ج- الجرائم ضد الانسانية: حسب مقتضيات القانون الدولي الانساني ، فإن هذه الجريمة تعني في جزء منها الهجوم الموجه عن عمد ضد اي مجموعة من السكان المدنيين، اي نهج سلوكي يتضمن الارتكاب المتكرر لعدة افعال عملا بسياسة دولة أو منظمة تقضي بارتكاب هذا الهجوم . ومن هذه الافعال ، كما جاءت في المادة السابعة من نظام روما: القتل العمد والابادة -التي لاتعني فقط الحرمان من الحياة بالسلاح ولكن ايضا بفرض احوال معيشية تؤدي الى الموت كالحرمان من الحصول على الطعام والدواء- والاسترقاق والابعاد القسري للسكان والتعذيب والاغتصاب والاضطهاد والفصل العنصري والسجن والحرمان من الحرية . ولسنا في حاجة الى البحث او الاجتهاد للاقناع بان هذه الممارسات هي من صميم السلوك اليومي لاسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ولإثبات انها جزء من العقيدة السياسية والعسكرية المشتركة بين المسؤولين الاسرائليين وأجهزتهم. فالقرار بالقتل قرار سياسي وعسكري تتخذه المؤسسة السياسية والعسكرية الاسرائيلية بهدف ابادة جماعة سكانية وعرقية هي العرب الفلسطينيون واللبنانيون والسوريون والاردنيون والمصريون. والمسألة تتجاوز كون الامر يتعلق بمنهج، الى سياسة وعقيدة ثابتين ولازمين لوجود كيان يتأسس على الدين. د- جرائم العدوان : تعتبر هذه الجريمة من السلوكات التي تتقاطع الصكوك الاساسية للقانون الدولي الانساني والمواثيق الدولية في تحريمها، وهي تمتد من الاعتداء على التراب الوطني الى الابادة مرورا بالاحتجاز والاذلال والتعذيب والتسبب في المعاناة. وقد كان تحديد مفهوم العدوان الذريعة التي وظفتها بعض القوى النافذة في القرار الدولي لعرقلة احداث محكمة جنائية دولية منذ 1951 . فقد احدثت الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال العام المذكور لجنة للقانون الدولي خاصة بتحديد جريمة العدوان ، وأعدت مشروع نظام اساسي للمحكمة، إلا ان الجمعية العامة رأت ضرورة ارجاء النظر في المشروع الى حين تحديد مفهوم العدوان. وقد كان وراء هذا الاجهاض القوى التي لها مصلحة في الاستمرار في الحروب والاحتلال تحت ذريعة الحرب الاستباقية. وبقي الإشكال مطروحا حتى بعد ست سنوات من تشكيل المحكمة الجنائية الدولية وبعد عشر سنوات من فتح نظامها للتوقيع. وعلى الرغم من تنصيص المادة الخامسة من نظام المحكمة على ان جريمة العدوان تدخل في اختصاصها ،الا ان التفصيل في توصيفه ما زال مطروحا. ويتجه الراي بين البلدان الاطراف ، بعد ان شكلت فريقا معنيا بتحديد هذا المفهوم الى اعتبار جريمة العدوان كل تخطيط او اعداد او شن او تنفيذ عمل عدواني من قبل شخص يكون في وضع يتيح له ممارسة التحكم في الفعل السياسي او العسكري للدولة او توجيهه. ويعني العمل العدواني حسب نفس التوجه استعمال دولة ما للقوة المسلحة ضد دولة اخرى او ضد سلامتها الاقليمية او بأية صورة تتنافى مع ميثاق الاممالمتحدة. الممارسات الاسرائيلية ازاء الشعب الفلسطيني وفق هذا المفهوم هي جرائم عدوان بدءا من احتلال الارض بقوة السلاح ومهاجمتها والتخطيط لذلك على مدى اكثر من ستين عاما- اذا احتسبنا فقط تاريح احداث الكيان الاسرائيلي-وتهجير سكانها وتدمير مساكنهم ومصادرة اراضيهم وإبادة الصامدين منهم او احتجازهم وتغيير معالم الاقليم المحتل. ه- جرائم اخرى : تدمير الممتلكات المدنية وتغيير معالمها والاعتداء على المناطق المحمية واستعمال اسلحة محرمة تحرم صكوك القانون الدولي الانساني تدمير الممتلكات المدنية، سواء للأغراض العسكرية او بغاية الاحتلال كما تحرم طمس او تغيير طبيعة المعالم التاريخية. وتفرد اتفاقية جنيف الرابعة 32 مادة من مقتضياتها لحماية السكان في اراضي محتلة وفي اقليم مجال حرب وممتلكاتهم . وتعززت هذه الحماية النظرية بمقتضي البروتوكولين الاول والثاني الملحقين باتفاقيات جنيف، حيث تدقق المادتان 50و 51 مفهوم الشخص المدني وكيفية حماية السكان المدنيين وتحظران كليا تعريضهم لاي نوع من الهجمات او تعريضهم للترويع والتخويف وبالاحرى للإبادة. وتحدد المادة 59 الشروط الضرورية لتعريف المواقع المجردة من وسائل الدفاع، اي من الوسائل العسكرية.