ولد الشاعر و الكاتب المغربي بوعلام دخيسي بمدينة وجدة سنة 1969، وهوعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية وعضو مؤسس للمقهى الأدبي بوجدة ومنابر أخرى، صدر له ديوانان: "هَديل السَّحَر" سنة 2012 و"الحرف الثامن" 2014 وشارك في دواوين مشتركة أخرى. في هذا الحوار، سنحاول أن نسافر معه شعريا لنسبرأعماق شعره الحزين. _س: أستاذي، لماذا تتقطر حزنا وألما من خلال أشعارك؟ _ج: بداية أشكرك أخي الفاضل لهذه الدعوة الكريمة ومن خلالك أشكر منبركم القيم. قيل قديما لأعرابي: ما بال مراثيكم أصدق ما تقولون؟ قال: لأننا نقول وأكبادنا تتقطع.( الشعر مشاعر نصرفها حروفا، لهذا يصرف الشاعر عادة الحزن، في الوقت الذي لا يفعل أثناء الفرح، لأن مشاعر الفرح عادة ما يشاركنا فيها الآخر فنشغل بحفاوتها عن قول الشعر.) الفرح شعور يجمع عادة الفرح والتعبير عنه في آن واحد بأشكال مختلفة، بينما الحزن تمنع عن التعبير عنه أشياء كثيرة فيبحث الإنسان عادة عما يعبر به، ومن هذا المنطلق ظهرت منذ القدم ظاهرة النائحة التي تعبر بأشكال فنية في الحقيقة عن حجم الأسى والحزن.. لا أنكر أنني فعلا أكتب أكثر، وأنا أتقطر حزنا وألما، ولا أخفي عليك إن قلت لك إنني عكس كثير من الشعراء الذين يرون أن الكتابة أثناء الجرح تكون مصحوبة بزيادة في النحيب، فأنا أكتب بشكل أصدق حسب اعتقادي لحظة الشعور نفسه حين تتمازج الدمعة بالكلمة... حاولت أن أكتب بعيدا عن اللحظة لكني أجد الحرف يتعبني كلما نسيَ.. وأضيف لأقول لك معترفا أيضا: ليس كل حدث مؤلم يولد شعرا، وحتى من وُلد شعرا منه ففي لحظات حساسة جدا منه، فقد تفقد أحدا غاليا وتحاول أن تقول فيه رثاء ولا يطاوعك الحرف، وقد يستطيع في أوقات خاصة جدا وربما كان ذلك في وقت متأخر لكنه في موعد الحزن الحقيقي لا المشترك المفروض على كل واحد في مثل تلك اللحظة.. _س: في قصيدة لك، تقف بقوة وتصرخ ضد النفاق المجتمعي. إذن، كيف تنظر إلى أمراض المجتمع وكيف تعالجها شعريا؟ _ج: لا شك أن الشعر وهو الذي يحرص أهله أشد ما يحرصون على تناغم كلماته وانسيابية موسيقاه ومعانيه، أحق بأن يحرص على الفعل الإيجابي في النفس والمجتمع، ربما كانت القصيدة التي تقصد لها كل هذا البعد وربما كان القصد غير ذلك، لا أجزم ولا يجوز للشاعر بعدما فرت الحروف من يديه وصارت في ملك غيره، لكني أؤكد أن الشعر منارة للحب والجمال، وكل شعر لا يبعث في النفوس إشراقتها ليس شعرا.. ولا سبيل للشعر حتى يعالج ما علق في مجتمعاتنا وذواتنا من نفاق إلا أن يكون هو نفسه صادقا..
