثين بمدرج الشريف الإدريسي، في كلية آداب بالرباط. وتولى، بعد وفاته سنة 2003، العميد إبراهيم بوطالب تسيير الإدارة العلمية والإدارية لمعلمة المغرب. وينكب المسير الحالي، بمساعدة الأساتذة والباحثين، على طباعة العدد الاستدراكي (العدد 25)، كما تهيئ هيئة المعلمة ملحقا خاصا عن الصحراء المغربية، ارتكز على ما كتب عنها في أعداد المعلمة السابقة في مجلدين، مع إضافات جديدة، حسب المريني. وتشمل مواد المعلمة مواضيع عدة، منها التعريف بالرجال، وبالقبائل، والمدن، والجهات، وكذا بالأدوية، والأسماك، والحيوان، والزراعة، والنباتات، فضلا عن القصبات، والهيئات والمنظمات، والكتلة الوطنية، والمعالم العلمية، والعادات، والأفراح، والكمنجة.