توفي الزجال والفنان المسرحي أحمد جواد متأثرا بحروقه بمستشفى ابن سينا بالرباط ، أول أمس الأحد، وذلك بعدما تم نقله في حالة خطيرة من أمام مقر وزارة الثقافة بالرباط الاثنين الماضي، حيث أضرم النار في جسده ،احتجاجا على الغبن والحيف الذي لحقه ، كما حكى ذلك في آخر تصريح له مع جريدة «الاتحاد الاشتراكي». الفقيد أحمد جواد سبق أن احتج على منعه من دخول وزارة الثقافة، إذ كان كل يوم اثنين وثلاثاء يعتصم أمام باب الوزارة قبل أن يتفاجأ كما يقول في تصريح لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» بموظف يشغل منصب رئيس مصلحة التجهيز،يقصده ويتصل بالسلطات التي حضر ممثلون عنها في الحين بسيارة المصالح الاجتماعية التي تنقل المشردين والمتخلى عنهم ، فرفضت يقول أحمد جواد، الذهاب معهم بعد أن سلمت أحدهم البطاقة الوطنية وبطاقة الفنان، وقلت له أفضل سيارة الأمن على هذه السيارة، فعلمت حينها أن المسؤول قد كذب على السلطات، وادعى يشرح، «بأنني لا صفة لي، ولا أنتسب للميدان الفني بأي صلة» ،وعندما تأمل رجل السلطة في بطاقة الفنان، نظر بارتياب إلى مسؤول وزارة الثقافة ، فلجأوا للهدنة وفق تصريحه، بإرسال موظف بالوزراة وهي نقابية ، حيث طلبت مني أن أنهي الاعتصام ، وقد جلسنا في إحدى المقاهي لمناقشة هذا الموضوع. وأوضح الفنان المسرحي أحمد جواد، أنه وضع هذه الموظفة في الصورة، مؤكدا أنه قدم للوزارة من أجل طلبين يقول «وضعتهما لدى السيد الوزير، يتعلق الأول بطلب مقابلة مع السيد الوزير، وطلب ثان يهم دعم عرضنا المسرحي الحكواتي « درس في الحب»، فطلبت مني إنجاز ملف عن الموضوع، يوجه للنقابة. وأضاف أحمد جواد» لقد اتصل بي أحد الموظفين من مديرية الفنون ليخبرني بأن عملي استفاد من عرضين فرفضت هذا العرض ،وقلت لهذا الموظف لا يمكن أن أتعامل مع وزارة منعت من دخولها، وإذا ما استمروا في ركوب رؤوسهم، فأنا سأركب رأسي، وأصعد من الاحتجاج بحرق نفسي أمام مقر الوزارة». وفاة الفنان المسرحي أحمد جواد أثارت حفيظة رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك والفنانين والمثقفين، الذين عبروا عن صدمتهم من هذا الخبر الفاجعة، ولم يكن يتصور أحد أن يحدث ماحدث، لو أن المسؤولين أنصتوا لهذا الفنان المثقف، الذي اشتغل لمدة سنوات كمسؤول عن نادي الأسرة بمسرح محمد الخامس بالرباط، الى أن أحيل على التقاعد» السلم 6» ،حيث أن معاشه لايكفي لسد رمق أسرته ، بحكم أن هذا المعاش هزيل جدا رغم العطاءات التي قدمها للمجال الفني بشكل عام والمجال المسرحي بشكل خاص، إلا أنه لم يتم إنصافه ، وتم رفض عروضه التي مافتىء يتقدم بها للحصول على الدعم، لكن لاحياة لمن تنادي. محنة الراحل أحمد جواد، هي الثانية من نوعها، فقد سبق أن عاش محنة أولى، خبر فيها الاعتقال سنة 1994،حينما خاص معركة ضد قرار هدم المسرح البلدي بالجديدة، الذي اتخذه رئيس المجلس البلدي آنذاك أرسلان الجديدي، ليتم اعتقاله يوم 27 مارس 1994 ومحاكمته بسبب هذا