أجدني في هذا المقال ، محاولا صياغة المشهد السياسي الإحتقاني الذي يتخبط فيه المغرب، من جراء سياسة النفخ على الجمر المنطفئ المبتل . في قالب مسرحي، على الرغم من أن الإحتقان لا يتجاوز كونه إعادة تأثيل للممارسة السياسية المخزنية التقليدية في شكلها الميكيافلي العام . صدمتان في نفوس المغاربة ، كان لهما الأثر ولا زال الأثر البالغ والبليغ في نفوسهم يتوهج ، الصدمة الأولى: استمرار المخزن في مناوراته و حربائيته والتفافه على مصير الشعب المغربي . والصدمة الثانية : التي غطت على الأولى صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة. و ما نتج عنه من شعبوية و سفسافية في السياسة ، و ما تلاها من ارتجالية في التسيير و التدبير، نتيجة اللاكفاءة في الممارسة السياسة، وضمور في الفهم، وعلة في العقل، ونتيجة انفضاح الطلاء السطحي، الذي اصطبغت به تعبئة الحزب للانتخابات، و ما نتج عن كل ذلك من تسكع في المشهد السياسي المغربي . تجليات التسكع السياسي، نجدها عند رئيس الحكومة . فما يميز ممارسته السياسية هو أمران اثنان أولهما: هو عدم كفاءته كرجل سياسي مسؤول، له حنكة و تجربة وسمت، قابل للفعل السياسي. وثانيهما: هو العقلية الخشبية، والخطاب الرصاصي، الذي أصبح يتمتع به في كل تصريحاته بما فيها الرسمية. حقائق إذن قاسية لا مناص من الاعتراف بها ، إنه العجب العجاب في ما بات يسمى بالعهر السياسي في المغرب. فقد عجز الفعل السياسي عن إيجاد منفذ صحيح وصائب، للخروج من الأزمة ، نتيجة الوجه السلبي للعملية السياسية. فهي ظلت وستظل ظالمة، مبذرة، حربائية، ملوثة، لوثت السماء والأرض والماء والهواء، و لوثت عقول المغاربة بفلسفتها الهائمة والتدجينية، وحملاتها المسرحية الفانتازية الموسمية. في هذا المقال لسنا نبحث عن انتقام كلامي، أو شماتة لفظية ، بل نحاول أن نستنطق المشهد السياسي المغربي في قالب مسرحي، إن شئنا كوميدي تراجيدي . ملاحظة : الشخصيات : مخزنوس : المخزن المغربي / بنكيروس : عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المغربية./ باهاموس : عبد الله باها وزير الدولة في حكومة بنكيران. / شعبوس : الشعب المغربي . / معطلوس: الشباب الحامل للشواهد العليا./ الأنانوس :الكاتب. مخزنوس : أنا رب الأرباب، أتربع على عرش السيطرة والقمع ، حيث أحكم كل شيء، حتى ذبيب النمل، وأزيز النحل، يخاف مني . بأمري و حسب هواي يكون كل شيء ، لقد استوليت على عقول رعيتي، لم يكن من السهل. تطلب مني ضحايا و شهداء. فليقل من شاء أن يقل ، بأن حضارتي لقيطة لا يهم، بعد أن فرضت سيطرتي على البشر، وأخضعت كل شيء لإرادتي . لقد كافأت الذين أرسو قواعد حكمي ، و جعلتهم ينتمون إلى حرمي الأبدي – المخزنوس. أترون هذا المارق أمامكم ، إنه بنكيروس، أريد أن أمسح به مشاكلي، لأنه أراد أن يتسلل إلى مقري ليغيره. جريمة كبرى، وعار أي عار . لذلك قررت أن أقربه مني، لينال العذاب الأليم ، يبدأ ولا ينتهي، حتى يقول : لا إرادة إلا إرادة مخزنوس. أنا مخزنوس أنا رب الأرباب. بنكيروس : أغرتني حب الرئاسة والربيع العربي، وجهت رغباتي و دفعتني إلى الحماسية وقول الزور. ومحاصرة شعبوس المفقر الغريب في هذه الدنيا، لأني هزمته بكلامي ، وجبهتي الخاوية، خدمة لمخزنوس . باهاموس : لا تتراجع يا صديقي بنكيروس، ليس بيدنا حيلة، لقد تورطنا في تعاليم مخزنوس، لذلك أنصحك بالحيلة والسياسة. فالمنافق الذكي هو الذي يدور مع الرياح حيث دارت. و لا يستقر على رأي، ولا معنى له للعهود، إلا عندما يطبقها مخزنوس . كن حريصا على ارتياد المسجد وجمع المال لأنهما الكيف الذي ستتحصن به . بنكيروس : نعم صديقي، هكذا الدبلوماسية والسياسة، هذا زمن الدبلوماسية والسياسة، لكن يا باهاموس