لم تعد المعارضة وحدها تحتكر انتقاد الحكومة المغربية، بل اضيف إليها «الاستقلال» أهم شريك في الائتلاف الحكومي. وبات مفروضاً على عبدالإله بن كيران أن يتفهم خلفيات السهام الموجهة ضد حكومته من كل الاتجاهات. فهي إن كانت مقبولة ومستساغة ممن يتربصون ليلة الزفاف، في حال إطاحة أول حكومة يقودها الإسلاميون، فلا أقل من أن يتجرع مرارتها من طرف شركائه في المسؤولية. إذ يخطو معهم في اتجاه واحد. لكن بحسابات مختلفة. لا غرابة في الأمر، فالأمين العام لحزب الاستقلال الذي أطاح قلعة سلفه عباس الفاسي، لم يبق له سوى أن يهدم الجسور التي كان أقامها الأخير في مشاورات تشكيل الحكومة. ولا يعني تلويح النقابي حميد شباط بضرورات التعديل الوزاري ومعاودة النظر في تركيبة وهندسة الحكومة، سوى أنه يريد أن يضع بصماته كاملة على مسار حزبه. إن على صعيد تحالفاته داخل مربع الحكومة وخارجه، أو في نطاق إرضاء المناصرين الذين حملوه على الأكتاف لقيادة أقدم حزب في البلاد. سواء كانت مذكرة الاستقلال إلى بن كيران تتوخى التعديل الوزاري لذاته، في سياق ترتيب أوضاع الحزب، أو اتخذته ذريعة للكشف عن مناطق الظل في التدبير الحكومي الراهن، فهي تلتقي بطرق مباشرة مع سياسة تضييق الخناق على تجربة سياسية بالكاد انقضى عامها الأول، وهي تترنح تحت الضربات، من جهة لأن انتظارات الشارع كانت أكبر من قدرتها على الوفاء بتعهدات انتخابية فضفاضة، ومن جهة ثانية لأن الصدمة التي أحدثها فوز «العدالة والتنمية» ما زال مفعولها سارياً. غير أن التعاطي مع انتقادات الشركاء داخل الائتلاف الحكومي، لا بد أن يكون مختلفاً، كون تجاهلها قد يؤدي إلى تصدع الغالبية. ما يفرض على رئيس الحكومة الإذعان إلى طلباتهم، وإن زادت على السقف الذي تفرضه ضرورات الانسجام والتضامن. وقد يجد في مصارحة الاستقلاليين، وإن اتسمت ببعض التشدد، خير معين له في التأمل بعمق في ما قد يحدث في حال الوصول الى الباب المسدود. أصبح مفهوما الآن لماذا ظل بن كيران أكثر حرصاً على إشراك الاتحاد الاشتراكي المعارض في حكومته. فلعله كان يشتم رائحة حريق قبل اندلاعه. وحاول جاهداً جلب الحليف التقليدي لحزب الاستقلال إلى الحكومة كي يسهل عليه الاختيار عند ظهور بوادر أي تصدع محتمل. وصار في الإمكان توقع التأثير السلبي في عودة الاشتراكيين إلى المعارضة. إن لم يكن على مستوى تصعيد المواجهة مع الحكومة، فأقله على صعيد استمالة الشركاء إلى ساحة المعارضة القابلة لاستيعاب الأصوات المتمردة من داخل الحكومة أو خارجها. أقرب إلى الاحتمال أن النصر الذي انتزعه إسلاميو المغرب في الاشتراعيات السابقة، يراد انتزاعه منهم بنفس الآليات الديموقراطية. فالتململ الحاصل بين مكونات الائتلاف الحكومي لا يمكن أن يستمر طويلا، من دون إيجاد حلول وفاقية. فالتغاضي عن تناقضاته التي بدأت تخرج عن زمام السيطرة يحكم على التجربة بالانتكاس. وما يبدو جلياً أن الصراع بين الخصوم السياسيين لم يحسم بصورة نهائية عبر اختيار المواقع من الحكومة والمعارضة، بل إنه ماض في اتخاذ أشكال أخرى. قد يكون «الاستقلال» أدرك أن المعركة الراهنة فتحت على كل الاحتمالات، وأن مكانه الطبيعي أن يظل وفياً لحلفائه الذين شاركهم تجارب حكومية سابقة منذ العام 1998. وقد يكون بعكس ذلك يرغب في تمكين التجربة الراهنة من وسائل الصمود في مواجهة العواصف. ما دفع إلى اختيار أسلوب المكاشفة حول النواقص. وربما أن خطأ الحكومة وقيادتها تحديداً أنها أفسحت في المجال أمام الانتقادات من الداخل. وإن كان رئيسها قلل مرات عدة من شأن تلك الخلافات. لكن وصول الحوار بين أطراف الائتلاف الحكومي إلى درجة صوغ المذكرات ذات القيمة الرمزية، يفترض أن تلك الخلافات استعصت على الاستيعاب. من دون إغفال أي خلفيات انتخابية قد يكون لها أثرها في اختيار التوقيت. وبعد أن كانت الحكومة تواجه خصومها المتخندقين في صفوف المعارضة، بات عليها أن تواجه الأصوات التي ترتفع من الداخل. فالتأمل في مسار تجربة العام الأول، بما اعتراها من صعوبات واختراقات، أفضل من الاستمرار على طريق الخطأ، بخاصة أن مذكرة الاستقلال لا تميل إلى معاودة النظر في جوهر الالتزامات المشتركة، بقدر ترسيم معالمها، إن على صعيد تفعيل أداء الغالبية النيابية والحكومية، أو على مستوى إقرار ميثاق يكون بمثابة عقد جديد يرتضيه كافة الشركاء، أو ينزعون إلى سياسة أبغض الحلال عند الله، أي الطلاق من رابطة لا تجمع الأضداد رغماً عنهم.