الموقف البطولي ، وهو الاعتقال الذي اعتبرته هيئة الإنصاف والمصالحة، تعسفيا، وكان بسبب التعبير عن موقف معين من قضية تهم المجال الثقافي، وفي نطاق احتجاج لم يثبت أنه خرج عن الإطار السلمي؛كما اعتبرت أن الاعتقال قد تم بدون مراعاة لما ينص عليه دستور المملكة في بابه الأول، في تخويل المواطنين حرية الرأي والتعبير عنه بكل الأشكال. هذه المعركة تبناها مثقفو المغرب آنذاك وإعلاميوه بمختلف مشاربهم، كما وثق ذلك الصحافي والشاعر عبد الحميد بن داوود رحمه لله الذي كتب بجريدة الاتحاد الاشتراكي عن محنة هذا الفنان» أحمد جواد، قائلا: «رجل المسرح الذي يحاكم»، مذكرا بالكتاب التوثيقي الذي وثق فيه نضاله المستميت واحتجاجاته ضد قرار هدم المسرح البلدي بالجديدة في مستهل التسعينيات من القرن الماضي، وهي الاحتجاجات التي قادها أحمد جواد مفرداً بخوض إضراب عن الطعام، بمناسبة اليوم العالمي للمسرح أمام بناية المسرح البلدي، الشيء الذي اعتبرته السلطات: «إخلالاً بالنظام العام»، ليتابع أمام المحكمة بذات التهمة بعد اعتقاله وعرضه على السلطات القضائية، بل وعلى طبيب للأمراض العقلية للتأكد من سلامته العقلية! الكتاب يشير إلى محنة هذه المحاكمة وبعض أطوارها العجيبة، وما عرفته من تلاعبات، لتتم مؤاخذته ابتدائياً بشهر موقوف التنفيذ وغرامة مالية قدرها 250 درهماً، قبل أن يتم إلغاء هذا الحكم في محكمة الاستئناف والنطق ببراءته في 12 دجنبر 1994، مع ما صاحب كل ذلك من أضرار صحية ومادية واجتماعية بالفنان أحمد جواد الذي رفع تظلمه بهذه المحنة إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، حيث أقرت لجنة تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في مجال جبر الأضرار بالحيف الذي طاله. وأوصت بتعويضه عما لحقه، بسبب «التعبير عن موقف معين من قضية تهم المجال الثقافي، وفي نطاق احتجاج لم يثبت أنه خرج عن الإطار السلمي». كتاب «أحمد جواد: رجل المسرح الذي يحاكم» يقول الشاعر والصحافي عبدالحميد بن داوود، يتضمن إلى جانب المادة التوثيقية، شهادات عن الفنان وعن نضاله «المسرحي» كتبها كل من المسرحي الاحتفالي عبد الكريم برشيد، وعبد السلام العسال رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالجديدة، الذي عاش معه بعض أطوار محنته، والشاعر والصحفي عاهد سعيد ابن مدينة الجديدة البار، في حين تتوزع باقي مواد الكتاب من مقالات ومتابعات وأعمدة صحافية، لما كتب آنذاك حول هذه المحنة إخباراً، ومتابعة وتضامناً وتعبيراً عن مواقف في العديد من المنابر الإعلامية المغربية: «الميثاق الوطني» وجريدة» العلم»، جريدة» النشرة»، جريدة» الاتحاد الاشتراكي»، جريدة «أنوال»، جريدة «كل الفنون» وجريدة «لوبنيون» وجريدة «البيان» بالفرنسية، وهي مقالات وأعمدة وقع بعضها، كتاب ومبدعون وفنانون أعلام، كعبد القادر الشاوي وأبو فارس (محمد الأشعري) وخالد الجامعي، ومحمد نجيب كومينة وندير يعتة ونبيل لحلو وإدريس الحنبلي وخليل