إن تعودي على تجنب النيل من الأشخاص، وعدم الدخول في خصوصياتهم، واحترامهم، هو الذي يحكم كل كتاباتي. لذلك، فهي تأخذ طابع التعميم. ومن أراد أن يعتبر أن ذلك يخصه، فذلك شأنه، ومن أراد أن يفهمه الفهم الذي يخصه، فذلك شأنه، ومن أراد أن يفسره على هواه، فذلك شأنه، ومن أراد أن يؤوله لحاجة في نفس يعقوب، فذلك شأنه أيضا.
وبناء عليه، فأنا أرفض جميع التعليقات، والأفهام، والتفسيرات، والتأويلات، التي يعتقد أصحابها أنني أعني بما أكتب أشخاصا معينين، وأؤكد على عمومية ما أكتب، الذي لا يرصد إلا الظاهرة القائمة في الواقع، والتي تفرض علي نفسها، وتأخذ مني جزءا غير يسير من التفكير، قد تستغرق أياما، وشهورا، إن لم تكن سنوات، قبل تناولها بالكتابة، من أجل التخلص منها.
والظاهرة تبقى ظاهرة، مهما كانت؛ لأنها تتحول إلى مسلكية تأخذ طابعا عموميا، يمتد على مستوى التراب الوطني. وكل من يعطيها فهما معينا، أو تفسيرا معينا، أو تأويلا معينا، إنما يتجنى على ما أكتب. والذي يجب أن نضعه أمام أعيننا، لنرى أن ما أكتب: هل يحتمل الفهم المغرض، والتفسير المخالف، والتأويل المتجني، أم لا؟
وإذا كان هناك من يعتبر نفسه معنيا بما أكتب، فذلك شأنه، ومن حاول فهمه على هواه، فذلك شانه، ومن يعمل على تفسيره تفسيرا مخالفا، فذلك شأنه، ومن أوله لخدمة أغراض معينة، فذلك شأنه. وأنا لست مسؤولا عن الفهم، أو التفسير، أو التأويل؛ لأن كل ذلك لا علاقة له بالموضوع، الذي نشرته بعض المواقع الإليكترونية: المحلية، والوطنية، والعربية.
وأنا عندما وزعت المقال، لم انتظر أنه سينشر على المواقع المحلية، التي قامت بنشره؛ لأن كل ذلك صار من حقها، ما دام موزعا على أوسع نطاق، ولم أكن أنتظر أن يصير مقبولا من أشخاص، ومرفوضا من أشخاص آخرين، ولم أكن أنتظر التعليقات التي أترفع عن الرد عليها، والتي تناولتني بالسب، والقذف، على صفحتي الشخصية على الفيسبوك، وعلى مختلف المواقع، كما لم أكن أعرف أنني سأتلقى مكالمات هاتفية، تستفسرني عن المقصود بمضمون النص، وتنتهي بالتهديد بالانتقام، فكأنني سميت، وعينت، وشخصت، مع أنني لم أقم بأي شيء من ذلك، مع العلم أن ظاهرة مغادرة اليساريين لليسار، في اتجاه اليمين، بدأت منذ ظهور اليسار، وازدهرت في عهد لينين، واستمرت في مختلف الأقطار، إلى يومنا هذا، بما فيها المغرب، الذي عرف الهجرة من اليسار، إلى اليمين، من أجل الحصول على المزيد من الامتيازات، التي يحرم منها اليساريون، وهم في اليسار. وقد برزت هذه الظاهرة بشكل ملفت للنظر، في السنوات الأخيرة، خاصة بعد تلقي العديد من اليساريين، التعويض الذي خصصته لهم هيأة الإنصاف، والمصالحة، وعلى الأخص، بعد ظهور حزب الدولة إلى الوجود.
وهؤلاء المهاجرون إلى اليمين، ينتمون إلى مختلف التيارات، والأحزاب اليسارية، أو المحسوبة على اليسار.
وعندما أطرح الظاهرة للنقاش، فلأنني أسعى إلى إثارة النقاش حولها، في إطار احترام الرأي، والرأي الآخر، وخاصة في صفوف المنتمين إلى اليسار، من أجل ترسيخ الممارسة الديمقراطية بين اليساريين بالخصوص، الذين يعقد عليهم الشعب المغربي آمالا عريضة في المستقبل، خاصة، وأن الأزمة التي عرفها النظام الرأسمالي، استعادت أهمية القطاع العام، الذي يكون مملوكا للشعب، وكف عن بيع ممتلكات الشعب إلى القطاع الخاص، وأبرز أهمية الماركسية، والماركسيين، وأهمية الاشتراكية، والاشتراكيين، ولكن في نظر الغربيين وحدهم، الذين يحترمون بعضهم البعض.
وقد كان من المفروض أن أوضح ذلك في مقدمة كتابة الموضوع:
(ما مصير الذين كانوا محسوبين على اليسار بعد شروعهم في تبخيس رموزه التاريخيين...).
الذي أثار الحساسيات، إلا أنني أغفلت ذلك، معتقدا أنه لا يعني أي شخص بعينه، ولا أي توجه معين، وغايتي هي إبراز أن ضعف اليسار، لا يعني موته، بقدر ما هو مدعاة إلى العمل على البحث في سبيل تقويته، والعمل على تجاوز حالة الضعف، التي يعاني منها، إلى مستوى وضوح الرؤيا الأيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية، باعتبار ذلك الوضوح وسيلة لتقوية اليسار، بمكوناته المختلفة، حتى يلعب دوره لصالح الجماهير، وبالجماهير، وعلى المستوى الوطني.
والمقال الذي أثار هذه الضجة كلها، ووقف وراء ما تعرضت له من سب، وقذف، على صفحتي في الفيسبوك، وعلى مختلف المواقع الإليكترونية، وعن طريق الهاتف، لا يحمل ولو كلمة واحدة عن هذا الشخص، أو ذاك، بقدر ما حاول العمل على حماية اليسار، ممن كانوا ينتمون إلى اليسار، وانتقلوا إلى الانتظام في العديد من الأحزاب اليمينية، أو وضعوا أنفسهم في خدمة مصالح الطبقة الحاكمة، والذين نعرف العديد منهم، وأين كانوا، وأين هم الآن، بعد أن تم تعويضهم عن معاناتهم، أثناء ما صار يسمى بسنوات الرصاص، ولعل من واجبي، كواحد من المنتمين إلى اليسار، أن أعبر عن رأيي في الموضوع، وخاصة بعد أن اقترب موعد الانتخابات الجماعية، الذي ينبئ ببداية هجرة مضادة من اليسار، إلى اليمين، من أجل الاستفادة من الوضع القائم، الذي يعرف تحولا عميقا، لا في اتجاه ترسيخ الممارسة الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بل في اتجاه إعادة إنتاج الواقع المتردي، في مستوياته المختلفة، ومن أجل أن يصير أكثر رداءة، استعدادا لانتخابات 2013، لإعادة تشكيل المشهد السياسي، بما يخدم مصلحة الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي للمجتمع. وهو ما يعمق الفرق القائم، بين الطبقة الحاكمة، ومحيطها، وبين الكادحين، الذين عليهم أن يبيعوا ضمائرهم، مقابل الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المقبلة، وبعد ذلك فليذهب اليسار، ومن ينتمي إليه، إلى الجحيم.
ودفاعي عن اليسار في المقالة المذكورة، وعن رموزه التاريخيين، والواقعيين، القائمين على أرض الواقع، وعلى المستوى الوطني، لم يأت برغبة ذاتية، بقدر ما فرضته شروط موضوعية، بسبب تتبعي لما عليه اليسار، على المستوى الوطني، وعلى المستوى القومي، وعلى المستوى العالمي. وهذه الشروط، هي التي حكمتني، أثناء كتابة الموضوع المذكور، من أجل زرع الأمل في نفوس المناضلين الأوفياء من اليسار، والذين لا زالوا شبابا، بحكم القدرة على الأداء العظيم، من أجل جعل اليسار رائدا، على مستوى الارتباط بالشعب المغربي، وبالشعوب العربية، وغير العربية، وبالإنسان بصفة عامة، حتى يصير الوعي اليساري في متناول جميع الكادحين، ومهما كانت الطبقات الكادحة التي ينتمون إليها، وفي طليعتهم الطبقة العاملة.
