3 - الشباب والسياسة : بين سؤال التمثلات، واقع المشاركة، وحجم الانتظارات تحيل علاقة الشباب المغربي بالعمل السياسي، إلى العديد من الالتباسات التي تغذيها السوسيولوجيا العفوية وكليشيهات الإعلام وتمثلاث الشباب نفسه وسلوكات الفاعلين. كيف يتصور الشباب «العالم السياسي» ؟ كيف يحضر في تمثلاتهم الرجل السياسي ؟ ثم ماذا عن واقع المشاركة السياسية ؟ وماذا عن حجم انتظارات الشباب من السياسة والعمل السياسي ؟ تطرح العودة إلى بعض الدراسات الميدانية حول الموضوع، إشكالات منهجية تتعلق بمدى إمكانية الإنطلاق من مقارنة نتائجها للوصول إلى خلاصات حول تاريخ تطور تمثلات الشباب المغربي للسياسة، ولعل الضعف الكمي لتراكم هذه الأبحاث هو ما يعمق هذه الإشكاليات. هل تؤثر مثلا، بالضرورة الأبحاث التي اشتغلت خلال الستينات على نفس الموضوع، مقارنة بالأبحاث الحديثة، على أن منحى المشاركة السياسية للشباب يوجد في وضعية إنحدار مستمر ؟ خاصة عندما نفكر مثلا في إحدى أبرز تلك الأبحاث والتي تعود إلى سنة 1961، حيث يجيب أكثر من 70 % من العينة المكونة من تلاميذ بالدار البيضاء، بشكل إيجابي عن سؤال مدى اهتمامهم بالسياسة.(34) نفس الإشكاليات تطرح مثلا عندما نقف على تمثلات الشباب للسياسة، كما تظهر مثلا، في البحث الشهير ل P.Pascon حول ما يقوله 269 شاب قروي(35) حيث تحضر تلك الإزدواجية بين رفض ممثلي «المخزن» المحليين وانتقادهم وبين الاحتفاظ للدولة المركزية بصورة الدولة الراعية والقوية والتي يجب أن تكون منبعا لكل شئ. ثم بعد ذلك نقارن ما بين هذه التمثلاث وبين ما يحضر في أبحاث ودراسات جديدة، حيث من المشروع التساؤل في هذه الحالة مثلا عن مدى استمرارية هذه الازدواجية في تمثل السياسة، بين المستوى المحلي والوطني. بالنسبة لإحدى الباحثات، تبقى علاقة الشباب المغربي بالسياسة، متحولة وغير قارة، إذ يمكن أن تنتقل من وضعية الغياب المعلن عن الفضاء المؤسساتي والقانوني، والذي لا يعني بالضرورة حالة موت سياسي، إلى وضعية التمرد وامتلاك الشارع العام(63) . لذلك تبقى السياسة مجالا مخيفا، فكلمة «السياسة» وحدها تؤدي إلى حالة توثر عندما يقوم أحد ما بمحاولة إجراء حوار مع شاب مغربي إلتقاه في الشارع، إن الأمر يكاد يقترب من الممنوع أو المحرم، ولعل ذلك يعود بالنسبة لنفس الباحثة إلى الحضور المستمر للمخزن في لا شعور ومتخيل الشباب(37) . بالإضافة إلى كونها مجالا مخيفا، تبدو السياسة لدى الشباب، شيئا غامضا، إذ غالبا ما يقدم الشباب عدم اهتمامه بالسياسة إلى عوامل الجهل وعدم المعرفة وغياب «الثقافة» و»المستوى» الذي يسمح لهم بإدراك كنه الممارسة السياسية(38) التي من المفترض أن تبقى حكرا على مالكي أسرارها لأنها في الأصل محصورة على فئة صغيرة من «الأقوياء». إن هذا الحضور المخيف والغامض والمتعالي للسياسة في تمثلاث الشباب، يتحالف مع صورة سلبية للطبقة السياسية، كمجموعة لا تبحث إلا عن خدمة مصالحها الشخصية الضيقة مستعملة جميع الوسائل الممكنة في سبيل ذلك، وكل هذا يغدي أزمة الثقة بين الشباب والسياسة. إن التواصل مع الشباب