رايس… إلخ. إن الكتاب بحق، هو حكاية عن دفاع» مجنون» عن المسرح، قوبل ب «جنون» السلطة، لكنه نضال انتصر في النهاية ليظل المسرح البلدي بالجديدة قائماً إلى اليوم ولم يطله الهدم، وكما جاء في كلمة عبد الكريم برشيد: «واليوم إذا كان هذا المسرح مازال قائماً في مدينة الجديدة، فبفضل هذا الرجل (أحمد جواد) بكل تأكيد، وبفضل كل الذين آمنوا بشرف ونبل المعركة التي خاضها، والتي غيرت تاريخ المدينة، وغيرت شيئاً مهماً في تاريخ المسرح المغربي الحديث». الكاتب والناقد المغربي نجيب العوفي هو الآخر دخل على الخط في هذه المحنة، حيث كتب سنة 2001 بجريدة الاتحاد الاشتراكي كخلاصة للقول عن حالة أحمد جواد، يقول:» أحمد جواد، شاب مثقف دمث الأخلاق والخصال، متوقد الحيوية والحماس، محب للثقافة والمثقفين، كثير الصداقات والمودات، مع مختلف الرموز والأجيال والحساسيات، لا يجمعه بها سوى الخير والإحسان، ونبل الإخاء والصفاء والوفاء. ولم أسمع قط، من قريب أو بعيد، أنه أوغر صدرا أو جرح إحساسا أو أثار من حوله نقعا أو غبارا. فقد كانت سيرته ولاتزال عطرة نضرة. أحمد جواد، لمن لا يعرفه، مواطن مغربي متواضع في كبرياء، يشتغل منذ زمان مسؤولا عن نادي الأسرة الثقافي التابع لمسرح محمد الخامس بالرباط، ومؤطرا لأنشطته وأماسيه، ومسيرا لدواليبه وشؤونه، أجود ما يكون التسيير…. كذلك عرفت، وعرف غيري من الأصدقاء، أحمد جواد، شعلة من الحيوية والنشاط لا تخبو، و «جوادا لا يكبو»! لقد بذل أحمد جواد جهودا دائبة وصامتة في سبيل إنجاز مهمته وتأدية رسالته، وكان يتوقع كل مرة، أن تؤخذ جهوده بعين الاعتبار وتنصف حق الانصاف، فتلتفت إليه إدارته التفاتة عرفان ووفاء، وتوفيه حقه بعد أن وفى بواجبه واستوفاه «وتنظر في وضعيته الإدارية والاجتماعية، ليكون في مستوى رسالته ومهمته، سيما بعد أن تفاقمت تكاليف العيش في السنوات الأخيرة، وثقلت أعباء جواد بعد أن صار زوجا وأبا.» في محنته الثانية التي لم تجد آذانا صاغية، اضطر معها أحمد جواد، إلى إحراق جسده الفاني عن طريقة «الهاراكيري» وقد كان حذر من ذلك الكاتب والناقد المغربي نجيب العوفي سنة 2001، وكتب عن ذلك الملحن المغربي سعيد الإمام بعد تداول نبأ وفاته، حيث قال في صفحته الرسمية على الفيسبوك،» توفي الفنان المسرحي أحمد جواد الذي أضرم النار في جسده أمام مقر وزارة الثقافة والشباب والتواصل في اليوم العالمي للمسرح وذلك بعد معاناة طويلة وتأثير الجروح.. مات أحمد جواد قبل صدور بلاغ تحقيق أولي لتنوير وطمأنة الرأي العام عن ملابسات هذا الحادث الأليم ..!! مات أحمد جواد تاركا وراءه مسؤولين وهيئات ونقابات تلجأ لمؤامرة الصمت والتجاهل وعدم التواصل، ولا تقدر معنى وخطورة التطبيع مع انتحار فنان من أبناء هذا الشعب وتنتظرالفرصة فقط لإصدار» تعزية « . مات أحمد جواد دون أن يدري من يجب عليه أن يدري أن التضامن والتعاطف لا يمكن أن يكون إلا مع الضحية، وأن من يعتبر نفسه مناضلا حرا وينتظر عطف ورضى