_س: هل في مجتمع منافق يمكن للشاعر أن يقدم استقالته و ينأى بنفسه عن كل المشاكل حتى لا يتفاعل و يؤثر إيجابيا؟ _ج: الأدب كان وما يزال مصدر الحكمة وبوصلة النجاة والنجاح، والمُهذِب المهذَّب لمسارات الشعوب والدول وإنْ في زمن التطور والثروات العلمية وغيرها.. حتى لا يفقد الكونُ ما أودع فيه من جمال. الاستقالة - وإن ذُكرت وأظنك تشير إلى بعض نصوصي - فهي من باب الرمز للتنبيه على ما يجب وكيف يجب، والعزلة إن كانت شاعرية فهي محمودة حتى يستطيع الشاعر رصد الأشياء جيدا، أما عزلة الناس والأشياء لا تنتج إلا شكل إنسان آلة يرتب الحروف بشكل عشوائي قد يبدو أحيانا جميلا لتقاطعه والغرابة أو ما شابه ذلك.. _س: أنت تستعمل مجموعة من الألوان وترسم بريشة الفنان ألواحك الشعرية. لكن هل تركز في ذلك على رسم الجمال والدعوة إليه أم أنك ترسم لتعكس الواقع كما هو؟ بالمناسبة، كانت لي صداقة مع الرسم ذات طفولة، لكني هجرته لأجدني بعد أكثر من عقدين من الزمن مع محاولة رسم بطريقة أخرى، هي الرسم بالحروف كما جاء على غلاف أحد دواوين نزار قباني رحمه الله، أحيانا نرسم ما لا نحب، رغبة فيما نحب. الهجاء مدح ضمني لعكس ما نهجوه، ونقد الأشياء بشكل سلبي إنما هو لتصحيح واقع سيء إلى واقع حسن وهكذا.. كما أن وصف الجمال في حد ذاته شيء جميل ومطلوب في ذات الشاعر التي يجب ان تكون أشد تفاعلا معه من غيره، هذا وحتى لا ينقرض الجمال نفسه، نصفه ونمدحه بما يجب حفاظا عليه ودعوة لتمثله أكثر والالتفاف حوله أكثر. _س: غازلت اليوم فراشة، دخلت بيتي، جابت أوراشه، جابت حول المصباح، وهموما، حطت فوق ثيابي و فوق كتابي، تتصفح أخر أدراج المرسوم من الكلمات....من تكون هذه الفراشة؟ أ هي حبيبتك؟ _ج: تعلم أخي العزيز أن شرح الشعر مُحَرَّم على صاحبه، أنا إن شرحت لك شيئا كنت تظنه غير ذلك سلبتك حلاوته، إن وُجِدت طبعا، أحبذ وأفضل أن تكون الفراشة التي تعني أنت وفهمت أنت، إن كانت الحبيبة مجسدة في المرأة فلك ذلك، ولكل قارئ هنا وحيث حل وارتحل في نصوصي ما يريد، قراءة الشعر إبداع آخر، ولأن الشاعر يدرك خطورة التضييق على الإبداع فعليه من باب أولى أن يترك لقرائه ما يريدون..
_س: جل قصائدك تظهر كما لو أنك رجل طاعن في السن وينتظر الرحيل. لماذا تفكر كثيرا في السفر وإلى أين؟ _ج: بلوغ العقد الخامس ليس بالهين، هو إن عدنا للغة الأرقام مقام يفوق منتصف العمر في أغلب الأماكن والأزمنة، هذا من جهة ومن جهة أخرى هو هذا الفضاء الأزرق الذي نكتب عليه والذي كنا نراه هروبا من هذا الهاجس، أصبح نفسه يذكرنا بهذا السفر ومحطاته ونحن نشيع على المفترض كل مرة صديقا وحبيبا، معظم ما كتبت عما سميته أنت سفرا، إنما كان انطلاقا من لوعة فراق لم نتوقعها فكان كما كان أول حديثك الحزنُ ملاذا. _س: في قصيدة أخرى، ألحانك حزينة وتعتبر حزنك نفيسا. أهي هموم الوطن ومشاكله؟ _ج: الحزن عملة فيها النفيس والبخس، النفيس من الحزن هو الذي حينما يُحزنك ما يستحق، والعكس بالعكس، ولعل ما قلته جميعه قد يكون من الصنف الأول من الحزن، وكما قلت منذ قليل، الشعر كالعطر إذا أعجب صاحبه، لا داعي لمعرفة تفاصيل ذلك.. هذا وإن هموم الوطن والنفس كثيرة وهي خليقة بأن يكون عليها حزننا وأن يكون نفيسا حتى نرتقي إلى ملامح مستبشرة فرحة، لأن الفرح إكسير الحياة وزهرته. _س: وعليه، إلى أي نوع من الشعر الذي نحن بحاجة إليه اليوم؟ _ج: إلى الشعر في حد ذاته، إلى فصل الشعر عما غدا يعرف بالشعر وهو من الشعر والشعر منه براء. كنا نتحدث قديما عن المضمون وانحرافه وهذا ما يزال قائما، غير أن الطامة هو أن الشكل نفسه أصبح مهددا وكثر اللغو في معبد الشعراء، حتى صرنا نرى ما لا يرقى لأن يكون كلاما يسطر بين دفتي كتاب ويكتب على الغلاف "شعر"، وحتى لا أبتعد عن سؤالك، الشعر ما كان من عمق الأديب الذي عرَفَ معنى كلمة أدب فجمع بين المعنيين، وهو الذي يعيش هموم الناس دون أن يزاحم نثرهم ونشرات أخبارهم وحديث مجالسهم حتى لا يزاحموه في منصبه. _س: هل يمكن أن نعتبرك شاعرا حزينا؟ _ج: بدوري أحيل عليك السؤال أخي العزيز وأقول لك: هل تعتبرني كذلك..؟ لن أكذبك القول إذا قلت لك لا أدري! كل ما أعلمه أنني أنصت لنفسي وحينما تسألني الشعر أستجيب، كما استجبت لهذا الحوار الشيق الذي أشكرك عليه مجددا وأدعو لك وللجريدة مزيدا من التوفيق والتألق..