لا تأسفنَّ على غدر الزمان لطالم رقصتْ على جُثث الأسودِ كلابُ لا تحسبنَّ بِرقصها تعلُو أسيادها تبقى الأسودُ أسودٌ والكلابُ كلابُ لم تُسعفني الذاكرة باستحضار صاحب البيتين الشعريين، ولا مناسبة القول، ولم تسمح ظروفي بالبحث في الموضوع، وبكل تلقائية وعفوية نطت معاني البيتين أمامي تذكرني في «الزمن الواطي» بما يفرزه ويفيض عنه، من إسفاف ولُئم وخسة، واندفاع بلا حدود ولا عاصم يحد من تنطع زائد، وجهالة كذلك وتطاول جبان على الذاكرة والتاريخ والرموز بأحط مستويات الدناءة. مناسبة الحديث ما قيل وتناقلته وسائل الإعلام على لسان أَحدِهم من مخلوقات الزمن الواطي، أكدت أفعاله قبل أقواله أنه من فصيلة كائنات مختبرية، بعيدة كل البعد عن طينة الوطنية والشهامة النضالية، عن رمز سياسي تاريخي للشعب المغربي، وأحد القادة الوطنيين الكبار ممن جعلوا اسم المغرب أكثر من جغرافيا وعمران، وأكبر من مساحة وموقع جيو ا ستراتيجي على خريطة العالم، وحلقوا به في الأعالي، ويصير رمزا تحرريا على المستوى العالمي من عيار غيفارا ولومومبا وعبد الناصر، ويُغْني وطنيته العالية، باعتباره أحد الموقعين على عريضة المطالبة بالاستقلال، وأحد البناة المؤسسين لمغرب الحرية والتحرر، وأحد المنتصرين للمغرب الديمقراطي، وأقوى رمز لشهيد مغربي لازلنا إلى اليوم نتحدث عنه، ونخلد ذكراه كل 29 أكتوبر من كل سنة دون أن نتمكن من الوقوف على قبر له. ماذا جرى للمغرب والمغاربة ليخرج من صلبهم أومن بين ظهرانيهم والله أعلم من يُشهر في وجوههم غِلا وأحقادا نجد أشباها لها ونظائر في تركة أوفقير والدليمي وآخرين ممن وشموا مغرب القمع والاستبداد خلال سنوات الرصاص ؟ حِرت في اختيار زاوية النظر للموضوع، لوضع الحدث في موقعه دونما تجني على الفاعل، ولا تملص من المسؤولية الفردية والجماعية في حماية ذاكرتنا الجماعية، وتساءلت عن الداعي والمناسبة للتطاول على شهيد المغرب الكبير ؟ وأية حسابات قادت غريرا متواضعا في كل شيء إلا في سلوكه الفج، لمحاولة الخدش الصبياني في صورة رمز سياسي وطني صنعه التاريخ من مادة ليست قابلة إلا للاشتعال أكثر، لا تقبل الكسر، ولا المحو ولا التذويب؟ وأية إضافة للتاريخ حملتها عبوات لفظية جارحة، أبانت عن شحنات سلبية لم تفهم التاريخ كما يجب، ولم تستوعب دروسه وعِبره، ولم تستحضر تضحيات جلى وعطاءات عظيمة استرخصها مناضلون أشاوس حفروا بالصدق والالتزام على جدارية الوطن مسيرة حزب الاستقلال، معلمة وطنية شامخة من أبرز وجوهها علال الفاسي وأحمد بلافريج وعبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد والفقيه البصري، ويتوسطهم شهيد المغرب وحركة التحرر العالمية المهدي بن بركة رحمة الله عليه. وازدادت حيرتي اتساعا وأنا أحاول التعرف على المستفيد مفردا وجمعا من إطلاق افتراءات رخيصة متآمرة، آثار عدوانها لا تقف عند حدود الماضي، بل تعمل على تقويض ما راكمته القوى الوطنية الديمقراطية في مسيرتها الصعبة وهي تشق طريقها بحثا عن ما يلملم شتاتها ويوحد إرادتها ونضالاتها وأدواتها. وبكلمة، إننا إزاء جريمة أكبر من زلة لسان، وعثرة ضال، مصدرها كائن مستعمل لم تسعفه سذاجته وتمثلاته لتقدير حجم الدمار، وما يتَرتب عنه من نتائج يصعب علينا الاعتراف لصاحبها، أننا نتقاسم معه ويقاسمنا وطنا وتاريخا ومصيرا وأحلاما جعلت المغاربة يفخرون بشعب أنجب محمد بن عبد الكريم الخطابي ومحمد الخامس ومحمد الزرقطوني وحمان الفطواكي وأحمد الحنصالي وقادة كبار من عيار المهدي رحمة الله عليهم جميعا. قرأت كتابات عبد الحميد جماهري وعبد اللطيف جبرو والمقاوم محمد بن حمو وغيرها من المقالات التي وقفت عند الحدث، وشكاية الشبيبة الاتحادية أمام القضاء، وتدخل الأخ محمد اليازغي أمام المجلس الحكومي ممتعضا ومحتجا من جراء التهجمات على الشهيد المهدي، وتوقفت عند العرائض الموقعة من فاعلين سياسيين وحقوقيين ونقابيين وثقافيين، لإدانة استهداف الشهيد المهدي، وكل ذلك غيض من فيض، الخلاصة منه أن المحاولات اليائسة المعلومة والمخدومة انفلاتات شاذة لحانقين جدد لن يجدوا من شعبنا بذاكرته الحية، ووفائه الأبدي سوى التصدي والمواجهة، وليعلم الفاعل أن عشرات الآلاف ممن يحملون اسم المهدي اليوم، كانت تسمياتهم تيمنا بهذا القائد الشهيد وهو حي يرزق، كما ازداد اسم المهدي توهجا وانتشارا منذ خريف سنة 1965 بعد اغتياله وتصفيته. قبل أن أتم هذه المادة سمعت عجبا عجابا من زعيم الزمن الواطي في الحصاد المغاربي على القناة المعلومة، وصرح بيقينية زائدة :«أن المهدي قاتل بإجماع كل المقاومين وكل المؤرخين»، وبناء عليه فالخطوة القادمة إعدام آخر للشهيد على يد أوكامبو رئيس المحكمة الجنائية الدولية وفق مخطط الزعيم. الرسالة وصلت، ونقول مع القائلين، صار بالبال، وما زال العاطي يعطي في الزمن الواطي.