يخلد الشعب المغربي، اليوم الخميس، الذكرى 67 لانعقاد مؤتمر أنفا، الذي يعد محطة بارزة في مسيرة المغرب وكفاحه من أجل الحصول على استقلاله، والانعتاق من ويلات الاستعمار، تحت قيادة المغفور له الملك محمد الخامس، ورفيقه في الكفاح جلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراهما. فقبل67 سنة، وتحديدا ما بين 14 و24 يناير 1943، انعقد بأنفا مؤتمر تاريخي حاسم بين الرئيس الأميركي، فرونكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني، وينستون تشيرشيل، والجنرال دوكول، بمشاركة جلالة المغفور له محمد الخامس. ويشهد مؤتمر أنفا على الأهمية الاستراتيجية للمملكة آنذاك، رغم نظام الحماية الذي كان مفروضا عليها، حيث استقبل جلالة المغفور له محمد الخامس من طرف الرئيس روزفلت، وتشرشل كممثل لشعب حليف وصديق، يحتل بلده مكانة مهمة في استراتيجية التحالف الغربي. وترجم احتضان المغرب لهذا المؤتمر على أرض الواقع الأهمية الاستراتيجية لبلادنا في ذلك الظرف العصيب من الصراع، وأبرز من جهة أخرى الدور الطلائعي، الذي اضطلع به روزفلت، الرئيس الأميركي، الذي كان مصمما على تنفيذ كل بنود معاهدة الحلف الأطلسي، المصادق عليها من طرف الحلفاء سنة1941، والتي ارتكزت على الخصوص، على الدفاع عن الحرية وعن استقلال الشعوب وحقها في تقرير مصيرها بنفسها. هكذا، شارك المغفور له جلالة الملك محمد الخامس في مؤتمر دولي كبير بصفته حليفا ورئيس دولة ذات سيادة، وإن كانت تحت الحماية، إلى جانب أكبر شخصيات في المعسكر الغربي. وأصر جلالة الملك المغفور له محمد الخامس على إشراك ولي عهده آنذاك، صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، الذي كان يبلغ 13 سنة، على حضوره لأنه كان يرى ذلك مفيدا ليتسنى له التدرب أحسن على تحمل مسؤولياته مستقبلا. وإن إلقاء نظرة على خارطة اللقاءات التي احتضنها المغرب، منذ انعقاد مؤتمر أنفا، ليبرز الدور المهم الذي يضطلع به المغرب على مختلف الأصعدة، وهو ما أهله ليتبوأ مكانة مرموقة وليتطلع باستمرار إلى تحقيق الرخاء والازدهار، ومواصلة مسيرته النضالية والتنموية. هكذا، يمكن القول إن إشارة الانطلاق لسياسة محو الاستعمار، التي نص عليها ميثاق الحلف الأطلسي، خلال 18 يناير1941، أعطيت بأنفا. وعبر الرئيس الأميركي روزفلت عن تأييده لمطالب المغرب، ووصف طموحه باستعادة حريته بالمعقول، وأن مكافأة الحلفاء واجب، وما أن حلت السنة الموالية لانعقاد مؤتمر أنفا حتى هيأت نخبة من الوطنيين عريضة ضمنوها المطالب الأساسية المتمثلة في استقلال البلاد، بتشجيع وتزكية من بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، الذي كان يشير عليهم بما يقتضيه نظره من إضافات وتعديلات وانتقاء الشخصيات التي ستكلف بتقديمها، مع مراعاة الشرائح الاجتماعية، وتمثيل كل المناطق في بلورة هذا الحدث المتميز في تاريخ البلاد. وفي سنة 1945، وبعد تحرير فرنسا قام جلالة الملك برحلة إلى باريس، إذ عاهده الجنرال دوغول بفتح مفاوضات بشأن مستقبل العلاقات بين المغرب وفرنسا بمجرد ما تحصل فرنسا على دستور لها. وكان الخطاب التاريخي بطنجة خلال1947، الذي طالب فيه جلالة الملك علنيا، وبصفة رسمية باستقلال المغرب، والاعتراف بوحدته السياسية والترابية، وانضمامه إلى حظيرة جامعة الدول العربية، غير أنه في سنة 1953، وبالضبط في 20 غشت دبر المستعمر مؤامرته الدنيئة، بعدما رفض جلالة المغفور له محمد الخامس التنازل عن العرش، ما أدى إلى نفيه مع العائلة الملكية، إلى أن عاد حاملا لواء النصر يوم 18 نونبر 1955، تاريخ الحصول على الاستقلال. وإذا كانت الذكريات تستمد أهميتها من الحمولة التاريخية التي تختزلها، فإن تخليد مؤتمر أنفا يقدم من خلال هذه العبر والمعاني ما يذكي جذوة استكمال الكفاح الوطني البطولي والنضال المرير، الذي خاضه المغاربة من أجل بزوغ فجر الاستقلال، وشحد العزائم وتجديد العهد من أجل السير قدما في مسيرة البناء واستكمال وحدته الترابية. ويتجسد استثمار هذه الدروس والعبر، في النضال الذي يخوضه المغرب، ملكا وشعبا، من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية، والتصدي لمناورات الخصوم ومؤامراتهم، في استماتة لا تقل عن استماتة الكفاح من أجل الاستقلال، تحت القيادة المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي ما فتئ يؤكد أن سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية ليست موضع مساومة.