ترى ماذا ستكون عليه المواجهة المفتوحة، بين بن كيران وشباط، في ظل التصعيد الذي امتد لهيبه إلى أكثر من مجال؟ هل الرجلان في إطار هذه المواجهة، يبحثان عن ما يعزز نفوذهما الحزبي والبرلماني والحكومي ..؟ وهل تضخم مشاعر الغضب، والخروج عن أبسط مقومات التحالف الذي يجمعهما، يحركها فقط تطلع شباط إلى فرض التعديل الحكومي، الذي يرفضه بن كيران في الظرف الراهن ..؟ من السابق لأوانه، الحسم في خلفيات هذه المواجهة الملتهبة، بين شباط وبن كيران، اللهم إذا اعتبرنا هذا الصراع المفتوح مجرد عملية تسخين للعضلات الحزبية الساسية، بين الجانبين، داخل معسكري الأغلبية والمعارضة .. وبالتالي، أن هناك توافق على ظرفية المواجهة، وآثارها المباشرة على نشاط حزبيهما، سواء في الحكومة أو البرلمان، و أن هذا الصراع، لن يصل إلى درجة إعلان العصيان والقطيعة، بين الطرفين، اللذان لا يرغبان في الذهاب بعيدا في هذه المواجهة خصوصا، بن كيران الحريص على تماسك أغلبيته البرلمانية والحكومية، والذي يتخوف من الانفلات السياسي، الذي يمكن أن يكون ثمنه هائلا في الوقت الذي تزايدت الضغوط عليه من جميع الأطراف المعنية بالأداء الحكومي والبرلماني.
قد تعرف دواعي هذا الخلاف المرحلي بين الرجلين اليوم التطورعلى إيقاع حاجة كل منهما إلى كسب المعركة لصالحه، لتأثيرها على نفوذه داخل حزبه وداخل التحالف الذي يجمعهما في الوقت الحالي، والمرشح للتفكيك، إذا ما تزايد التصعيد في المستقبل، ولعل نهاية الصراع، الذي كان مفتوحا بين القيادي في حزب العدالة والتنمية "حامي الدين " والقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة "إلياس العماري" انتهى إلى الهدنة، ووقف التلويح باستمرارها إلى ما لا نهاية، مما يمكن أن يساعد شباط وبن كيران على وقف هذه المواجهة، التي قد تأتي على اليابس والأخضر، خصوصا بعد أن تبين أن بن كيران لم يعد يملك زمام المبادرة والتروي والهدوء في المواقف، وفي الخرجات الإعلامية، التي يعبر عنها هذه الأيام، وبعد أن تزايد النفور منه وسط الرأي العام الوطني، عقب قرارات الزيادة في أسعار المحروقات، وفتح ملفات الفساد، التي تمس خصومه في الأغلبية والمعارضة.
قد تكون هناك مبررات ل.شباط في هذه المواجهة المفتوحة مع بن كيران، ويمكن أن يكون ل.بن كيران أيضا نفس الضرورة في دوافع مواجهته لشباط، التي لانريد جميعا أن يصل التراشق الكلامي فيها إلى الدرجة التي يستحيل فيها إخماد النيران، وتقليص مساحة الآثار الكارثية المدمرة الناتجة عنها، ولا نريد أيضا أن يرتقي فيها الصراع إلى القذف المجاني الرخيص بينهما، علما أن كلاهما لا يملك التقية المشروعة في مواجهة خصمه في الظرف الراهن، الذي لا يحتمل فيه التحالف الحكومي أي هزة أو تفكك أو انشقاق داخلي، رغم وجود مبررات اندلاع مثل هذه الحروب الجاهلية السياسية، و أن هذا التصعيد يكشف عن الفقر الكبير، الذي أصبحت عليه الحياة السياسية والحزبية، والمأزق الذي أصبحت عليه أيضا توجهات المعارضة والأغلبية في التعاطي مع قضايا الوطن العالقة، ولن نستغرب في خلفيات الصراع المفتوح الآن، واللوبيات التي تحركه من وراء الستارة في أفق إقناع الرأي العام بعقم التجربة، ومحدودية عطاء الفاعلين، وثقل المشاكل المتراكمة في جميع المجالات، وبالتالي العجز الملموس لدى كافة الفاعلين في إدارة الصراع المؤدي إلى عرض واقتراح الحلول الكفيلة بتجاوز الأزمة المجتمعية الراهنة، التي تأكد أن الأغلبية الحاكمة تفتقر فيها إلى ما يشفع للشعارات التي ترفعها في الشفافية والوضوح والمصداقية، ولعل الرجلين في هذا الصراع الفلكلوري المسرحي يدركان عمق التخلف، الذي تتميز به الثقافة الحزبية والسياسية الراهنة، عوض أن يكشف الصراع بينهما على التطور المرغوب فيه في المشهد الحزبي والسياسي الوطني السائد .. ! وهل سيصل مفعول وصدى هذا الحوار الخلافي إلى المواطنين المعنيين أصلا بمضمونه وأهدافه في نهاية المطاف، والإنصات إلى قناعاتهم، حول ذلك، والاستئناس بها في تبديد الحواجز، التي تحول دون الوصول إلى المعالجة والاحتواء لهذا الخلاف، الذي لا يخدم الوطن والمواطنين في نفس الوقت ..؟ إلا إذا كان طرفا هذه المواجهة يمتلك ما يسهل على الوطن والمواطنين التغلب الفوري على المشاكل المطروحة الآن، خصوصا بالنسبة ل.بن كيران، الذي يقود حكومة التحالف الحكومي، الذي يجب أن يكون قد تمكن من فهم وتحليل واقتراح ما يُمكن الوطن من تجاوز الواقع الراهن بكل إكراهاته المادية والمعنوية في جميع المجالات.