الجلاد لا يحصد في الأخير سوى السحت والذنوب له ولأولاده . . مات أحمد جواد …تاركا أبناءه وأسرته الصغيرة في رعاية لله ومجموعة كبيرة من الأسئلة الغامضة عن مصير الجسم الثقافي والفني وعلاقته بالمؤسسات الرسمية والإدارات المعنية بالثقافة والفن وهذه الأبواب الموصدة بالحديد واللامبالاة والمراوغات أحيانا حين يلجأ الفنان إلى طلب موعد مع مسؤول لطرح قضية مستعصية ولا يلوي إلا على الريح . مات الفنان أحمد جواد رحمة لله عليه .فمتى سنخلق أسبابا حقيقية لتكريس الإبداع في هذا الوطن المعطاء دون مزايدات ودون محسوبية؟ ومتى ستفتح أبواب التنافس الشريف في وجه الجميع»؟ الإعلامي عتيق بنشيكر، هو الآخر كتب على صفحته الرسمية في الفيسبوك ينعي الفنان المسرحي أحمد جواد: «أشعل النار في جسمه الغض، وقبل إقدامه على ذلك، لطالما احترق داخليا وهو يسائل واقعه الذي لم يخضع لأحلامه الواسعة. أحرق جسمه النحيف، ورحل..... لكنه ترك في قلوبنا حرقة جماعية لا تنطفئ ولا تخفت إلا بتغيير واقع المبدع الصادق في وطني... يطفئ نارَ وحرقة الموت ماءُ أحلام من هم يحترقون داخلياً بيننا وفي مجالات عدة أمام بطش البيروقراطية والسلالم الادارية... واصلوا أحلامكم واسبغوها بندى الواقعية والإصرار والتحدي،لا بالاستسلام والخضوع. فالنار مآلها الرماد. واصلوا صرخاتكم الداخلية وأشبعوها ايمانا ويقينا بأن من سار على الدرب يصل؛ لا تستسلموا ولا تهنوا أمام رحابة الأفق الذي مهما بعد، فهو يقرب بصوتكم الجماعي.» جواد شفيق الذي كان يتواصل معه الفقيد أحمد جواد وأحد أصدقائه، كتب على صفحته الرسمية في الفيسبوك «يا ألله ….إنهم يغتالون ما تبقى من أمل. الفنان المسرحي أحمد جواد يودع إلى دار البقاء متأثرا بحروقه.. رجل مات محروقا، مقهورا، محكورا ..لابد أن روحه ستظل تطارد كل من كان سببا في هذه النهاية المأساوية. الروح عزيزة عند لله… لله يرحمك و يأخذ حقك.. هذه عينة من الآلام والأحزان والحسرة التي تدفق بها العالم الافتراضي، مباشرة بعد انتشار الخبر الفاجعة، ورحيل أحمد جواد، إنها تراجيديا بكل ماتحمل الكلمة من معنى، فلم ينتبه المسؤولون إلى الوضع الاعتباري لفنان خدم بتفان طيلة مشواره المهني بدون كلل أو ملل، ودون أن يجد حتى أذنا واحدة تصغي لمعاناته، بل لم يستدع إلى حفل افتتاح المسرح البلدي بالجديدة الذي يحمل الآن اسم المسرحي محمد عفيفي، وهو الذي وقف في وجه من أرادوا هدمه وتحويله ربما إلى عمارات، فكان الاعتقال والمحاكمة، وهي غصة ذهبت معه إلى الرفيق الأعلى. أحمد جواد عنوان كبير وعريض لتراجيديا مغربية اسمها نكران الذات، وسياسة اللامبالاة. أحمد جواد عاش محنتين الأولى ،كانت من أمام المسرح البلدي بالجديدة، في اليوم العالمي للمسرح سنة 1994 ،حيث كان الاعتقال، والمحنة الثانية ، كانت سنة 2023 أمام مقر وزارة الثقافة، وأيضا في اليوم العالمي للمسرح، هل هي مشيئة الأقدار، أم هي مشيئة أصحاب القرار.؟ رحم لله الزجال والفنان المسرحي أحمد جواد.