بداية، و قبل الخوض في ثنايا العنوان أعلاه، سيكون من المفيد أن نذكر بمكر التلاقح الحاصل ، مغربيا ، ما بين السياسي و السياسة من جهة ، و السياسوي و السياسوية من جهة ثانية ، إذ يضع الواقع المغربي أمامنا ، في استمرارية محبوكة ، عمق الصراع المتواصل ما بين فعل سياسي مسؤول مؤسس على فكرة النضال من أجل الغد الأفضل ، و إرادة موازية ، معاكسة ، أساسها تمييع ذات الفعل ، و محاولة إخراجه للوجود بشكل مشوه يفقده صفاءه في ذهنية المواطن ، و بالتالي إسقاطه في فلك اللامعنى ثقافيا و مجتمعيا ... تلكم حقيقة ، مؤسفة ، باتت تشكل العنوان الحقيقي لمشهد سياسي وطني ، يبعث على القرف و الإشمئزاز و الغضب ، مثلما يدفع إلى إعادة التفكير في حقيقة الشعارات المرفوعة ، لا من طرف أبواق الدولة فحسب ، و لكن من طرف من يقدمون أنفسهم كنقيض لتلك الأبواق كذلك. فالحالة المغربية الراهنة تؤكد ، و كما يرى ذلك أحد الأصدقاء ممن يدخلون في خانة الفاعل السياسي المناضل ، على أن بلادنا تعيش ثورة سلبية ، تترسخ كممارسة عفوية يوما بعد آخر ، و تنذر بموت بطئ للسياسة ببلادنا، و من ثم دخول الوطن في نفق مظلم ، قد يعود بنا لسنوات بئيسة مضت ، مثلما قد يقودنا إلى دولة الفوضى المؤسسة على غياب معطى الثقة بين مختلف مكوناتها . إذ بتنا أمام سياسويين ، يقدمون للمواطن كفاعلين سياسيين ، توظف لهم كل الامكانيات و الوسائل ، من أجل أن ينزلوا بالسياسة إلى الحضيض ، و لكي يجعلوا من السياسوية المرآة العاكسة للفعل السياسي أمام المواطن المغربي المقيد بواقع اجتماعي قاس ... إننا هنا أمام قتل يومي للسياسة ، فبعد أن كانت هذه الأخيرة ، و لا تزال على أية حال ، تشكل عنصر خطر حقيقي على حياة و مصالح كل من ينخرط في الحركية النضالية المرتبطة بها ، بمنطق الفعل السياسي الحقيقي ، اللصيق بهموم و قضايا الوطن و المواطن ، أصبحت اليوم ضحية لسياسوية البعض ، و أحيانا لبعض السياسيين الحقيقيين المترددين في الحسم مع اختيارات المرحلة ، بحيث انقلبت الآية و أصبحنا أمام أجسام تتقمص لباس السياسي ، لتقوم ، انطلاقا من رغبات محركيها ، بخنق السياسة و تبخيس كل ما هو مرتبط بها ... من المهم أن نقف عند هذه الحالة المغربية الفريدة ، و من الواجب ، من منطلق المواطنة ، أن نسلط الضوء على هذا التحول المثير في تعامل المخزن الجديد/المتجدد مع السياسي و السياسة ببلادنا ، خاصة في ظل الإنتقال السلس من القمع المباشر ، و خلق الأحزاب التابعة/الإدارية ، إلى تمييع الفعل السياسي ، و قتل السياسة بأيدي من تبرزهم العقلية المخزنية كفاعلين سياسيين ، انطلاقا من وصفة أن ليس في القنافذ أملس، المراد لها ان تكون أساس حكم المواطن على الفعل و الفاعل السياسيين ببلادنا. و لعل الحديث عن مسألة إعادة الاعتبار للعمل السياسي لأبلغ تعبير عن ضرورات المرحلة ، خاصة في ظل الضبابية المتحكمة في كل ما هو مرتبط بالشان العام ، فمن جهة أولى سيسمح ذلك بتثبيث المشروع المجتمعي المؤسس على ثنائية الدولة/ الفاعل السياسي ، بمنطق التوازن و ليس التبعية ، و من جهة ثانية سيجد الفاعل السياسي نفسه أمام اختبار النضال المؤسس ، من خلال الدفاع المستمر عن متطلبات التحول الإيجابي ببلادنا ، انطلاقا من خطوط حمراء لا يحق لأي كان تجاوزها ، و ارتباطا بطبيعة النضال الديمقراطي ، الذي ، و إن كان مقيدا بمعطى الانتقال اللصيق بفترة زمنية مستقبلية ، يظل رهين الوعي التام بجدوى الإصلاحات السياسية و الدستورية و المؤسساتية ، الحقيقية ، التي يفترض أن لا تظل حبيسة منطق التردد أو الانتظارية السلبية ، خاصة و أن محطة السابع من شتنبر 2007 ، بما عرفته من مقاطعة شعبية واسعة لصناديق الاقتراع ، قد أكدت على أن مسارات الإصلاح ببلادنا ، تظل كائنا هلاميا بالنسبة لشرائح واسعة داخل المجتمع ، في ظل انسياق الجسم السياسي المغربي وراء الخطابات الرسمية ، البعيدة ، في شق كبير منها ، عن حقائق ما يتكبده المواطن و المواطنة المغربيين في معيشهما اليومي... إن المسألة هنا تشبه لعبة المتاهة ، لكنها للأسف ، متاهة يقود مخرجها الوحيد صوب مدخل جديد لمتاهة جديدة ، بحيث أصبح الحديث عن الإنتقال الديموقراطي غير ذي مصداقية يوما بعد آخر، و أصبحت خطابات الإصلاح مجرد فقاعات في ذهنية المواطن ، بل ، و تلك هي الطامة الكبرى ، أصبحت السياسة حبيسة قفص اتهام شعبي ، و أصبح السياسي مدانا إلى أن تثبت البراءة ، و أصبح بذلك مستقبل بلادنا رهين سياسة الخلط و التمييع و القضاء على كل ماهو جدي. و لعل الأسئلة التي تطرح نفسها في الأخير هي : لمصلحة من يتم ذلك؟ و هل في الثورة السلبية مخرج؟ هل يستقيم النضال و منطق العجلة و الندامة ؟ هل يكفي أن يبحث السياسي اليوم عن مشاركة شعبية واسعة في انتخابات محلية متحكم فيها بقوانين معاقة و تقطيع مشوه و أكشاك سياسوية؟ هل نكون نمارس السياسة بصدق القيم و المبادئ ،و نحن إلى جانب سياسويين مخزنيين يمارسون السياسوية ، و يضحكون على ذقون شعب مل العبث حد الثخمة؟ من المفروض على كل مناضل حقيقي صادق أن يجعل من المحطة الإنتخابية المقبلة معركة سياسية و بإمتياز، أما دون ذلك فمعناه القتل مع سبق الإصرار و الترصد ، و القتل هنا دق لآخر مسمار في نعش السياسة ، و أول مسمار في نعش الإستقرار ببلادنا ، و إذ لم نقل اول مسمار في نعش الوطن، فلأننا ندرك بأن الأوطان لا تموت ، و إن تكالب عليها السياسويون......