يجعل الملاحظ يقف على مجموعة من النقط التي تقدم كمبررات لعدم المشاركة، ولعل أكثر تلك النقط ترددا هي ما يلي : الصورة السيئة التي يحملها الشباب عن درجة التزام المسؤولين السياسيين وعن فساد النخبة. ثقل الماضي السياسي للمغرب (القمع-تزوير الانتخابات-...) - الميوعة التي يعرفها الحقل السياسي وكثرة الأحزاب - غياب الديمقراطية الداخلية داخل الأحزاب - عدم قدرة السياسيين على معالجة قضايا الشباب - طبيعة الخطابات السياسية واللغة المنتخبة من طرف الأحزاب - قصور الأحزاب عن التواصل مع المجتمع - الصراعات غير المفهومة التي تعرفها الأحزاب - اهتمام الشباب أساسا بمشاكله اليومية : النقل، الدراسة، العمل .... (39) . يؤكد التقدير الوطني حول 50 سنة من التنمية البشرية، أن الشباب يعبرون عن عدم إكثراتهم بالسياسة أكثر من الفئات الأخرى فهم يسجلون أقل نسبة للتسجيل في اللوائح الانتخابية (50%) والمشاركة في الانتخابات (38%) . في البحث الذي أجرته جريدة lEconomiste خلال عام 2005، عبر فقط 5% من المستجوبين على تماهيهم مع تيار سياسي معين. الباقي، أي 95%، إناث وذكور، من أوساط اجتماعية متباينة، شباب قروي وشباب مديني، غير أن ما يوحدهم هو عدم اهتمامهم بالعمل السياسي((40. وفي نفس البحث، عبر 45% من المستجوبين عن عدم تصويتهم خلال الانتخابات التشريعية لعام 2002، فيما عبر 20% عن ذهابهم إلى مكاتب الاقتراع، الباقي لم يكونوا قد وصولوا بعد إلى سن التصويت. إن الأسئلة المطروحة هنا، تتعلق بمدى اعتبار ضعف المشاركة الانتخابية للشباب، كدليل حاسم على ضعف مشاركتهم السياسية، التي قد تتخذ أشكالا أخرى من الناحية النظرية؟ ثم بمدى حصر ضعف المشاركة الانتخابية على فئة الشباب، والحال أننا أمام ظاهرة عامة تخترق المجتمع بكافة فئاته العمرية والاجتماعية، ولعل النسبة المتدنية للمشاركة في انتخابات 7 شتنبر 2007 أكبر دليل على ذلك. لذلك من المهم تأطير ضعف المشاركة بالنسبة للشباب، موضوعيا بحجم المشاركة المجتمعية في العملية السياسية ككل. هذه المشاركة التي لاشك أن بلادنا لازالت تعيش لحظتها التأسيسية. فسلطة الاقتراع العام لا تزال هشة والظاهرة الحزبية كإحدى حقول المشاركة لا تزال في خطواتها الأولى، وقيم الالتزام الجماعي والمواطنة هي أقرب ما تكون إلى المشروع منه إلى الحقيقة المجتمعية المترسخة(41) . إن ضعف مشاركة الشباب في الحياة السياسية، لا يعني بالضرورة أن هذه الفئة تضع نفسها خارج تحديات وأسئلة المستقبل الاقتصادي والاجتماعي، بل بالعكس إننا أمام فئة حاملة للعديد من الانتظارات، وهو ما يجعل هذا الضعف في المشاركة بشكل من الأشكال، يجسد نوعا من «الانتظارية» القلقة. تتمحور هذه الانتظارات أساسا حول : - وضع محاربة الرشوة والفساد والإصلاح الإداري على رأس الأولويات الحكومية(42) . - تعزيز الديمقراطية(43) وإعطاء الكلمة للشعب(44) . وهنا لا بد أن نسجل أنه داخل أربعة أبحاث ميدانية اعتمدها هذا التقرير يلاحظ أن الشباب يتمسك بهدف محاربة الفساد والرشوة، كأولوية حاسمة، وهذا ما يتكرر بقوة في الأبحاث المذكورة 45) ).