أدى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، اليوم، صلاة الجمعة بمسجد الكتبية بمدينة مراكش. واستهل الخطيب خطبتي الجمعة، بالتأكيد على أن الإسلام يولي عناية خاصة للمبادئ التي توطد أواصر الأخوة بين المسلمين وتضبط علاقات الجوار فيما بينهم، لذلك أوصى بحق الجوار ورعاية حرماته، مصداقا لقوله تعالى”واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين، والجار ذي القربى والجار الجنب، والصاحب بالجنب”. وأوضح أن هذه الاية الكريمة تدل على أهمية الجوار في الإسلام، لأنها تدعو إلى إنصاف الجار بكل أنواع الإنصاف، وتوقيره بكل أنواع التوقير، مبرزا أن الجوار في حد ذاته سبب من أسباب الرقي بالحياة الاجتماعية والإنسانية، وكسب رضا الله بعد الممات. وذكر الخطيب بأن الإسلام أوجب للجار حقوقا كثيرة، تتعدد تبعا لنوع العلاقة الرابطة التي تجمع الإنسان بجاره، فقد ذكر المفسرون أن الجار ذا القربى هو الجار الذي بينك وبينه قرابة، والجار الجنب، الذي ليس بينك وبينه قرابة، وقيل، والجار ذي القربى: الجار المسلم، والجار الجنب: الجار من غير المسلمين. ولعظم حقوق الجار على جاره، سجل الخطيب أن البخاري ومسلم وغيرهما، رويا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”، أي حتى ظننت أن الجار سيرث جاره. وأشار إلى أنه من الحقوق المطلوبة من الجار نحو جاره والتي تدخل في حسن التعامل المأمور به شرعا، أن يفرح لجاره في كل خير، ويهنئه بما يناله من فضل، ويعترف له بكل حقوقه عليه، وأن يواسيه في ما ينزل عليه من المصائب، وما يصيبه من كرب أو مكروه، أو شدة وعوز وفقر، وأن يحفظه في أهله وأولاده، وماله ومتاعه، إذا غاب عنه، أو تعذر عليه رعايته بنفسه. وإذا كان الإسلام، يضيف الخطيب، قد بين ما يجب أن يكون عليه المسلم من البرور بالجار، فإنه في نفس الوقت توعد بأشد الوعيد أولئك الذين يسيئون إلى جيرانهم. وأكد أن المسلم عندما يؤدي فرائضه وواجباته كما أمر الله تعالى، يجب أن تظهر عليه ثمرة عبادته في معاملاته مع الناس، وإلا كانت العبادة مجرد حركات بلا معنى، وجسدا بلا روح. وفي هذا الصدد، ذكر الخطيب بأن معنى الجوار في الإسلام واسع وشامل، لا يقتصر على معنى ملاصقة البيت، بل يشمل القريب والبعيد، كما يشمل المدن والأقطار، وبهذا الشمول يتأكد أن على كل دولة أن تحسن إلى باقي الدول، فتحترم ما بينها من عهود ومواثيق، وتتعامل معها وفقا للقيم التي أقرها الإسلام في الجوار الدولي، ومنها قيمة الإنسانية، وقيمة التعارف، وقيمة التسالم، وقيمة التسامح، وقيمة التعاون، ناهيكم إذا أضيفت إلى هذه القيم وشائج القربى، والدين، واللغة، والتاريخ، والمصير المشترك. وأشار إلى أن منابر المساجد ما فتئت تعمل على ترسيخ قيم فضائل أخلاق الإسلام في قلوب الناس، وأنه ” إذا كان العلماء والخطباء يحضون على الأخلاق كلها، ومنها أخلاق الجوار في البيوت والأحياء، فإن ملوكنا الأبرار قد ضربوا المثل في العمل بهدي الدين في هذا الموضوع، موضوع الجوار، من عهد المولى إدريس إلى عهد إمامنا الأعظم أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أعزه الله، الذي يرعى الجوار كما يرعى حفظه الله الحقوق والوشائج والأرحام”. وفي الختام، ابتهل الخطيب إلى الله تعالى، بأن ينصر مولانا أمير المؤمنين، وحامي حمى الملة والدين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصرا عزيزا يعز به الدين، ويجمع به كلمة المسلمين، ويصلح به وعلى يديه، ويحفظه بما حفظ به السبع المثاني والقرآن العظيم، وأن يقر عين جلالته بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، ويشد أزره بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير السعيد مولاي رشيد، ويحفظه في كافة أسرته الملكية الشريفة. كما تضرع إلى العلي القدير بأن يتغمد بواسع رحمته فقيدي العروبة والإسلام جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني ويطيب ثراهما ويكرم مثواهما ويسكنهما فسيح جناته.