تُوضح كل المؤشرات بأن الصراع بين الأمين العام لحزب الاستقلال، و رئيس الحكومة، لن يتوقف عند نهايات محددة سلفا، بعد أن فتح كل منهما النار في وجه خصمه، مع التأكيد على الاستمرار فيها حتى النهاية، انطلاقا من طبيعة كل منهما الاندفاعية والمزاجية والمترددة، التي لا تقبل بأنصاف الحلول لمآل هذا الخلاف المرحلي، الذي يعتبره الجانبان مجالا لإثبات الذات وفرض القوة، والحسم في التداعيات المحتملة، خصوصا من قبل شباط، الذي قدم المذكرة لبن كيران، قبل أن يفتح النار عليه في محاولة الإيقاع به في الأخطاء التي تبرر المواجهة، والاستمرار فيها حتى الاستجابة لمطلب التعديل الحكومي كما يرغب فيه شباط، لتلميع وجوده داخل حزبه، وأمام خصومه، سيما وأن انتخابه على رأس الأمانة العامة لحزبه شكل انقلابا تاريخيا في حزب الاستقلال، الذي ظل محكوما من قبل آل الفاسي لفترة طويلة، إلى جانب عجز كل النخب التي قادت الحزب على إحداث التغييرات، التي يتطلع إليها المناضلون في القواعد الحزبية، ثم افتقار شباط نفسه إلى الرؤيا المستقبلية، التي يمكن أن تجعل حزب الاستقلال الأداة الحزبية، القادرة على القيام بوظائفها، سواء كانت في الأغلبية أو المعارضة، في مقابل بن كيران، الذي لا يزال منتشيا بانتصاره الانتخابي، وبمنظوره المرحلي، الذي يعتقد أنه كفيل باحتواء الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتحقيق أهداف برنامجه الانتخابي، الذي بدأ التشكيك المبكر في فشله، نتيجة ما شابه من مغالطات من جهة، والأخطاء المرتكبة مؤخرا والتي تزايد نقدها في صفوف الرأي العام الوطني، والمسحوقين والكادحين على الخصوص من جهة ثانية.
لسنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، متحمسين لهذا الصراع .. أو لغيره، من دواعي التصعيد في الاتهامات المتبادلة، بين فاعلينا السياسيين المحترمين، أو لنا مواقف اتجاه الرجلين في هذه المواجهة المفتوحة بينهما، لكن معطيات هذا الصراع، هي التي تفرض علينا الخروج عن الصمت المريب السائد الآن، كما أن هموم الوطن وقضاياه الشائكة، التي لم تعالج بعد، تستدعي منا كفاعلين نشيطين في الوسط الإعلامي والصحفي ببلادنا، التعاطي مع هذا الصراع من زاوية الدفع به في الاتجاه الذي يجعله حافزا لكل الطرفين، من أجل خدمة الوطن، الذي نحن من أبنائه، واقتراح الحلول الكفيلة بتجاوز تداعيات الأزمة الهيكلية، التي يواجهها، خصوصا من قبل بن كيران، المعني باستمرار التماسك الحكومي، وتنفيذ ماالتزم به في تصريحه أمام الناخبين والبرلمان.
وما أحوج اليوم، السيد رئيس الحكومة، إلى الرزانة في التعامل مع تداعيات خلافه المرحلي مع شباط، الذي قد يعصف باستقرار وتماسك التحالف الحكومي الحالي، خصوصا بعد أن أصبحت أسهم بن كيران تتجه نحو التراجع، نتيجة فشله المتواصل في إدارة المرحلة، والاستجابة للمطالب المرفوعة، ومما لاشك فيه أن بن كيران، هو المعني بحسن التعامل مع هذه الأزمة المطروحة مع حلفائه في حزب الاستقلال، إذ لا أحد يتصور جسامة الانهيار السريع، الذي يمكن أن يصل إليه هذا الخلاف المفتوح الآن، وهذا ما لا نرضاه جميعا، في ظل الانتظارات الهائلة للمواطنين المغاربة من التدبير الحكومي والبرلماني في جميع المحالات.
الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة