أسدل الستار على فعاليات الندوة العلمية، التي نظمها اتحاد مجالس البحث العلمية العربية ووزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، بتعاون مع جامعة سيدي محمد بن عبد الله والمعهد الوطني للنباتات الطيبة والعطرية، خلال الفترة الممتدة ما بين 26 و27 أكتوبر ، تحت شعار "النباتات البرية، محاصيل اقتصادية واعدة في الوطن العربي"، بإنشاء رابطة النباتات العطرية والطيبة في الوطن العربي، حظي المغرب برئاستها. دارت أشغال هذه الندوة برحاب المعهد الوطني للنباتات الطبية والعطرية بإقليم تاونات وكلية الطب والصيدلة بفاس، حيث عرفت حضورا متنوعا ومتميزا ومشاركة فعالة لأساتذة وباحثين جامعيين في مراكز الأبحاث الزراعية، إلى جانب نخبة من العاملين بالمنظمات العربية والإقليمية ذات العلاقة بهذا المجال، وبعض المهنيين والصيادلة ممن لهم اهتمام بالموضوع. الدكتور الفارسي السرغيني رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله، أعطى انطلاقة هذه التظاهرة، من خلال كلمته الافتتاحية، التي أشاد فيها بأهميتها العملية، التي تهدف إلى إبراز دور النباتات البرية كمحاصيل اقتصادية واعدة مع تحديد المنافع الطبية والصناعية للبعض منها، وجلب انتباه المسؤولين إلى ضرورة التوسع في زراعتها، خصوصا المرتبطة منها بالاقتصاد والعلاج الطبي، مشيرا إلى الأسباب التي تهددها وتعرضها إلى الإتلاف والانقراض، من زحف عمراني وانجراف التربة والتلوث البيئي، والرعي الفوضوي.... وغيرها من العوامل، حيث أن أكثر من 50 ألف نبتة عشبية معرضة للفناء، يضيف الدكتور الفارسي، وذلك بسبب الاستغلال المفرط للغابات في الدول النامية، كما يشكل الاعتداء على البيئة باسم التداوي بالأعشاب، الضرر الأكثر فتكا بهذه السلالات النباتية. وفي هذا السياق، شدد على ضرورة صيانة النباتات البرية لإحياء الأنظمة البيئية، مقترحا خطة علمية لحماية هذه الثروة وإقامة محميات طبيعية، تخضع لتشريعات وقوانين تنظم العمل في ممارسة طب النباتات، وتأسيس جمعيات وهيآت تضم المهتمين بهذا الموضوع ومن ذوي الخبرات العلمية والأكاديمية وتشجيع تبادل الخبرات والمعرفة، والاطلاع على التقدم الحاصل في هذه الصناعة في دول العالم. كما دعا في الأخير، إلى المزيد من الاهتمام بتصنيع واستثمار النباتات البرية، باعتبارها ثروة اقتصادية هائلة، حيث يمثل السوق العالمي من هذا القطاع معاملات نقدية جد هامة، تقدر ب 64 مليار دولار أمريكي، من خلال استغلال 35000 نبتة في الصناعات الزراعة الغذائية والزراعة البيولوجية ذات قيمة مضافة عالية ( التوابل والعطور والوقاية الصحية والتزيين والتداوي بالأعشاب وتخصصات صيدلية وشبه صيدلية وكيميائية ومستخلصات نباتية). من جانبه، تحدث الأستاذ الدكتور أحمد الحطاب مدير مديرية العلوم بالوزارة، عن الأهمية الكبرى التي توليها هذه المؤسسة للنهوض بالبحث العلمي في مجال النباتات العطرية والطبية، حيث أنشأت لهذه الغاية قطبا للكفاءات يضم معظم المؤسسات الجامعية، يوجد مقره بكلية الطب والصيدلة بالرباط، معتبرا هذه الندوة خطوة إيجابية ومهمة للغاية، ستمكن العلماء والباحثين العرب من التعريف بما وصلوا إليه من نتائج في شتى ميادين العلوم والتكنولوجيا، مركزا على أن هذا اللقاء يدخل ضمن استراتيجية يكون هدفها المرتقب إنشاء فضاء عربي للبحث العلمي يحظى بمكانة متميزة في الأوساط العلمية العالمية. وبعد التحاقه بالمنصة، تطرق الأستاذ الدكتور مبارك محمد علي مجدوب، الأمين العام لاتحاد مجالس البحث العلمي العربية، إلى الاستغلال المحتشم للثروات النباتية البرية في الوطن العربي، مشيرا الى أن استثمارها مازال محدودا، مما يستدعي تعاون الجهات العلمية بالدول العربية في ما بينها للتعرف على هذا الجانب من النباتات والقيام بالدراسات والأبحاث العلمية على العديد منها وأهميتها في المجالات الغذائية والصناعية والطبية، وذلك من خلال خلق جهاز يمكن من تبادل الخبرات والتجارب بين الدول العربية، بشأن النباتات البرية وخاصة منها تلك ذات الفائدة الاقتصادية مع تحديد أماكن تواجدها. وقد توزعت فقرات برنامج الندوة، على أربع جلسات تمحورت الأولى حول موضوع" المنافع الصيدلية والصناعية لعدد من النباتات البرية"، كان للأستاذ الأردني الدكتور أحمد الكوفحي، الفضل في تقريب الحضور من هذا الموضوع الهام، حيث استعرض في ورقته العلمية لمحة تاريخية عن أهم الحضارات التي اهتمت بالتداوي بالنباتات البرية، وعن الدراسات البيولوجية والفارماكولوجية والسريرية التي أجريت على عدد من النباتات البرية الموجودة بالأردن. كما تضمنت الورقة بعض الأدوية والمستحضرات النباتية التي صنعت من تلك الأنواع عالميا ومحليا بعد أن اجتازت كافة الفحوصات المعتمدة دوليا. الأستاذ محمد احماموشي المدير السابق للمعهد الوطني للنباتات الطبية والعطرية بتاونات تناول موضوع " المنافع الصناعية والتوسع في زراعة النباتات البرية التي لها دور اقتصادي واعد" مناشدا المجتمع العربي وضع خطط محكمة وتدابير عاجلة لحماية هذه الثروة وعقلنة استغلالها، حيث تطرق في الجلسة الأولى التي دارت بالمعهد الوطني بتاونات، إلى الإكراهات والطرق البدائية والتقليدية، التي يمر بها تجفيف الأعشاب ونقلها وتخزينها، مقترحا عددا من الحلول في إطار المحافظة على تراثنا الطبيعي والبحث التنموي وتقنين القطاع والمساهمة على خلق قطاع سوسيو- اقتصادي، انطلاقا من مجال النباتات الطبية و العطرية، حتى تلعب هذه الموارد الطبيعية دورا إيجابيا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المستدامة. الأستاذ ناصر بن صالح الخليفة من الرياض عالج بدوره، موضوع" إعادة تأهيل وإنتاج النباتات ذات القيمة البيئية والحطبية بالمملكة العربية السعودية. وتميزت الجلسات بالنقاش الجاد وملامسة أدق التفاصيل ،وكان الجانب الأردني حاضرا بقوة في إغنائها، للخروج بمقترحات وتوصيات بناءة، تمثلت في ضرورة قيام الجهات الطبية المسؤولة في كل دول عربية برفع وعي المواطنين والباحثين والدارسين بأهمية النباتات البرية الواعدة وخاصة النباتات الطبية المستعملة في الطب الشعبي، وضرورة الالتزام بالضوابط العلمية فيما يلبي البحث الصيدلاني لها، كما من الضروري قيام الجهات المختصة في كل دولة عربية بتأليف لجنة من المختصين للعمل على حفظ الأصول الوراثية للنباتات البرية ووسائل تبادلها وخاصة بين الدول العربية، مع وضع قوانين وضوابط للحفاظ على التنوع البيئي وصولا لوضع دستور وطني بالتالي عربي للنباتات الطبية، إلى جانب العمل على استحداث قاعدة معلومات للنباتات البرية تشمل النباتات ذات العلاقة في مجال الغذية والبيئية المستحضرات الصيدلانية ومختلف الصناعات الدوائية وغيرها من الصناعات ذات الأهمية الاقتصادية. كما أوصى المشاركون، بضرورة قيام الدول العربية عن طريق اتحاد مجالس البحث العلمي العربية واتحاد الأطباء العرب والصيادلة العرب وغيرهم ممن لهم علاقة وطيدة بأهمية النباتات البرية، ليس من حيث الجانب الطبي فحسب بل بالجانب الاقتصادي والصناعي، باتخاذ ما يلزم لتحقيق: - تحديد النباتات البرية الأكثر أهمية من الناحية الاقتصادية والطبية والتوجيه بزيادة زراعتها وإكثارها ورعايتها من كافة النواحي. - توجيه الإعلام العربي بإظهار أهمية هذه النباتات البرية وحث القطاع الخاص في كل دولة عربية للمساهمة في دعمها، والإكثار منها لأغراض استثمارية عن طريق مزارع خاصة لهذا الغرض. - تبادل المعلومات ونتائج الأبحاث والدراسات الجارية في كل قطر عربي للعلم والاستفادة مما ورد فيها مع العمل على تنفيذ ندوات ومؤتمرات دورية في الدول العربية لبيان مدى الاهتمام بهذه النباتات والاستفادة منها في شتى المجالات. للإشارة، يعتبر المعهد الوطني للنباتات الطبية والعطرية من أهم المؤسسات التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله، أحدث بمقتضى مرسوم رقم 2.01.1837 صادر في 04 يونيو 2002 بمدينة تاونات، على مساحة إجمالية تقدر ب 25 هكتارا، يضم مشتلا وضيعة مخصصة للتجارب والبحث التطبيقي في النباتات الطبية والعطرية، إضافة إلى البناية التي تضم البهو التكنولوجي والمختبرات المختصة بالبحوث العملية، وفي المدى القريب والمتوسط سيتم توفير