أليس من حقي، كمواطن مغربي، أن أعبر عن رأيي؟
أليس التعبير عن الرأي، من الحقوق التي يجب أن يكفلها القانون لجميع المواطنين؟
أليس ما مورس في حقي، من قبل أشخاص معينين، مصادرة لهذا الحق؟
هل يعتقد هؤلاء، أنني سوف أتراجع إلى الوراء، بسبب ممارستهم القمعية؟
أليسوا هم بذلك، يحلون محل الأجهزة القمعية، في ممارستهم للقمع المباشر، وغير المباشر، الذي تعرضنا له؟
أليس نقد الظواهر البذيئة، والمنحطة في المجتمع، واجبا على كل يساري؟
ألا يعتقد معي هؤلاء، أنهم بممارستهم لقمعي، إنما يضاعفون من قوتي، ومن قدرتي على المواجهة، ولو عن طريق الكتابة؟
هل يعتقدون أنني سوف أتخلى عن مبادئي، وعن أخلاقي، التي تربيت عليها منذ صغري، والتي ازدادت تبلورا بالارتباط باليسار منذ ستينيات القرن العشرين؟
وانطلاقا من هذه الأسئلة، التي طرحناها، وانطلاقا من الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومرورا حتى بالقوانين الوطنية، المفتقرة للتلاؤم مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، فإن من حقي كإنسان أولا، وكمواطن مغربي ثانيا، أن أعبر عن رأيي تجاه كل القضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وبالطريقة التي تتبين لي، وأن أتعامل مع مختلف الظواهر، وبالطريقة التي تتبين لي، كأي إنسان، وكأي مواطن مغربي.
والتعبير عن الرأي، من الحقوق التي يجب أن يكفلها القانون، ويجب أن يحترمها الجميع، حتى يتمتع بها كل إنسان، وكل مواطن، دون أن يمارس عليه أي شكل من أشكال القمع، بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، من قبل المسؤولين، أو حتى من قبل أناس عاديين، لا يرضيهم التعبير عن الرأي، في موضوع معين، فيحلون محل المسؤولين في ممارسة ذات القمع.
وما مورس في حقي، من قبل أشخاص لا أعنيهم أبدا فيما كتبت، أعتبره مصادرة لحقي في التعبير عن رأيي، فكأن هؤلاء الأشخاص، الذين فهموا، أو فسروا، أو أولوا كلامي على هواهم، إلى ما لا أعنيه أبدا، وقولوني ما لم أقل، واعتبروا أن المقال خاص بما هو محلي، مع أنه يهم ما يجري عادة، كلما قربت الانتخابات الجماعية، التي تعرف هجرة فلان، أو علان، من اليسار إلى اليمين، وما أكثر هؤلاء المهاجرين الذين تضررت منهم كل التوجهات اليسارية: تيارات، وأحزابا، بوقوفهم وراء الضعف الذي تعاني منه تلك التوجهات، ونظرا للتشويه الذي يلاحق اليسار بسبب ذلك.
ولعل الذين يعتبرون أنفسهم معنيين بالمقالة المذكورة، يعتقدون أنهم بسبب ممارستهم القمعية المباشرة، وغير المباشرة، سوف أتراجع إلى الوراء. فانا مستعد لتلقي الضربات، ومهما كانت تلك الضربات، سوف أتمسك بحقي في التعبير، الذي هو مبرر وجودي كإنسان، وكمغربي، قبل أن أكون يساريا، وسوف أعبر عن رأيي في مختلف القضايا، التي تشغل بالي، وسوف أحرص على أن لا أعني بها شخصا معينا، أو مجموعة من الأشخاص، وسوف ألتزم بالنقد الموضوعي للظواهر المختلفة، التي يعج بها الواقع لاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي, وكل من اعتبر أنها تعنيه، فذلك شأنه.
وهؤلاء الذين يعتبرون أن المقالة تعنيهم، يحلون محل الأجهزة القمعية، في ممارستهم للقمع المباشر، وغير المباشر، الذي تعرضت له، دون اعتبار لحقي في التعبير، ودون احترام لذلك الحق، الذي يجب أن يكون مقدسا، مع أني أمتنع عن الرد على التعليقات، التي تستهدفني شخصيا، أنا، وأسرتي، مما يذكرني بما كان يحصل معي خلال الثمانينيات، وبداية التسعينيات من القرن العشرين، حيث كانت أسرتي تتلقى التهديدات، تلو الأخرى، بتصفيتي الجسدية، من قبل أشخاص لا أعرفهم، ولا أعرف من كان يبعثهم، من أجل أن أتراجع إلى الوراء، ولم أفعل، لأن شعاري الذي كنت أحتمي به، ولا أزال كذلك، هو: (كل مصيبة تصيبني، ولا تقتلني، فهي قوة جديدة لي)، كما يذكرني بالرسائل الإليكترونية، التي كنت أتلقاها على بريدي الإليكتروني، في العشرية الأولى من القرن العشرين، والتي وصلت إلى حد التهديد بالتصفية الجسدية.