و يحرم البروتوكول الاضافي الثاني تعريض المدنيين في زمن الحرب والذين القوا عنهم السلاح للجزاءات الجنائية ولانتهاك الكرامة الشخصية والتعذيب أو المس بسلامتهم. وتحظر مقتضيات القانون الدولي الانساني المس بالممتلكات الثقافية او تغييرها في حالة نزاع مسلح كما تقضي بذلك اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح الموقعة في مايو 1954 والبروتوكولين الملحقين بها. في خرق لكل ذلك، يحفل سجل اسرائيل السياسي والعسكري بتدمير الممتلكات وقتل المدنيين واستعمالهم ذروعا بشرية وتدمير ومصادرة الممتلكات الثقافية وتدمير الاثار بهدف القضاء على الذاكرة الوطنية للشعب الفلسطيني وفي محاولة لاثبات حق تاريخي مزعوم كما يجري مع اثار القدس والمسجد الاقصى، خاصة حيث يعمل الاحتلال على طمس معالم المدينة العتيقة، هذا فضلا عن بناء جدران العزل. من جهة اخرى خصص القانون الدولي الانساني العديد من المواثيق لحماية المستشفيات وفرق الاغاثة والفرق الطبية وفرق الصليب الاحمر وما شابهه من هلال واسد وشمس، واعتبرها اشخاص واماكن امنة وخاضعة للحماية. وفي خرق وتحدي لكل ذلك لا تفرق الة الحرب الاسرائيلية بين المدني والمحمي والآمن، حيث تمارس القصف العشوائي المحظور في قانون الحروب بغرض إلحاق الضرر بالمدنيين. ولا شك أن شهادات المنظمات الدولية ولأول مرة بان اسرائيل تخرق القانون الدولي الانساني وتستعمل اسلحة محظورة بما فيها القنابل الفوسفورية والعنقودية والشظايا الحارقة وتلك المسببة للعمى ، وهي اسلحة خصصت لها المجموعة الدولية اتفاقيات خاصة، سيكون دعامة هذه المرة، لعمل صعب من أجل احالة مجرمي الحرب الاسرائيليين امام العدالة الدولية. لقد قام القانون الدولي الانساني على اسس هي بالخصوص ضمان الحق في الحياة والحق في السلامة الجسدية الحق في الامان. هذه الحقوق لم ينعم بها الشعب الفلسطيني منذ وعد بلفور المشؤوم، جراء ممارسات واعتداءات العصابات الصهيونية وبعدها المؤسسة العسكرية والسياسية الاسرائيلية والمستوطنون. لن يكون بلوغ هدف محاكمة جرائم اسرائيل يسيرا ولا سهل المنال، حيث تحظى اسرائيل بحماية قوى نافذة في القرار الدولي وحيث ما يزال العقل الغربي اسير اساطير الهولوكوست وحيث ما يزال الاعلام احادي النظرة. ومع ذلك، فإن ثمة في العالم العديد من الضمائر التي يمكن ان تحمل مشعل تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. وهذا يتطلب المثابرة وتوسيع نطاق المقتنعين بهذه الضرورة ووضع مسافة بين السياسي والقانوني بهدف قطع الطريق على الذين مازال اسم الفلسطيني يرتبط لديهم بالعنف. ولن يكون الامر يسيرا، لأن اسرائيل غير مصدقة على نظام المحكمة الجنائية الدولية، ولأن نفاذ هذا النظام لايسري على جرائم ارتكبت قبل 30يونيو 2002 . ومع ذلك ثمة ثلاث آليات لبلوغ هدف احقاق العدالة للشعب الفلسطيني: 1-اما العمل من خلال مجلس الامن الذي عليه ان يطلب من المدعي العام للمحكمة اعتقال او التحقيق مع مجرمي الحرب الاسرئليين، وهذا الطريق صعب بالنظر الى حق النقض المعد دوما كسلاح كلما تعلق الامر باسرائيل، 2-واما العمل من اجل تشكيل محكمة خاصة بمجرمي الحرب الاسرائليين ، وفي هذه الحالة سيكون بالامكان العمل على محاكمة كل الاحياء، من اهم المسؤولين عن هذه الجرائم، 3-واما العمل والسعي لدى بعض الدول من خلال حقوقييها والمناضلين من اجل العدالة فيه لجعل حكوماتهم تصدر مذكرات اعتقال في هؤلاء المسؤولين وبالتالي تضييق الخناق على المسؤولين الاسرائيليين ، وفي هذه الحالة يجب توسيع اللائحة الى اكبر عدد ممكن من هؤلاء الاسرائيليين ليعرفوا ان ما اقترفوه من جرائم ليس بدون عقاب. إن عملا من هذا القبيل يلزمه كفاءات واصوات مسموعة ومنظمات محترمة وذات صيت، ويجب ان يكون مدعوما من جانب النخب السياسية والثقافية والاقتصادية والمالية، حيث ان على الاموال العربية دعمه بسخاء والانفاق من أجل حملة علاقات عامة كبرى للتأثير على الرأي العام في الغرب بالخصوص. انتهى