أريد أن أحافظ على مائدة حزبي قيل لي إنها تفككت. باهاموس : لا عليك ، مسألة المائدة لا أريدك أن تربطها بين قضاياك الأساسية ، وأرى أن تفككها لا يمثل مشكلة، ولا تحمل همها. عليك بالثروة أولا ، يا ما كنت تحلم بالرئاسة ونحن نلعب لعبة الاختفاء (غميض البيض)، ها أنت حققت حلمك ومشروعك العمري. بنكيروس : المهم عندي هو أن يقتنع البعض بموقفي. شعبوس : الويل لنا من ثعلبيتك يا بنكيروس، أي دستور جديد ، و أي حكامة جديدة، وأي كلام هذا تدندن به . أنت مع الشعب، الشعب الذي اختارني ، ما هذا الكذب والهراء و قول الزور. لولا الربيع العربي لما كنت في هذا المنصب، أين هي تربيتك ، نحن الأغبياء ، يا من أخذت على نفسك نصرتنا ، أين أقوالك ، وعهدك للضعفاء. يا أبناء أرضي ، يا من اندفعتم بحسن نيتكم ، تساعدون بنكيروس على الصعود ، حتى فرض إرادته على كل إرادة، ومدد في عمر مخزنوس. وأنت يا معطلوس ، يا أيها الشقي بدون أن ترتكب ذنبا ، يا من بذلت الوسع في طلب العلم ، واجهت الحواجز و المطبات، ستظل رمزا للدفاع عن الحق الشرعي المسلوب منك قهرا واستبدادا ، لذلك عشقتك بإصرارك، ولا شيء غير الإصرار في البقاء و الاستمرارية. معطلوس: شكرا شعبوس على هذه المواساة ، إن بنكيروس أصبح طاغية وعربيد، أراد أن تظل البشرية في النفق، و ألا تميز بين الليل و النهار، وألا تفرق بين القبح و الجمال ، أراد أن يملك وحده خيرات مخزنوس ، بعد أن ذهل من كثرتها عندما صعد – شاف الربيع ما شاف الحافة – أراد أن يظل شعبوس قطيعا مستسلما خنوعا . فرغم إرهابنا بصوت القمع ، و أن نستسلم و أن نيأس فأنى له ذلك. يا شعبوس أنا هنا و إخوتي نشارك الأحزان و الهم حتى نحقق مبتغانا. شعبوس : أحييكم يا أصدقاء ، قوموا بأي شيء إلا الاستسلام ، إلا الاستسلام. أما بنكيروس سيلفظه التاريخ في يوم من الأيام، كما لفظ كبار الدجالين مثله . أحييكم لأنكم اقتلعتم الوهن من صدوركم ، يا أيها الذين لا يخشون مخزنوس ولا بنكيروس. باهاموس : حبيبي بنكيروس، أظن أن لديك من الوسائل ما يجعلك تتحكم في المدة الباقية من ولايتك شيء جميل ، لكن هناك ملفات لابد أن أناقشك فيها. بنكيروس : ( يضحك ) ، تفضل صديقي باهاموس. باهاموس : ماذا تقول في واقعنا السياسي فبمجرد صعودنا للحكم، أصبح يتسم بالتردي المضطرد المتسارع ، والواقع الاقتصادي والاجتماعي، اللذان يتسمان باشتداد خناق الأزمة على شعبوس . ثم الواقع التعليمي، آه على تعليمنا الذي يتسم بالارتجال والدوران في حلقة مفرغة، ناهيك عن الواقع الثقافي واقع المداهنات والمجاملات الكاذبة و التدجينات و التمييعات. تأمل معي عزيزي بنكيروس، ألا تلاحظ معي فبمجرد صعودك للحكم ،نجد تذبذبا في النمو الاقتصادي، وضعف التنافسية، وتفاقم العجز الخارجي، وضعف إحداث مناصب الشغل، وتراجع التوازنات المالية، ومشكل السيولة والضغط الضريبي وتفاقم مديونية الاقتصاد. واقتطاع من معاشات المتقاعدين، الذين هم في أمس الحاجة إليه لتحقيق الحد الأدنى من العيش الكريم، ماذا فعلت؟ أنعمت على القضاة و القوات المساعدة بزيادات سخية اقتطعتها من معاشاتهم، يا للحسرة . وعلى الصعيد الاجتماعي ألا تلاحظ أن طوابير المعطلين في تزايد فنسبة البطالة وصلت 9.1 %، خاصة في صفوف حاملي الشهادات العليا. كما أن الرشوة والفساد المالي والإداري، أصبحت تنخر بنيات المجتمع، وخيرات شعبوس التي تهرب خارج الوطن أمام أعيننا، والصفقات المشبوهة ، وانتهاك حقوق المواطن الاقتصادية، وانتهاك قدراته الشرائية ، والاقتطاعات في صفوف المضربين، واللامبالاتك في ملف الأساتذة المقصيين من الترقية. زد على ذلك التقرير الأخير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، في تقييمها للوضع الحقوقي في