وما أعرفه، كيساري، أن من واجبي أن أتناول الظواهر البذيئة، والمنحطة بالنقد، والتحليل، والتشريح، والنقض، حتى تتوضح بذاءتها، وانحطاطها أمام الجماهير الشعبية الكادحة. وهذا النقد، والتشريح، والتحليل، والنقض، من أجل التوضيح، هو كذلك من واجب كل يساري صادق، وليس مندسا في صفوف اليسار، لا يسعى إلا إلى توظيف انتمائه إلى اليسار، وإلى أجهزته المختلفة، لخدمة مصالحه الخاصة. وهذا اليساري الصادق، هو الذي يسعى فعلا إلى تعبئة الجماهير، في اتجاه الانخراط في النضالات، التي يخوضها اليسار، من أجل التغيير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، وبالجماهير الشعبية الكادحة.
وأي ممارسة لهؤلاء، من أجل قمعي المباشر، وغير المباشر، لا يزيدني إلا قوة، وصمودا، وباضعاف مضاعفة، لمواجهة كل أشكال التخلف، التي تعشش في مجتمعنا، لا لأنني قادر على التغيير، بل لأنني أدرك جيدا أن الفرد وحده لا يستطيع أن يفعل شيئا، بل أملا في أن تمتلك الطبقة العاملة، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الوعي اللازم بالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، والعمل على الارتقاء بذلك الوعي، من أجل أن ينخرطوا جميعا في ممارسة الصراع الطبقي، في مستوياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في أفق انتزاع المزيد من المكاسب، والانتقال إلى الانخراط في عملية التغيير، الهادف إلى تحقيق الحرية بوضع حد للاستعباد، وتحقيق الديمقراطية بوضع حد للاستبداد، وتحقيق العدالة الاجتماعية بوضع حد للاستغلال. وهذه القوة التي تتضاعف عندي، تجعلني أردد قولة الشهيد عمر بنجلون: (الإرهاب لا يرهبنا، والقتل لا يفنينا، وقافلة التحرير تشق طريقها بإصرار)، حتى لا أتراجع إلى الوراء، وحتى أشق طريقي التي سرت فيها منذ ستينيات القرن العشرين، وبإصرار، حتى ألقى ربي، وبأي طريقة كانت، وبعدها فلينهش هؤلاء القامعون جسدي الميت، وليمثلوا به ما شاء لهم التمثيل، إن كان ذلك يكفيهم (شري)، إن كان فضحي وتعريتي للظواهر الرديئة، والمنحطة، والمتعلقة بهجرة بعض اليساريين في اتجاه الارتباط باليمين، من أجل الاستفادة من الأوضاع المتردية، يعتبر شرا. ولذلك فليعف هؤلاء أنفسهم من ممارسة تهديدهم، نيابة عن أجهزة القمع الهمجي، التي تعودنا منها ذلك في المراحل السابقة.
وعلى هؤلاء الذين تكالبوا على قمعي، من خلال تعاليقهم، التي أترفع عن الرد عليها، والذين أعرف من هم، والذين أدرك جيدا تعيشهم من فتات موائد الجمعيات، التي يسمونها تنموية، والذين يقدمون مشاريع وهمي،ة من أجل تمويلها، لتصير موضوع اشتغالهم على تفويت رصيدها إلى جيوبهم، بطريقة، أو بأخرى، ومن خلال المكالمات الهاتفية المعلومة، وغير المعلومة، أن يدركوا أنني أعض بالنواجذ على مبادئي، وعلى أخلاقي، وعلى معاملتي الطيبة مع الناس البسطاء المقهورين، باعتبار تلك المبادئ، وتلك الأخلاق التي تكونت عندي، في مساري النضالي، وتلك المعاملة، هي زادي، وقوتي، وحصني، وهي الأمل الذي لا زال يتملكني بعد هذا العمر الذي عشته.
ولذلك، فما أكتبه، يفرض علي كتابته، بحكم الشروط الذاتية، والموضوعية، التي أعيشها، وما أكتبه، يعني الظواهر، ولا يعني الأشخاص أبدا، ومن وجد نفسه مشمولا بما أكتب، فذلك شأنه، ومن يفهم ما أكتب، أو يفسره، أو يؤوله على هواه، فذلك شأنه، وكل ما أؤكد عليه مليار مليار مرة، أنني لا أعني بما أكتب أشخاصا معينين، بقدر ما أرصد الممارسات التي ينتجها أفراد المجتمع، والتي تسيء إلى المجتمع ككل، سعيا إلى الإمساك عن إنتاج تلك الممارسات ،وذلك من حقي، ولا أتنازل عنه أبدا.