ولايتك، فقد أصدرت المنظمة رسالة تنبيه لنا، مضمونها أن المغرب يشبه ورشة بناء ضخمة، حيث تعلن السياسة المغربية عن مشروعات كبرى مع كثير من الحديث والوعود والتطبيل الإعلامي، ولكن بعد ذلك التماطل في الانتهاء من أشغال البناء وتحسب علينا. وأيضا ، ألم تسمع الخبر غير السار حول النتائج التي أعلنت عنها مؤسسة "هيريتاج" الأمريكية حول "الحرية الاقتصادية" العالمي بتصنيفنا في المرتبة 103، في مؤشر الحرية الاقتصادية، من بين 178 دولة شملها. فقد عزت المؤسسة، حلولنا في مرتبة متأخرة، إلى ما اعتبرته تراجعا لحرية التجارة، وإلى الفساد وضيق الحرية النقدية، الأمر الذي جعل اقتصادنا يتراجع . بنكيروس : (يضحك)، إنك غبي يا عزيزي باهاموس، جيد أنك تحفظ دروسك. اسمعني، لكي تمارس السياسة ، يجب أن تكون متفائلا. لقد أهملتني في محفوظاتك، حتى أنا أعاني من المشاكل، ألا ترى كثرة الاجتماعات، والاحتجاجات، ووسائل الإعلام ومراقبتها لفلتات لساني، وكيف أواجهها بجرأة وقوة في الخطاب؟. أنا لا يهمني أي شيء، رغم ذلك فالحمد لله حققنا مطالبنا، و أننا لم نفشل في سياستنا، فعدد الذين يلجون الحزب بالمئات، فهذا شيء نصفق له، ولا تنس أننا نجحنا في تحقيق مطالب قواعدنا، بتوظيفها في وظائف قارة وجد مرتاحة. وكذا ولادة البنوك الإسلامية في بلدنا ، فهو شيء يحسب لنا، كما أنه لم يبق وقت على انتهاء ولايتنا يجب أن نملأ جيوبنا لحياتنا المستقبلية الخاصة . فلا تخف يا عزيزي باهاموس ، ما قلته صحيح، لكن رغم ذلك فصناديق مخزنوس ممتلئة عن آخرها، لن يمس البلد أزمة إلى أبد الدهر، وسيخمد نيران شعبوس، لأنه يعشق رقصة هنود الحمر( يضحك). باهاموس : لا يا عزيزي بنكيروس فقط يظهر لك ، لقد أفشلنا مخزنوس من حيث لا ندري والتاريخ لا يرحم . بنكروس : لا تتهمم ، رغم ذلك فإنه أمر إيجابي، مادام مخزنوس راض عني، لأنني أتيت بما لم تستطعه الأوائل، سأفدي مخزنوس بروحي و دمي. إنه عمل الشهداء. (يضحك). باهاموس : صدقني، لست مرتاحا يا بنكيروس فرغم صلابة رؤاك، فلقد أصبح شعبوس يميز بين الطيب والخبيث. بنكيروس : لا تخف يا صديق دربي، لقد تعلمنا من مخزنوس سياسة در الرماد في العيون، سنقول لشعبوس حينها، أنه غرر بنا، وكنا لا نعرف بواطن التماسيح و العفاريت، وأكيد أنه سيتفهمنا و يسامحنا. الأنانوس : لقد أصبحت المصالح الأنانية سيدة الموقف، كن ديمقراطيا ، أو إسلاميا ، أو يساريا ، أو ليبراليا، فستظل خادما لمخزنوس مادام أفقك مختزل في سقف محدد . شعبوس : فعلا الأنانوس، قولك حق وحكمة، إنه زمن الفردانية و النفاقية. الأنانوس : لا لا ، إنها فلسفة مخزنوس، إنه مما لا يدع مجالا للشك ، أن خيارات شعبوس و توجهاته السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية محددة سلفا من قبل مخزنوس.في ظل دستور ممنوح ، يبقى مرغما بنكيروس ، في كل الأحوال على العمل وفق تلك الخيارات والسياسات وتكريسها وتنزيلها ، إنها مشيئة مخزنوس رب الأرباب. شعبوس : لقد زهقت ، أريد أن أستسلم، وأتنازل عن موقفي لقد أصبحت آلامي لا تطاق. الفساد ، العهر، ، ارتفاع الأسعار، كثرة الكذب ، لقد أصبحت حياتي مبتذلة. الأنانوس : لكل موقف نوايا ، يجب أن نوحد رؤانا مع جل الفضلاء والغيورين للنهوض بهذا البلد إلى الأحسن . شعبوس : كيف سيتحقق هذا؟ الأنانوس : إنه قبل أي تشخيص موضوعي، لعجائبيات مخزنوس و أمثال بنكيروس في جميع المجالات. أن يرفع مخزنوس يده ، وربوبيته عن شعبوس ، ثم يكون هناك تواصل جاد ومسؤول، يشارك فيه الجميع. بغض النظر عن إيديولوجية الانتماء، هذا التواصل تكون نتيجته، حوار وطني حر ومسؤول، يؤسس لجبهة وطنية لإنقاذ كل أطياف شعبوس، والسير به إلى بر الأمان، (……). في: 23 / 01 / 2014 [email protected]